15 نوفمبر، 2024 9:04 ص
Search
Close this search box.

“الوصمة البشرية” .. ملامح أميركا الخلفية المنحوتة من العنصرية والإضرار بالحروب !

“الوصمة البشرية” .. ملامح أميركا الخلفية المنحوتة من العنصرية والإضرار بالحروب !

خاص: قراءة – سماح عادل :

رواية (الوصمة البشرية) للكاتب الأميركي الشهير “فيليب روث”، ترجمة “فاطمة ناعوت”، الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة الجوائز.. تتناول المجتمع الأميركي منذ الحرب العالمية الثانية وحتى أواخر التسعينيات، تقوم بتعريته وكشف عيوبه من خلال حكاية أستاذ جامعي يخسر حياته بسبب اتهامه بالعنصرية تجاه الملونين.

الرواية ثرية؛ تناقش عدة قضايا هامة تخص المجتمع الأميركي وخصوصيته.. تتناول العنصرية ضد الملونين، والتي كانت في أوج قوتها خلال عقد الأربعينيات وما بعده، وتناقش الحروب التي تضر الجنود الأميركيين بقدر الضرر الذي يقع على الدول الأخرى، وفساد الوسط الأكاديمي وزيفه.

الشخصيات..

“ناثان زوكرمان”: البطل.. كاتب روائي شهير يقرر التقاعد في مدينة “نيو أنغلاند” الأميركية للتفرغ للكتابة، ثم يصاب بالسرطان وتصبح عزلته أمر مفروض عليه، يقتحم عزلته أستاذ في جامعة “أثينا” ويطلب منه كتابة حكايته الحزينة، وتبدأ معه صداقة طيبة لينشغل “ناثان” بحكاية صديقه هذه حتى النهاية.

“كولمن سيلك”: بطل الرواية التي يقرر”ناثان” كتابتها.. أستاذ للأدب الكلاسيكى في جامعة “أثينا” بمدينة “نيو أنغلاند” الأميركية، بعد أكثر من أربعين عاماً من كونه أستاذاً وعميداً للجامعة يتهم بأنه تصرف بعنصرية تجاه طالبين من الملونين لأنه وصفهم في إحدى محاضراته بكلمة تدل على التحقير للأميركيين السود، في حين أن نفس الكلمة تستخدم للتعبير عن كلمة “شبح”.

“ستينا بولسون”: فتاة بيضاء أحبها “كولمن”.. وقضى معها سنتين وقرر أن يتزوج منها، لكنها تركته بسبب هويته وعرقه.

“آيريس”: زوجة “كولمن” يهودية الأصل.. متمردة وثورية وقوية الشخصية، عاشت معه طوال حياته ثم ماتت أثر أزمته مع الجامعة، واعتبر “كولمن” أن الذين اتهموه بالعنصرية هم الذين تسببوا في قتلها وأنهار لذلك.

“دلفين روكس”: سيدة فرنسية.. استطاعت أن تتفوق في دراستها وأن تذهب إلى أميركا لتفوز بوظيفة مرموقة في جامعة “أثينا”، واعتبرت هذه ميزة لا يجوز التخلي، عنها كانت تكره “كولمن” رغم أنه هو الذي أعطاها الوظيفة، لأنه تعامل معها بتعالي وجفاء، ولم يهتم بها، وكانت تعاني من الوحدة وتبحث عن حبيب، ساهمت في التنكيل بـ”كولمن” أثناء اتهامه بالعنصرية وظلت تؤذيه بعد ذلك.

“فونيا فيرلي”: عاملة نظافة في الجامعة.. تعيش في مزرعة للأبقار وتقوم بأعمال مجهدة، فهي تقوم بثلاث وظائف لكي تعيش، تزوجت من جندي في الجيش وكان يضربها بعنف وتعرضت للحوادث مأساوية طوال حياتها، أقامت علاقة جنسية مع “كولمن” انتهت بموتهما.

“لس فيرلي”: زوج “فونيا”.. تزوجها وهي في سن المراهقة، لكنه كان يعاني من مرض نفسي بسبب سفره إلى الحرب في “فيتنام”، وقد أدى ذلك إلى إفساد حياة “فونيا”، ويرجح المؤلف أنه هو الذي تسبب في قتلها هي و”كولمن”.

