ألا من ناصر ينصرني، صرخة دوت في صحراء كربلاء، يوم العاشر من المحرم، عام 61 للهجرة، أطلقها الحسين عليه السلام، قائد أعظم ثورة إصلاحية عرفها التاريخ البشري، صرخة إمتد صداها على مر التأريخ، فكان الملبون للثورة يتوافدون بلا إنقطاع إلى مذابح الحرية، بطاقات تعجز عن تحملها عقول الطغاة، فكان الرد دمويا بقدر ما أحدثته تلك الثورات من هزات عنيفة للعروش الظالمة، التي ما إنفكت إلا وسقطت بعد أن إكتسحتها دماء الأحرار لتقوضها من جذورها.
صرخة دوت في أرض كربلاء، فكان الرد ” إن كان لم يجبك بدني عند إستغاثتك ولساني عند إستنصارك فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري”، ردٌ تلهج به الألسن وتصدح به الحناجر في كل مكان وعلى مر العصور، رد عملي، حيث تقدم الأرواح رخيصة لأجل المبادئ بصور وأشكال مختلفة لكنها في نهاية الامر سائرة، على درب الحسين، في مقارعة الظلم وإحقاق الحق، فترى الشعارات، هيهات منا الذلة، مثلي لا يابيع مثله، وكأن الحسين بعث من جديد.
صرخة الحسين عليه السلام، لها إستجابة أخرى، غير بذل الروح، والضرب بالسيف والطعن بالرمح، بل إستجابة الفكر والعمل على ترويض النفس، وبناء الانسان المؤمن بما أنزل على خاتم الانبياء والرسل، بناء الأخلاق الفاضلة، حتى نرتقي بالانسان ليكون خليفة الله على الأرض، الذي باهى به الله جل وعلا ملائكته وأمرهم بالسجود له، نرتقي بهذا الإنسان لنبني الدولة العصرية العادلة، مؤسسين بذلك لدولة صاحب العصر والزمان، التي تنتظرها البشرية جمعاء إنتظار تعطش ولهفة، لأن فيها الخلاص الحقيقي.
صرخة الحسين وحدتنا، في مسيرنا إليه، فتزول كل الفوارق، بل حتى التشدد الذي غلب على طبائع البعض، يزول أثناء المسير، فالكل ينادي: لبيك ياحسين، ومن لا يمشي، يخدم بكل ما أوتي من قوة بدنية وروحية، وهنا يبدأ الألم، ملايين من البشر يمشي باتجاه واحد، بدعاء واحد، بروحية واحدة، الجميع يتالف ويتأزر، ولكن ما أن ينتهي الأمر ونعود الى مدننا، نتفرق فنصبح عُصيٍ مفرقة بعد أن كنا حزمة واحدة تأبى أن تنكسر.
صرخة توحد ملايين البشر، وملايين البشر لا يستطيعون التوحد لأجل إنقاذ أنفسهم وتوحيد بلدهم، وكأن لم يسمعوا قوله تبارك وتعالى ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، انت تحب الحسين، تحب بلدك، تحب أن يكون قرار البناء الصحيح بيدك، حسنا فيما الإنتظار، لنضع يدا بيد، ولنترك كل شيء قد يفرقنا، القومية، المذهبية، الارتباط العشائري، بل حتى الاختلاف في التقليد، ولنترك وجهات نظرنا السياسية، ولنؤمن بالعراق الواحد، فإن توحد العراق ، إنتصر الحسين.