15 نوفمبر، 2024 10:48 م
Search
Close this search box.

الحسين ثورة لا يعرفها إلا من ذاب فيها ؟…

الحسين ثورة لا يعرفها إلا من ذاب فيها ؟…

يحكي لي صديق بحادثة جرت في السنين الماضية، وحصراً في ثمانينات القرن الماضي، حول حادثة فريدة من نوعها، عن إحياء معركة الطف وتمثيلها للجموع، التي تحضر في اليوم العاشر من المحرم، وتبدأ من الصباح الباكر، لتنتهي بإنتصاف النهار، وتقوم هذه المجموعة وإن كانوا ليسوا أكاديميين، أو ممثلين تخرجوا من معاهد الفنون الجميلة، أو كلية تختص بالأمور الفنية والإعلام، لكنهم رضعوها منذ أول يوم جاءوا بها لهذه الدنيا الفانية، وسمعوها من أمهاتهم وهن يندبن الحسين، وما جرى في تلك الفاجعة التي لا زالت تعيش في ضمائر الشرفاء.

يروي أبو منتظر العبودي، المعارض للنظام السابق وهو في الغربة، كان لنا مكان آمن نعيش فيه، وكل سنة نمثل واقعة الطف في ذلك المكان، وكنّا نستأجر الخيول من المناطق المجاورة، لقاء ثمن ندفعه له نقداً لنرجعها له في نهاية الواقعة، حصلنا على مهرة من أحد الساكنين في قرية ليست بالبعيدة، فكان نصيبنا تلك المهرة لهذه السنة تختلف عن سابقاتها، حيث كان إختياري لها موفقا، فقمت بتغذيتها والمسح على ظهرها، والتكلم معها وكأنها إنسان، لأنه يُعرف من خلال الأحاديث، أن “الخيول العربية” تفهم وتَعِي ما يُقالُ لها، وتُطيع راكبها وتَقِفْ حينما يهوي الفارس عنها، وتنتظرهُ لحين الركوب على ظهرها مجددا لتواصل السير .

قبل الواقعة بيوم كنّا نمثل الدور حسب الأشخاص والمهمة المناطة به، وكيفية توزيع الأدوار والوقت، وكنت أنا أُمثل دول الحسين (عليه السلام)، وإنتهى النهار بطوله من إتقاننا للأدوار، وكل حسب إختصاصهِ، فكان اليوم المنتظر لتمثيل الواقعة، فجسدناها كما تذكر الروايات المتواترة وبحذافيرها، مع إختصار الوقت والجُهد، وكنّا نُرَكِز على الفقرات المهمة، وعندما كانتْ الصولة الأخيرة لِسيد الشُهداء، ليدخل المعركة التي يتم بها إستشهادهِ، وبحركة خاطئة من أحد الأخوة الممثلين، يضرب المهرة على أفخاذها من الخلف، فيترك جرحاً سبب لها ألماً وخُروجِ الدم، حيثُ تَمّ مٌداواتِها وتَضميدِها، والإعتِذار منها والتكلم معها! أن تلك الإصابة لم تكن مقصودة، وأنها أتت دُون قَصدْ .

قال أحد الأخوة المتعهدين لتَذهب مجموعة لصاحب المهرة، ويقدموا لصاحبها الإعتذار، وتعويضه مادياً وإسترضاءه بكل الطرق، حتى لو طلب ثمنها مع إحتفاظِهِ بها، وفعلا تم ذلك مع كلمة منهُ، أنه لن يعيرهم إياها مُستقبلاً أبداً! وهذا جعلنا نشعر بالذنب والحُزنِ معاً، مع أننا أكرمناها وألبسناها وشاحاً جديدا، وسرج ومُتعلقاته مع حُلّةٍ جديدة، تم شرائها من السوق إكراماً لها، حيث قطع علينا طريق إستئجارها مستقبلاً، لنبحث في السنة التالية عن غيرها، مع أننا ذهبنا إليه مجدداً لكنه أبى وطردنا، مع بعض الكلمات التي لا تَسُر، فإتجهنا لغيره بغية الحصول على مواصفات تشبه تلك المواصفات .

في السنة التالية وبعد إنهاء كل التحضيرات، إستعداداً للشروع ثاني يوم بتمثيل الواقعة، وبعد إستراحة العمل المجهد، وإدخال الخيول لأماكنها المخصصة، يأتي النداء من أحد الأخوة، ليقول لنا لماذا هذه المهرة متروكة خارجاً ولم يدخلها أحد الى الحضيرة، ويتم إطعامها لتكون جاهزةً يوم غد لتمثيل الواقعة، وَضَعَنا نداء الأخ في حيرةِ، لنُعاتِب المُكلّف بإيواء وإطعام الخيول التي إستأجرناها، حيث جاء الرد وهو يحلفُ باليمين أنهُ أدخل كل الخيول للمكان المخصص، فتقافزنا لتبيان الحقيقة، لنرى تلك المهرة التي مثلت الدور في السنة السابقة! خارج المكان تنتظر أحد لإدخالها مع بقية الخيول !.

يستطرد أبو منتظر ليقول، أن هذه المهرة جاءت دون إستدعاء! وقطعت مسافة ستين كيلومتر، مما حدا بنا الإتصال بصاحبها، لنعلمه إنها بعهدتنا، فجن جنون الرجل وصلت لإتهامنا بسرقتها دون علمه! وهو يعرف أننا نعتز بها كونها طيعة، وتستجيب للتعلم وإجادت الدور الذي ستكون بطلتهُ، حيث أتممنا ذلك اليوم ببكاء وحزن، وفرح في نفس اليوم الفرح حين أتت المهرة، وتفاعلها مع الدور والإحساس بمظلومية سيد شباب أهل الجنة، والحزن على الذكرى الأليمة التي تمر علينا، نتناقلها جيل من بعد جيل، وبعد الإنتهاء لم يكن لدينا شيء، سوى السؤال المحير! كيف لهذا الحيوان أتى إلينا وبنفس اليوم؟ هل هي على موعد، ومن أدراها أننا سنمثل الواقعة في ذلك اليوم بالضبط .

هنا لابد من سؤال؟ هل هذا الحيوان على علم! ومن الذي أعلمه؟ وكيف عرفت الطريق، سيما أننا عندما جلبناها قبل عام، كان بواسطة سيارة حمل كبيرة، ولا يمكنها النظر خلالها، وما الداعي من حضورها، وكأنها تقول بحضورها أنها هي بطلة ذلك الدور، الذي لا يتكامل دونها، مع أنها حيوان، وتفكيرها ليس كتفكير البشر، هنا تقف الكلمات عن التفسير، ولا نقول سوى إنها ثورة الحسين، تلك الجذوة التي لا زالت ملتهبة بصدور محبيه، فكيف بالحيوانات .

أحدث المقالات

أحدث المقالات