لاشك ان السياسة الخاطئة الامريكية في العراق بعد 2003 في دعم القوى السياسية العراقية القريبة من ايران وايصالهم الى رأس هرم السلطة في العراق ، كان عاملا مساعدا مهما لطهران لفرض هيمنتها وتعزيز نفوذها السياسي والامني والاقتصادي في العراق وتقليص الدور الامريكي فيه ، بحيث اصبحت طهران لاعبا اساسيا في ادارة العملية السياسية والحفاظ على مصالحها وامنها القومي.
الانسحاب الامريكي من العراق في 2011 و خروج القوات الامريكية من الاراضي العراقية اتاح الفرصة لطهران لملئ الفراغ الناجم عن ذلك الانسحاب والتوغل والتعشش في جميع مفاصل الدولة العراقية وادارتها كحكومة ظل ما ادى الى التغول الايراني في العراق.
الهجمة الارهابية الشرسة على العراق ومواجهة الحكومات العراقية بالمفخخات وتأجيج الصراع الطائفي وترويج الكراهية الطائفية الذي ادى الى بروز شرخ كبير في نسيج المجتمعي العراقي ، ونشوب حرب اهلية مستعرة في معظم محافظات العراق والتي توجت بسيطرة داعش على خمس محافظات عراقية وتهديد السلم العالمي من خلال العمليات الارهابية في معظم الدول الاوربية وامريكا وكندا، جعلت من واشنطن ان تغض الطرف عن التمدد الايراني في العراق للمساعدة في مكافحة الارهاب وكبح جماح الحاضنات له في المحافظات ذات الغالبية السنية.
اليوم في ظل الانتصارات التي حققتها القوات العراقية في تحرير محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين وديالى من داعش و قرب القضاء على التنظيم الارهابي عسكريا في العراق ، ترى الادارة الامريكية ان الفرصة مناسبة ومواتية لتقليم اظافر ايران في المنطقة وبالاخص في العراق وتعزيز نفوذها في المنطقة ، لذلك اتخذت واشنطن سلسلة من الاجراءات الذاتية ومع اصدقائها في المنطقة لتقويض الدور الايراني اهمها مطالبة الرئيس الامريكي دونالد ترامب بفسخ الاتفاقية النووية الموقعة بين ايران ومجموعة 5+1 لعدم التزام طهران ببنودها فضلا على وضع الحرس الثوري الايراني في لائحة الارهاب وفرض عقوبات عليه ومطالبة اصدقائها في المنطقة وبالاخص المملكة العربية السعودية منافسة ايران في العراق بتعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية مع بغداد واعادة العراق الى الحاضنة العربية التي تدور في فلك السياسة الامريكية في المنطقة.
السعودية استجابت للطلب الامريكي وبدأت ببناء جسور التواصل مع بغداد في الخفاء والعلن حيث زار خلال الاشهر الاخيرة رئيس الوزراء حيدر العبادي و وزراء الداخلية والتخطيط والزراعة العراقية الرياض وتم عقد تفاهمات مع الجانب السعودي لأذابة الجليد في العلاقات الثنائية وكان اخرها الزيارة الاخيرة لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الى الرياض التي تزامنت مع زيارة ريكس تيلرسون وزير الخارجية الامريكي الى المملكة العربية السعودية ومشاركته في انطلاق عمل مجلس التنسيق السعودي — العراقي الذي ستكون له ابعاد سياسية واقتصادية والذي كان للولايات المتحدة الامريكية دور محوري في بلورته واطلاقه ، ومن هناك اكد تيلرسون على ضرورة خروج الميليشيات الايرانية من العراق محذرا بغداد من التمادي في عملياتها العسكرية في المناطق الكوردستانية خارج اقليم كوردستان مشددا على ضرورة حل الخلافات بين اربيل وبغداد بالحوار تحت سقف الدستور.
زيارة وزير الخارجية الامريكي الى بغداد بعد عودة العبادي من زيارة شملت الرياض وعمان والقاهرة فضلا على زيارات لاحقة الى طهران وانقرة كلها تصب في تلك المساعي لمواجهة طهران.
تناغما مع المساعي الامريكية السعودية لتقويض النفوذ الايراني في العراق ، وبالرغم من توازي المصالح التركية العراقية المشتركة في معالجة قضية المناطق الكوردستانية خارج الاقليم التي تمت سيطرة القوات الاتحادية عليها ، الا ان انقرة لم تخفي قلقها وهاجسها من الهيمنة الايرانية على تلك المناطق وبالاخص في كركوك الغنية بالنفط ، حيث صرح رئيس الوزراء التركي بينالي يلدرم بعد يومين من دخول القوات الاتحادية الى كركوك ، بان كركوك مدينة تركمانية تاريخيا وغالبية سكانها من التركمان وهذا التصريح كان بمثابة رسالة استياء من انقرة بشأن النفوذ و التمدد الايراني في تلك المناطق الستراتيجية والغنية بالنفط.
التقارب السعودي العراقي والذي سيمتد الى غالبية دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الصديقة الاخرى لواشنطن في المنطقة كمصر والاردن والتنافس الايراني التركي وصراعهما الخفي والعلني في سوريا والعراق والضغوطات الامريكية الاخيرة على طهران وتعاطي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مع تلك المساعي والتي توجها بجولته الاخيرة الى الرياض وعمان والقاهرة الذي يعد خلافا لمواقف التحالف الوطني العراقي الموالي لأيران والذي ينتمي اليه العبادي عبر حزبه ، سيبرز واقعا جديدا لتقليم اظافر ايران في المنطقة وبالاخص في العراق وسوريا ولبنان واعاقة اكتمال الهلال الشيعي عبر العراق والذي سيكون له تاثيرا كبيرا على اعادة القضية الكوردية الى صدر الاحداث و المشهد السياسي للمنطقة.