18 أكتوبر، 2024 3:31 م
Search
Close this search box.

نظرة في آفاق العلاقات  الأميركية  العراقية .. وأسباب التراجع !!

نظرة في آفاق العلاقات  الأميركية  العراقية .. وأسباب التراجع !!

من يتمعن في طبيعة العلاقات الأميركية العراقية ، وفي السيناريوهات التي تم تطبيق تجاربها في العراق الجديد ، يجد ان هناك جملة متناقضات ومواقف حكمت إطار هذه العلاقة ، من قبل الولايات المتحدة في المنطقة، يمكن إدراجها كما يأتي:

1.   يلاحظ أن الإدارة الأميركية لم تعد تضع العراق في إهتماماتها الأولى ، كما كان من قبل، حتى وإن أظهرت من مواقف المساندة والتأييد لنظامه السياسي ، التي وضعت هي دعائمه ومرتكزاته وسلمته لساسته ، ولهذا نجد بعض حالات الغضب أو عدم الرضا من قبل بعض الأطراف السياسية العراقية أزاء المواقف الأميركية الحالية من العراق، وتجد واشنطن أن الطرف الآخر يعبر لها عن غضبه وعدم رضاه عن مستوى هذه العلاقة ، أو في نوع الجفاء الذي قد يظهر هنا أو هناك ، وحسب إعتبارات السياسة الأميركية، وكما يرسمها صناع القرار ، وليس كما يشتهي بعض الساسة العراقيين، الذين يودون لو أن واشنطن أعطت من وقتها إهتماما أكبر للعراق، وبخاصة أن ظرفه الأمني وتوتراته السياسية أصبحت مخيفة، وتشكل عامل قلق للكثير من السياسيين، الذين لايخفون نظرة عدم الاهتمام الذي تبديه السياسة الاميركية أزاء بلادهم، وهم الذين لم يتركوا لها فرصة الا وطلبوا مساندتها ودعمها لهم، والتعبير عبر مواقف رسمية وعلى أكثر من صعيد ، من أن الادارة الاميركية ماضية في برنامج دعمها لهم ومساندنها لبقائهم لأطول فترة في السلطة.

2.   تدرك الادارة الاميركية ان الاوضاع في العراق، على رغم ضخامة حجمها وخطورتها، لم تشكل مصدر خطر كبير على السياسة الاميركية، لان أمور المنطقة جرى تسويتها وفقا للمشيئة الاميركية ، وما يحدث هنا أوهناك من إرباكات، لايقلق واشنطن، وتجد انه ليس هناك مبررا لحشر أنفها في كل ما يحدث في العراق، وعليها الان مهمات أخرى في ساحات إقليمية مثل سوريا وإيران التي أصبحت تشكلان مصدر الاهتمام، وما العراق الا ساحة تصفية صراعات إقليمية ليس الا، غير انه في كل الاحوال لن يشكل بعد الان مصدر تهديد لأمن الولايات المتحدة، إن لم يكن أصبح الحديقة الخلفية للبيت الأبيض في أن يكون قاعدة إرتكاز لواشنطن في الوصول الى الاهداف المطلوبة.

3.   ان الولايات المتحدة تريد من العراق أن يكون عامل ( توازن ) في المواقف أزاء ايران وسوريا، ومن خلال ساحته يجري الاصطدام مع كلا الطرفين، بالطريقة التي تخدم المخطط الاميركي الساعي الى السيطرة على مقدرات المنطقة وتغيير الأنظمة التسلطية في ايران وسوريا، وفقا لخارطة سياسية جديدة، لاتظهر فيها ايا من دول المنطقة الا رقما يدخل في اطار الوفاق الاميركي معها، ولا يصطدم بالتوجه الاميركي، ولهذا فان الولايات المتحدة دفعت بكل ثقلها نحو ايران وسوريا، أما العراق فتريد منه ان يكون عونا لها في الوصول الى اهداف أميركا في ترويض هذين البلدين واخضاعهما للمشيئة الاميركية ، ان عاجلا ام آجلا، لكنها لن تنتظر طويلا هذه المرة، وهي تعمل على نار هادئة لاحداث التآكل المطلوب،  ومن ثم تسهيل إنهيار النظامين الواحد بعد الآخر، لكن انهيار النظام السوري يبدو أكثر سرعة في القدرة على الحاق الخسارة الفادحة به، عندما تتهيء الفرصة الدولية للانقضاض عليه، بعد ان يتم توفير الذرائع الاممية لتدخل دولي في الوقت المناسب، عندها تكون الادارة الاميركية قد فرشت لها أرض المنطقة سوقا واعدة لتجارتها وسوقا شرق أوسطية قد يتحقق لها عندما يكون بمقدورها اسقاط أنظمة المنطقة الواحد بعد الآخر، في مسلسل رهيب يجري خلف الكواليس، وبمساعدة دول المطقة نفسها، وهي التي ستدفع ثمن غلطتها في السنوات المقبلة، لتكتشف نفسها انها وقعت ضحية “تضليل” اميركي واسع وخطير، كان من نتائجه تقويض دعائم القوة في كل دول المنطقة لتبقى الولايات المتحدة هي التي تتحرك على راحتها كيفما تشاء، ويكون الآخرين تحت رحمتها، يرجون لها ان تمدهم بعوامل البقاء كسلطات لفترات اطول.

4.   تشعر كل الاطراف السياسية العراقية من تلك التي كانت تحظى بالدعم الاميركي، او تلك التي كانت تتمنى لو ان أميركا اهتمت بمطالبها ،ان واشنطن خذلتها في نهاية المطاف، ولم تقف الى جانبها في ملمات كبيرة بالنسبة لها، وهي وان تدرك ان لاخطر كبير يتهددها في الوقت الحاضر، الا ان قلقها من المستقبل يبقى كبيرا ومصدر إزعاج لها، وبخاصة ان التهديدات التي تواجه العراق كبيرة، ولم يعد الحاكمون يثقون بإمكانية ان يكون دورهم محوريا ، أو ان تكون لبلدهم اليد الطولى في الحراك الدولي الإيجابي وفقا لمشيئتهم، لان الولايات المتحدة لاتحركها الأهواء بل تحركها المصالح الحيوية، وهي ما إن أمنت نفط العراق ووضعته تحت أبطها، وتركت العراقيين يتصارعون فيما بينهم، فهي قد حققت حلمها في ان يتهشم العراق  ويتحول الى بلد المتناقضات والاهواء والمشارب المختلفة والمتصارعة دوما ، وهو ما يعزز ستراتيجية واشنطن في البقاء في المنطقة والتحكم بمقدراتها.

5.   ان الوضع في سوريا وتصاعد موجة الغضب الشعب يشكل مصدر إزعاج لأقطاب حاكمة في العراق، وأي تطور متسارع يحدث في سوريا، سيترك تأثيرات كبيرة على مستقبل العراق والمنطقة وتشكيلها الجيبولتيكي الجديد، وهو ما تخشاه قيادات عراقية، من ان الولايات المتحدة تريد تنصيب نظام غير مرغوب بالنسبة للكثير من القيادات العراقية، التي تدفع بإتجاه إبقاء النظام السوري الحالي يحكم لأطول فترة ممكنة، كونها ترى في بقائه بقاء لها ، وبالعكس.

6.   هناك حقيقة ينبغي أن تدركها كل الاطراف العراقية، وهي أن الولايات المتحدة، راضية عما يجري الان في العراق من تصاعد حدة التناحرات والمشاكسات السياسية، فهي تريد عراقا ضعيفا ممزقا، يكون بمقدوره فقط، المحافظة على نظامه السياسي، وهي التي تمده بوسائل الدعم والمساندة، لكنها في الوقت نفسه تشعره بالقلق المستمر على المستقبل، خشية أن تلعب بعض الاطراف بذيلها، لكي تبني لنفسها ، أقاليم أو توجهات طائفية تخدم أغراضها هي، وتستقوي بأطراف إقليمية ، للخروج من الفلك الأميركي، وهذا لن يتوفر لها، لأن عين واشنطن بالمرصاد ، لكل من يريد أن يظهر ان بمقدوره السيطرة على مقدرات العراق وفقا لمشيئته هو ، وإشعار الجميع ان العراق يبقى في اطار عراقيته هو ، ولن يكون له دور محوري، الا في الحالات التي تتطلبها مواقف الدعم والمساندة لأميركا ، لكي تحقق أغراضها هي في المنطقة، أما أن يستفيد ( البعض ) من تأييدها لهم ووقوفها المستمر معهم في كل الأحوال ، فأن هذا الشيء لن يحصل أبدا، وستحاول أن تلعب على قاعدة ( التوازن ) لكي لاتفلت الأمور من يدها، عندما ترجح كفة جماعة ضد أخرى.

7.   ان كل القيادات السياسية العراقية ساخطة على الولايات المتحدة، وترى أن مواقفها مما يجري داخل العراق، يشعرها بلامبالاة واشنطن أزاء حالات التدهور السياسي والأمني التي تجري في العراق، وهي تشعر جميعا، أن الادارة الاميركية لم تحسن الظن بها، أو انها لم ـاخذ مطالبها المشروعة ونصائحها للإدارة الاميركية بإتخاذ موقف جدي، على محمل الجد، أزاء قضايا ملحة كانت تتطلب التدخل، ما ولد قناعات عدم رضا، أزء السياسة الاميركية المتبعة في العراق.

هذه هي بعض الملاحظات التي امكن تقييمها أزاء السياسة الاميركية المتبعة تجاه العراق، وقد تم تاشيرها في سياق عرض تحليلي استقرائي لجملة مواقف أميركية أزء الاوضاع في العراق في الفترة الاخيرة.

أحدث المقالات