الراوي..

من بداية الرواية  الراوي هو “ناثان زوكرمان”، الكاتب الشهير الذي يؤلف رواية عن صديقه، لكنه يترك للشخصيات حرية التعبير عن نفسها، فنجد عدة أصوات داخل الرواية تحكي عن حياتها وعن نوازعها الداخلية وأمراضها النفسية، وعقدها وصراعاتها تجاه الحياة القاسية في أميركا، ويتم عرض تلك الأصوات بالتناوب مع صوت الراوي الرئيس.

السرد..

السرد ثري يحكي بعمق عن عدة شخصيات تمثل شريحة هامة من المجتمع الأميركي، ويكون وحدة متكاملة عن ما يريد الكاتب توصيله، وهو أن المجتمع الأميركي يعاني من مشاكل كبيرة تدفع الناس إلى عيش الحياة بقسوة، يتنقل الكاتب بين الحاضر والماضي برشاقة دون وضع فواصل أو تقسيمات، كما يتنقل بين الأصوات المتعددة بنفس الرشاقة.

الهروب من الهوية..

ينتمي “كولمن سيلك” إلى الزنوج، كما كان يطلق عليهم في فترة الأربعينيات، ثم أصبح مصطلح الملونون يستخدم أكثر، يتعرض والده للعنصرية ويفقد وظيفة مرموقة ليصبح عاملاً في عربة طعام، وأمه ممرضة تستطيع الترقي في عملها، لديه أخ وأخت لكنه يحس بوطأة العنصرية أكثر منهما، وتساعده ملامح وجهه على التنكر لعرقه وهويته، فهو يمتلك عينين خضراوين وبشره أفتح في لونها بسبب اختلاط بين الأعراق، حدث في زمن بعيد في عائلته، فيقرر بعد موت والده الصارم أن ينكر أنه زنجي وأن يتنكر لعائلته ويهجرهم تماماً، خاصة بعد أن رفضت حبيبته “ستينا بولسون” المواصلة بعد التعرف على أسرته، ويقرر التزوج من “آيريس” بعد أن زيف تاريخه بأكمله وأخبرها أنه من أصل يهودي، فاليهود بعد الحرب العالمية كانوا يلقون معاملة أحسن من الزنوج في أميركا وتفتح لهم الأبواب وتقدم لهم الفرص.

ينجب أربع أبناء ويترقى في عمله حتى يصبح أستاذاً ثم عميداً في جامعة “أثينا”، وينسى عرقه وهويته تماماً إلا أن ترجعه حادثة تافهة إليها، ويتهم بأنه عنصري تجاه الملونون لأنه تلفظ بلفظة يعرف تاريخياً أنها تحقر من الزنوج، ويستقيل من الجامعة وتموت زوجته بجلطة وتنهار حياته.  لكنه رغم ذلك لا يكشف أبداً عن هويته لا لأبناءه ولا لأصدقائه ويظل على كتمانه ولا يحكي سوى لعشيقته “فونيا فيرلي” التي لا تهتم في الواقع.

علاقة تعيد الحياة..

يدخل “كولمن” في علاقة جسدية مع “فونيا فيرلي”؛ وينسى كل إحساسه بالظلم ويتماسك بعد انهياره، حتى أنه يبدأ يشعر بالقوة نتيجة تلك العلاقة المحمومة مع “فونيا فيرلي”، ورغم أنه في 71 من عمره وهي في 34 من عمرها إلا أنه يشعر بالتواصل معها، ويظل محتفظاً بها بقربه رغم أن سر علاقتها قد انكشف، وبالغ الناس في النميمة وألفوا الشائعات حولهما، وقد تعامل معه أولاده بشكل سيء بسبب تلك العلاقة، كما أن زوجها السابق قد أصبح يراقبه، لكنه ظل متمسكاً بها إلى النهاية، وماتا الإثنان وهما في سيارته، ويرجح المؤلف أن “لس فيرلي” هو الذي طاردهما بسيارته مما تسبب في موتهما.

تناقض المجتمع الأميركي..

