تزامن النفوذ الإيراني في العراق مع الاحتلال الامريكي , وحسب تأكيد المسؤولين في الإدارة الأمريكية فإن لإيران دور كبير في تسهيل المهمة امام الاحتلال الامريكي للعراق , وكانت التسهيلات الايرانية متنوعة الوجوه والصفحات ففي وقت مبكر كان لعملاء ايران دور الأدلاء والمروجين للاحتلال فضلاً على الدور العسكري المباشر لهم في مرافقة القوات الغازية واعتمادهم كمصادر ومخبرين سريين للتجسس على المقاومة الوطنية للاحتلال التي اخذت شكلاً وطنيا ضم كل أطياف الشعب العراقي , كما أخذ الدعم الإيراني شكلاً آخر تمثل في توظيف النفوذ الإيراني على المرجعية الدينية و السعي لإجبارها على اصدار الفتاوى التي تحرم المقاومة وتعطل الجهاد وقد مهدت هذه الفتاوى لشق الصف الوطني وتعطيل طاقات المكون الشيعي في المقاومة … وثمة وجه حقير ودنيء آخر تمثل في العمل على اختراق صفوف المقاومة الوطنية والعمل على توجيهها الوجهة التي تخدم الإحتلال فكان الدعم الإيراني أحد السبل التي انتهجتها ايران لفرض الوصاية على المقاومة وتوجيهها , ولأن الدعم الإيراني المباشر كان محل شك المقاومين الأبطال فإن ايران سعت الى اشراك النظام السوري في مؤامرة الإختراق , فتولى النظام ادارة الفصائل المسلحة مستغلاً الدوافع والولاءات القومية في تسويق هذا الدعم , وقد عمل نظام بشار الأسد دورا تخريبيا في تفتيت وحدة المقاومة وتمكنت مخابرات النظام من تصنيف المقاومين بين فصائل لها طاعة عمياء لمصادر التمويل وبين فصائل تحرص على تحكيم الشرع والمنطق والوطنية في الأهداف قبل الإجهاز عليها , وقد كان لهذا التصنيف دور كبير في استهداف وتصفية رموز المقاومة وفي تمكين الاحتلال الأمريكي من الإجهاز عليهم … وقد تعددت حالات ماعرف في حينها (الإختراق والخيانة ) أسهمت في قصم ظهر المقاومة … أو في تجريم الشيعة والعاملين في مؤسسات الدولة وتحويل وجهة المعركة من استهداف لقوات الإحتلال إلى استهداف الشريك الوطني في الانتماء والدين , وهذا يعد الصفحة الأخطر في الدعم الإيراني لمشروع الإحتلال لانه يستهدف تفتيت النسيج الوطني للشعب العراقي والقضاء على تاريخ طويل من التصاهر والتعايش والوئام بين الشيعة والسنة في العراق , فمع الإقرار بالإختلاف المذهبي الا ان الكثير من السنة كان يقصد أضرحة أهل البيت في الزيارة وان عدد من الأضرحة كانت مصلى ومزاراً يدار من قبل السنة بحكم موقعه الجغرافي في المناطق ذات الغالبية السنية لآلاف السنيين , وكان لهذا الرابط من القوة ما عطل الفتنة الطائفية لأكثر من ثلاث سنوات بعد الإحتلال , حتى توجهت يد الغدر والخيانة المتمثلة بإيران وحكومة حزب الدعوة العميلة إلى تدمير ضريح الإمامين علي الهادي والعسكري في جريمة بشعة كان يراد منه اثارت الفتنة الطائفية واشعال حرب اهلية لاتبقي ولاتذر وكان لتداعياتها المنظمة في ادارة الصراع وحرق المساجد وقتل العلماء والأطباء وأئمة وشيوخ المساجد دليل دامغ على ضلوع ايران في هذه الجريمة وعلى الطاعة العمياء لعملاء ايران في هذه الكارثة التي اودت بحياة عشرات الآلاف من العراقيين … واستمر السيناريو الدموي ليتحول من اعمال ميليشيات خارجة عن القانون الى عمل منظم يدار من قبل وزارة الداخلية وباشراف من صولاغ نفسه , فقد تمكنت الحكومة من القضاء على كبار القادة والضباط والعلماء وشيوخ العشائر بهدف القضاء على العقلاء ومنع العودة للوحدة والوئام , وقد استهدفت في اطار ذلك عوائل معروفة مثل عائلة الهاشمي الذي فقد ثلاثة من اخوانه , وشخصيات وطنية معروفة من السنة والشيعة الوطنيين …كما ان النفوذ الإيراني كان سببا في توجيه الحكومة الى توظيف العنف والمفخخات إلى استهداف للمكون السني بهدف القتل والإقصاء والتهجير من جهة واستعداء ذوي الضحايا للفاعل الإفتراضي بهدف تعميق الإقصاء في سعي خبيث لتجذير العداء بين السنة والشيعة , ودفع الشيعة للتخندق في الدفاع عن حكومة عميلة وفاسدة .
من المؤكد أن العراق لا زال يعانى من حالة العنف المسلح والسياسات الطائفية بعد ما يقرب من تسعة أشهر من انسحاب القوات الأمريكية منه إلا أن قرار المحكمة الجنائية العراقية بإصدار حكم الإعدام غيابيا ضد نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي أشعل فتيل هذه التوترات في المنطقة بأكملها , وعلى ما يبدو ان طبخة طائفية جديدة تعد في مكاتب حزب الدعوة من قبل القائمين على المشروع الايراني تتمثل في استهداف الممثل الأقوى والأكثر حضورا للسنة في محاولة لإثارة الشارع السني وفي المقابل اشعال الحرائق في المناطق الشيعية في محاولة لربط المفخخات بالمكون السني الذي ينتمي اليه الهاشمي , بهدف تحويل الانتباه عما يجري في سوريا أو السعي لربط مصير الشيعة بالحكومة العراقية العميلة .
