23 ديسمبر، 2024 10:17 م

حماية شافيز وحماية المالكي

حماية شافيز وحماية المالكي

 في صيف عام2000 ، عقد مؤتمر قمة الدول المصدرة للنفط ( أوبك ) في فنزويلا ، وعلى هامش المؤتمر كانت هنالك عروض غنائية ومسرحية للفرق الفنية الممثلة لهذه الدول ،وأثناء تقديم فرقة بابل العراقية التراثية مع فرقة دار الازياء العراقية عروضها الغنائية في حديقة ( موسيوس ) العامة وسط العاصمة الفنزويلية كراكاس ، حضر الرئيس الفنزويلي ( هوغو شافيز ) الاحتفال بملابس عادية لا تميزه عن الاخرين  دون  موكب سيارات كبير أو إجراءات أمنية استباقية  ، ومعه سكرتيره الشخصي وعدد من أفراد الحماية ، لا يتجاوز عددهم العشرة بملابس مدنية  عادية دون ظهور للأسلحة التي ربما كانت مخفية ،  وتوزع أفراد حمايته حول مكان الاحتفال الذي عبارة عن صفين من الكراسي أمام المسرح وبقية الجمهور ملتف حوله وقوفا ، جلس الرئيس شافيز في الصف الامامي للمسرح وبجانبه القائم بالأعمال العراقي وعدد من أعضاء الوفد ومديرة المتحف الفنزويلي  ، أستمرت فرقة بابل بعروضها الغنائية واعضاء فرقة دار الازياء يدبكون على انغامها امام شافيز  ، كنت أقف جانبا أحمل كاميرا فوتوغرافية ، أشار الي القائم بالأعمال التقاط صورا للحضور مع الرئيس ، طلبت من رجل الحماية القريب مني بلغة إسبانية تدل بوضوح باني أجنبي التقاط صورا للرئيس ، سمح لي بذلك دون تفتيشي او تفتيش الكاميرا ،  فوقفت أمام الرئيس شافيز على بعد متر اومترين والتقطت الصور ، وانسحبت بعدها . وعند انتهاء الفرقة من أدائها الغنائي واثناء مغادرة شافيز المكان ، التقط عددا من الصور التذكارية مع أعضاء الفرقة وأنصرف .
     هذا المشهد ظل عالقا  في ذاكرتي ، وماثل أمام عيني كلما شاهدت مواكب المسؤولين العراقيين حتى الدرجة الثالثة أو الرابعة الذين أصبحوا وحماياتهم عبئا” مضافا الى معاناة العراقيين في الشارع أو العمل . ولكي لايصفنا المقربين والانصار بالنعوت والصفات الجاهزة المعروفة لكل من لا يتفق مع المالكي ، فنترك زياراته الى الانبار والموصل وكركوك واجراءاتها الامنية غير المسبوقة، ونتناول زيارته الى مدينة الناصرية لقلة اعمال العنف فيها والتي حصل فيها حزبه ( الدعوة )على اكثرا صوات ناخبيها .
     ففي الزيارة الثالثة التي قام بها نوري المالكي لمدينة الناصرية في حزيران الماضي ، اتخذت إجراءات أمنية مكثفة لتأمين الزيارة ، ففي الوقت الذي وصل به المالكي الى المدينة جوا ، وهبطت طائرته في قاعدة الامام علي ، كان هنالك استنفار ,انذار (ج _ أعلى درجات الحذر واليقظة ) لقوات الجيش والشرطة ،  وانتشرت قوات النخبة ( سوات ) القادمة من بغداد في شوارع الناصرية واحيائها بعدتها وعديدها ، والاليات العسكرية والسيارات المظللة ذات الدفع الرباعي بعناصرها حليقي الرأس والنظارات السوداء على الطريقة الامريكية ،وشلت الحركة في المدينة . وأزاء كل هذه الاجراءات التي من المفروض أن تكون نوعية محددة لا كمية وبهذا الانتشار لمعرفة القائمين على الحماية بطبيعة المدينة  كونها الزيارة الثالثة  فقد عقد المالكي اجتماعاته داخل القاعدة الجوية التي تبعد أكثر من 10 كم عن المدينة.
     قد تبدو هذه المقارنة في إجراءات حماية شافيز والمالكي غير منصفة في نظر البعض للتباين الكبير في حجم التحديات الموجودة بين البلدين ، ولحداثة التجربة الديمقراطية في العراق ،  لكن واقع الحال ان التحديات التي تواجه شافيز هي أخطر وأكبر مما يتعرض له المالكي ، كون شافيز في مواجهة  وتحدي مع أمريكا ، وهذه الاخيرة معروف عنها عمليات الاغتيال الهادئ أو الاغتيال بدون ضجيج ، فقد تعرض زميله وحليفه الرئيس الكوبي كاسترو لعشرات من عمليات الاغتيال  من قبل ال c.i.a ، ومشاكله مع دول الجوار أضافة الى مافيات أمريكا اللاتينية المعروفة بعملياتها الخاصة ،  بينما المالكي فانه حليف لإيران وامريكا ومن غير الممكن ان تقوم الدول الاخرى المناهضة للمالكي بعملية الاغتيال كونها تحت العباءة الامريكية . وأن هذه العمليات الخاصة تتطلب تحضيرات لوجستية كبيرة مسبقة وجهدا وامكانات كبيرة ، وأن الميليشيات الاخرى على توافق معه . كذلك فان تنظيم القاعدة بعيد عن ساحة الناصرية .
     لكن حقيقة الامر أن إجراءات الحماية الشخصية للمسؤولين في العراق تدل على أن الامن يدار من قبل ميليشيات وليست أحزاب سياسية وطنية ، تعمل لأجل العراق والعراقيين  كذلك تسقط اكذوبة الديمقراطية ، فالسياسي المنتخب لا يخشى ممن انتخبوه  وأن المالكي يخشى من الشعب حتى في قواعده الجماهيرية ، هذه أن كانت هنالك قواعد حقيقية ، لفشله السياسي والحكومي في تقديم أبسط الخدمات ،والمثل على ذلك  أن زيارته للناصرية بهذا الكم الهائل من عناصر الحماية ما هي الا مناورة إعلامية حسب اراء بعض المحللين للرد على مشاريع الفيدرالية التي أثيرت في بعض المحافظات في حينها  وليس الوقوف على المشاكل العالقة وتذليلها عن قرب والدليل أن حماية المالكي منعت الصحفيين ووكالات الانباء والقنوات الفضائية غير الحكومية من تغطية اجتماعاته مع المسؤولين في ذي قار التي لم تتمخض الا عن قرارات وضع صورة الزقورة على العملة العراقية وتحويل جزء من قاعدة الامام علي الى مطار مدني ، وهذه بعيدة عن الاحتياجات والمشاكل التي يعاني منها اهالي الناصرية .