يشرح “فيليب روث” في جرأة تناقض المجتمع الأميركي وترهله.. “فونيا فيرلي” رغم أنها تنتمي إلى أسرة غنية إلا أن أمها مستهترة تتعامى عن تحرشات زوجها لابنتها، وتترك ابنتها ضحية للانتهاك الجنسي، ثم تهرب “فونيا” وهي في الرابعة عشرة وتعاني من قسوة معظم الرجال الذين يريدون استغلالها جنسياً، كما تعاني من الأعمال الشاقة لكي تستطيع مواصلة حياتها ومن مطاردة زوجها العنيف، وزوجها “لس فيرلي” يعاني هو أيضاً من توحش الحكومة الأميركية التي دفعته ليكون جندياً في “حرب فيتنام”، ودربته على القتل بوحشية، ثم حينما عاد أهملت حقوقه المادية، واعطته فتاتاً مقارنة بما يحصل عليه الموظفون الكبار وحكام الدولة، حتى أنها لم تهتم بمعالجته نفسياً بالمستوى اللائق، مما جعله مصاباً بمرض نفسي مزمن أفسد حياته وتسبب في تعذيب زوجته وموت طفليه وفي النهاية أصبح قاتلاً.

وفي خلفية الرواية ينتقد الكاتب حادثة وفضيحة “كلينتون” الشهيرة، و”مونيكا لونيسكي” والرئيس الأميركي المتمتع بكل المزايا والذي جر بلاده لفضيحة عالمية أصبحت وصمة لوقت طويل.. كما يركز الكاتب بشكل أساسي على اضطهاد الزنوج في كل مجالات الحياة، حتى أن شاباً ناجحاً مثل “كولمن سيلك” اضطر إلى التنكر إلى عرقه وهويته حتى يستطع أن يعيش في ذلك المجتمع المتناقض ويتغلب على المعاملة الدونية التي لم يتحملها في الواقع.

حين يصر الكاتب على رعاية نصه..

كتب “فيليب روث” رسالة مفتوحة إلى “ويكيبيديا”، صحح فيها ما رآه خطأ جسيم بخصوص روايته (الوصمة البشرية)، معتبراً أنه خطأ ناتج عن النميمة، فقد وصفت الرواية في موقع “ويكيبيديا” بأنها: “مستوحاة من حياة الكاتب (أناتول برويارد)”، وقد صحح “فيليب روث” الأمر قائلاً: “(الوصمة البشرية) مستوحاة من واقعة تعيسة في حياة صديقي الراحل (ميلفن تومين) أستاذ علم الاجتماع في برينستن لأكثر من ثلاثين عاماً. حيث تعرض لمحاكمة بشرية عام 1985، عندما شاءت قوى اللحظة أن تهوي بالبروفيسير (تومين) من علياء منصبه الأكاديمي من دون أي سبب على الإطلاق، وهو إلى حد كبير مثل ما جرى للبروفيسير (سيلك) في الرواية و(هذا) هو الذي ألهمني كتابة (الوصمة البشرية)”.

ويضيف “فيليب روث”: “هؤلاء الذين كانوا يختارون تمرير أنفسهم كبيض كانوا يتخيلون أنهم لن يضطروا إلى احتمال الحرمان والمذلة والمهانة والظلم، التي من المحتمل أن تعترض جميعاً طريقهم إن هم تركوا هوياتهم بحسب ما هي فعلاً. خلال النصف الأول من القرن العشرين، كانت حال آلاف، وربما عشرات الآلاف من فاتحي البشرة من الرجال والنساء الذين قرروا أن يهربوا من قسوة الفصل العنصري المأسس ومن قبح العنصرية، بدفنهم أنفسهم السوداء إلى الأبد”.

الكاتب..

“فيليب روث” روائي أميركي، وكاتب سيناريو، وأستاذ جامعي، وكاتب خيال علمي.. من مواليد 19 آذار/مارس 1933، اشتهر مع بدايات عام 1959 عندما كتب رواية (وداعاً كولومبوس)، وهي صورة عن الحياة اليهودية الأميركية، والذي حصل بها على الجائزة الأميركية القومية للكتاب والرواية.

“روث” هو من أهم الكتاب داخل أميركا في جيله، فقد حصل مرتين على “جائزة الكتاب الوطني”، ومرتين على “جائزة النقاد الوطنية للكتاب”، وثلاث مرات على “جائزة فولكنر”، كما حصل على “جائزة بوليتزر” للعام 1997.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة