18 ديسمبر، 2024 11:49 م

الطائفية التي قتلت هوية الوطن

الطائفية التي قتلت هوية الوطن

احتل شبح الطائفية ميادين الحياة بشريانها وعصبها ونبضها , وصار التقسيم الطائفي هو الافضل والاجدر في شؤون الحياة العامة , وصارت المعايير السياسية تسترشد بنهجها وسلوكها في المحاصصة والتقسيم في مرافق الدولة من اعلى هرمها حتى اصغر موظف في الدولة , وفق شرعيتها وتطبيقها الفعلي في التوظيف او التعيين , وختيار العناصر والكوادر التي تدير شؤون الدولة وحتى شمل السلك الدبلو ماسي بشتى صنوفه وفي اختيار البعثات ومنح الايفادات او الدراسات على نفقة الدولة في الخارج , وكذلك في تقديم الخدمات وتسهيل المعاملات اليومية , وحتى معاملات التقاعد والتشغيل لاتمنح العبور او الانجاز إلا بتزكية من الاطراف المتنفذة في عصب مرافق الدولة , ووفق هذه المعادلة الجديدة تكون الاحزاب الطائفية شطبت هوية الدولة او المواطنة العراقية , او بمعنى ادق شطبت الوطن . والخاسر الاكبر هو المواطن الذي صار خارج المعادلة والتقسيم , وبهذا الاجحاف الكبير اقفلت كل الابواب والنوافذ بالفولاذ , اما الرابح والمستفيد الاكبر من هذه المحاصصة الطائفية هم الاقارب والمعارف واصدقاء العائلة والحاشية المحيطة باحزاب الطائفية . وبهذا السلوك الشائن تتقطع اوصال الوطن الى اقطاعيات عائلية وعشائرية وفئوية وحزبية ضيقة . فما على المواطن ان يختار بين الجنة والنار , او بين التحزب بعنوانه الضيق والخضوع وتقديم براءة الذمة وصك الغفران والتزلف لهذا المسؤول او ذاك ويدخل ضمن الجوقة الموسيقية التي تعزف اناشيد جنائزية للوطن المقتول . وبين ان يكون ضحية الغبن وعدم الانصاف وفقدان
ميزان العدالة , وبهذا السلوك التعسفي اوصلتنا هذه الاحزاب الطائفية ان نقرأ سورة الفاتحة على روح المواطنة والهوية العراقية , وصار المناخ السياسي يعتمد على الصفقات السياسية وممارسة الدجل والنفاق السياسي وهي بعيدة عن التنافس السياسي النزيه وبعيدة جدا عن المعايير والقيم الديموقراطية التي هي عنوان الدولة الناجحة التي تخدم مواطنيها بحرص واخلاص دون تزلف او نفاق او التعبير عن مصالح ضيقة بالضد من المنفعة العامة , , وحتى الانتخابات التي تجري وفق التوافقات السياسية سوى كانت انتخابات برلمانية او انتخاب مجالس المحافظات فانها محسومة النتائج سلفا بسبب ادارتها من قبل الطوائف والاحزاب الطائفية التي تتحكم في اعلان النتائج والفرز والعد واعلان النسب او حصة كل حزب او تكتل برلماني من حصة المقاعد في البرلمان او في مجالس المحافظات . بدلآ من ان يكون مجلس المفوضية العليا للانتخابات مستقل ويتمتع باستقلالية تامة ويعمل بعيدا عن التأثيرات الطائفية والحزبية الضيقة ويحقق شروط النزاهة والعدالة والتنافس الشريف بين الكتل والاحزاب , وان يكون عنون الصدق والامانة بواجبه الوطني  في ادارة شؤون الانتخابات وما يتطلبه من شفافية نزيهة في اعلان النتائج دون غبن او تزييف او تحوير النتائج لصالح هذا الطرف او ذاك بالتزوير او السرقة او اغتصاب الاصوات , وهذا ماينص عليه بكل وضوح الدستور العراقي والاعراف والتقاليد التي تؤمن بالعدالة , والتي تساهم بقسطها الكبير في توفير معالم الاستقرار السياسي والاقتصادي والامني , ويعالج بالحكمة والمنطق
السياسي السليم اية خطأ اوهفوة او حدث طارئ . لكن الاطراف المتنفذة شطبت مقايس العمل الديموقراطي وسمحت لنفسها ان تنتهج اسلوب الاستحواذ والانفراد في مفاصل السلطة وممارسة سياسية الاقصاء والتهميش ودخلت البلاد في زوبعة عاصفة من الازمات الخانقة واستشراء طاعون الفساد والاخلال في توفيرالاستقرار الامني , وبهذا استغلت عصابات الاجرام هذه الثغرة الكبيرة لتمارس لعبة الموت بكل حرية واقتدار وشراء الذمم والنفوس الضعيفة امام بريق المال لترتكب الجرائم الوحشية ضد المواطنين الابرياء , . ان هذه المحاصصة السياسية سمحت للاخرين ان يتلاعبوا بمصير الوطن , وفتحت الباب بشكل واسع للذين باعوا ضميرهم وشرفهم في شرعنة الفساد والمتاجرة بالدم العراقي بكل برودة  دون وخز ضمير .. ان من المستحيل تجاوز المحن والازمات والمنحدر الخطير الذي اصاب العملية السياسية العليلة المصابة بمرض الطائفية , ان نعبر الى بر الامان دون ان نشطب الطائفية ونعيد الهوية العراقية المفقودة .