إن الهاشمي يمثل الطائفة السنية وهو سياسي سني بارز في العراق والسعي إلى ربطه بأكثر من 300 جريمة , ومنعه من حقه الشرعي في الدفاع عن نفسه , ومنع جمهوره من التعبير عن ابداء التضامن معه , إنما تهدف إلى إشعال نيران الفتنة الطائفية وإذكاء التوتر والعنف في العراق بالتزامن مع سعي الثوار السوريين المطالبين برحيل الرئيس العلوي بشار الأسد , وتنامي الاصوات الشيعية اللبنانية الداعية إلى استقلالية القرار الشيعي عن ولاية الفقيه في ايران , ورغم ان المالكي ومن كان وراءه يسعى لاحياء المشروع الطائفي إلا أن مآلات الامور تبين أن قرار الحكم قد أسهم في إثارة أجواء سيئة ضد المالكي … الصديق المقرب من دولة إيران والحليف الرئيسي للأسد وذلك بما تحمله من إشارات عن الفشل الامني للمسؤولين وتشبثهم بالمناصب على حساب ارواح العراقيين ودمائهم الطاهرة .. ويبدو ان السيناريو الإيراني فيه من التعقيد من خلال الربط بين قرار الحكم الغيابي وبين الصراع الدائر على قانون الدفع بالآجل (البنى التحتية) وسعي القائمة العراقية التي يمثلها الهاشمي إلى تحرير المعتقلين الأبرياء في مشروع العفو العام , وبين الشائعات التي تروج لها حكومة المالكي عن تشكيل ما تسميه الحكومة “الجيش العراقي الحر” … وربط كل ذلك في السيناريو البائس المتمثل في هروب السجناء من سجن تكريت وتسويق العملية على انها من فعل المكون السني الذي يسعى لتحرير الإرهابيين تمهيدا للمعركة الفاصلة , ومع الأهداف الخبيثة المتوخاة من العملية , إلا انها أعطت مؤشراً على ان حكومة المالكي اضعف من ان تدير ناحية في جنوب العراق فكيف تدير بلد من اهم بلدان العالم موقعا , ففضيحة وفشل الادارة في إجهاض عملية هروب السجناء في سجن أبي غريب … لقد سعى المالكي من وراء هذا الحدث إلى ان يستثمر هذه الفضيحة ليرتب كلام دعائي لا يمر ولا يعبر الا على غبي لا يعرف مكان عقله اين… حيث تلاعب المالكي بطرح هذه الفضيحة ليقول (انني لا اساوم على دم العراقيين فلو اجبرت على ترك مشروع قانون البنى التحتية مقابل ان لا امرر قانون العفو) فهذا التصريح الذي يريد ايصاله المالكي هو دعاية انتخابية وبنفس الوقت هروب فاضح من فشل ذريع فحادثة سجن تكريت حملت بمحامل طائفية ووجهت اصابع الاتهام الى جهات طائفية , وفي المقابل أظهرت المعادلة مدى استهانة حكومة المالكي بمعاناة الأبرياء , وإلا كيف تقايض مشروع للنهب والفساد بمشروع بوابة المصالحة وبوابة لبناء دولة التسامح والمؤسسات ؟؟ … وبدلا من ان تقول الحكومة اننا فشلنا أعطتها طابع فتنة طائفية , وهذا مناقض لكلام المالكي قبل يوم تحديدا عندما صرح في مؤتمر مصالحة مع المثقفين ليعلن ان المصالحة الوطنية نجحت نجاح باهر !!! ليفضح المالكي نفسه … ويقع في التناقض والتشتت والتخالف والتضاد الذي طبع كل تصريحات المالكي , وهذا التناقض يكشفه حجم الخروقات في المنظومة الامنية لوزارتي الدفاع والداخلية والتي اصبحت المناصب تباع وتشترى بها وأن ضباط الجيش والشرطة يمكن شراء ذممهم ب 100 دولار مقابل ادخاله مئات الاطنان من المتفجرات .. فأين الحرص على دماء الشعب ؟ واين كانت عدم مساومته على دماء الأبرياء عندما اطلق سراح قيس الخزعلي وعلى شريعة وكفاح الكريطي ؟؟
ان سيناريو محاكمة الهاشمي وما كشفه مكتب الهاشمي من مساومات تثبت انهيار المنظومة الأخلاقية للقائمين على القضاء تنذر بفتنة طائفية يعد لها العدة للالتفاف على الإرادة الجماهيرية وتثبت تورط حزب الدعوة في الفتنة الطائفية وفي تنفيذ الأجندة الإيرانية , وهذا سيجعل الحزب بكل قياداته متهمين بالارهاب ويضعهم في مواجهة المساءلة القضائية بعد تحرر القضاء المختطف … أو ربما يسعى المتضررون إلى نقل الدعوة إلى المحاكم الدولية والتي قد تثبت تورط المالكي ومن معه , أو تورط الجارة إيران في عمليات التطهير العرقي الذي يتعرض له المكون السني في العراق , ومن المؤكد ان تداعيات قرار الحكم الغيابي المدعوم إيرانياً ستكون خطيرة , وسيكون من الواضح ان من يقف وراءها انما يسعى لاشعال فتنة طائفية تعيد العراق الى مربع القتل والتهجير والإقصاء في سيناريو مماثل لتفجير ضريح الإمامين في سامراء .