1 فبراير، 2025 2:52 م

بعد تحريرها من “داعش” .. هل تدخل “الرقة” ساحة صراع جديد أم تستخدم كورقة مساومة لاستقلال الأكراد ؟

بعد تحريرها من “داعش” .. هل تدخل “الرقة” ساحة صراع جديد أم تستخدم كورقة مساومة لاستقلال الأكراد ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

بعد معارك ضارية استمرت أربعة أشهر، أعلنت “قوات سوريا الديمقراطية”، وهي تحالف الفصائل الكردية العربية المدعوم من واشنطن، الثلاثاء 17 تشرين أول/أكتوبر 2017، سيطرتها بشكل كامل على مدينة الرقة “معقل تنظيم (داعش) الأبرز في سوريا”؛ بعد طرد عناصر التنظيم من آخر نقاط تمركزهم وتحديداً المشفى الوطني والملعب البلدي ودوار النعيم.

وتستعد “قوات سوريا الديمقراطية” لتسليم المدينة إلى مجلس مدني لإدارة شؤونها.

تخفيف الوجود العسكري..

وكالة الصحافة الفرنسية أفادت بأن بعض المواقع العسكرية التي انتشرت فيها “قوات سوريا الديمقراطية” خلال الأسابيع الماضية بعد السيطرة عليها، خلت من المقاتلين؛ ما يؤشر على تخفيف الوجود العسكري في المدينة المدمرة بدرجة كبيرة.

ومن “دوار النعيم” في مدينة الرقة، قالت القيادية في حملة (غضب الفرات)، “روجدا فلات”، “انسحبت بعض القوات، لكن سنبقى موجودين في المدينة حتى ننتهي من عمليات التمشيط القليلة المتبقية، ثم نسلمها إلى مجلس الرقة المدني”.

وأُنشئ “مجلس الرقة المدني”، الذي يضم وجهاء من أبرز عشائر الرقة وشخصيات سياسية، في نيسان/إبريل الماضي لإدارة المدينة وريفها، بينما كانت العمليات العسكرية جارية لطرد التنظيم المتطرف من المحافظة.

دير الزور وجهتهم الجديدة..

قال مدير المكتب الإعلامي لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، “مصطفى بالي”: “بعد انتهاء العمليات العسكرية، انتقل قسم كبير من القوات من الرقة إلى مناطق أخرى، بينها (محافظة) دير الزور” شرقاً، حيث تخوض تلك القوات معارك ضد “داعش”.

وسيطرت “قوات سوريا الديمقراطية” على كامل المدينة بعد اتفاق برعاية مجلس الرقة المدني سلم بموجبه المئات من عناصر التنظيم أنفسهم إلى تلك القوات.

استمرار عمليات التمشيط..

لاتزال عمليات التمشيط مستمرة في المدينة بحثاً عن عناصر متوارية من التنظيم، ولتفكيك الألغام التي زرعها المتطرفون بكثافة.

المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية، “طلال سلو”، قال إنه لم يعثر حتى الآن على عناصر متوارية من التنظيم المتطرف، مشيراً إلى أن التحقيقات جارية مع المستسلمين منهم.

مضيفاً “سلو”: “تقوم استخبارات تابعة لـ(قوات سوريا الديمقراطية) بالتحقيق معهم، وبينهم أجانب من جنسيات مختلفة ومقاتلون محليون”.

نكسة كبرى..

تشكل السيطرة على مدينة الرقة نكسة كبرى لتنظيم “داعش”، الذي مُني في الأشهر الأخيرة، بسلسلة خسائر ميدانية في سوريا والعراق المجاور.

وفقد التنظيم، وفق التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، 87 في المئة من أراضي “الخلافة” التي أعلنها في البلدين في العام 2014.

وأعلن المبعوث الخاص للرئيس الأميركي للتعاون الدولي حول مكافحة (داعش)، “بريت ماكغورك”، أن تنظيم “داعش” خسر حوالي 6 آلاف من مسلحيه في الرقة.

وكتب “ماكغورك” في حسابه الرسمي على موقع “تويتر”: “زعم (داعش) يوماً أنه عنيف وها هو الآن بائس وقضيته خاسرة”.

معاناة المدنيين ستظل ممتدة..

في غمرة انتصار قوات سوريا الديمقراطية على “داعش” في الرقة، أبدت منظمة “سيف ذا تشلدرن Save The Children” قلقها على المدنيين، وقالت إن معاناتهم ستظل ممتدة لما بعد “داعش”.

وقدرت المنظمة أن نحوَ 270 ألف شخص فار من الرقة، يحتاجون لمساعدات في وقت تضيق المخيماتُ بعددٍ كبير من النازحين.

واشنطن تعلن استعدادها للمساعدة..

من جانبها، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة ستتصدر جهود المساعدة في إزالة الأنقاض واستعادة الخدمات الأساسية بعد هزيمة “داعش” في الرقة معقله الأساس بسوريا.

قائلة “هيذر ناورت”، المتحدثة باسم الوزارة: “سنساعد ونكون في الصدارة في استعادة خدمات المياه والكهرباء وغير ذلك”.

مضيفة: “استعدت الولايات المتحدة وحلفاؤها للخطوات القادمة وسنواصل العمل مع شركائنا لتقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين ودعم جهود إرساء الاستقرار في الرقة وغيرها من المناطق المحررة”.

وناقشت صحف عربية مصير تنظيم الدولة الإسلامية بعد إعلان هزيمته في “مدينة الرقة” السورية، التي أعلنها التنظيم المسلح “عاصمة للخلافة” منذ ثلاث سنوات.

وبينما احتفى عدد من الكتاب بالانتصار العسكري، أبدى آخرون تخوفاً من الوجهة القادمة لمن ظل على قيد الحياة من مسلحي التنظيم المعروف إعلامياً على نطاق واسع باسم “داعش”.

كما تساءل آخرون عن التبعات السياسية لهزيمة التنظيم التي شاركت في تحقيقها قوات كردية.

“طي صفحة سوداء”..

في صحيفة (الوطن) الكويتية، يقول “أحمد بودستور” إن يوم الإعلان عن هزيمة التنظيم “هو يوم تاريخي ومشهود في تاريخ الأمة العربية والإسلامية”، إذ شهد طي “صفحة سوداء من تاريخ الأمة العربية”.

متوقعاً “بودستور” أن “هذا التنظيم بعدما خسر دولته سوف يتشرد ويتحول إلى خلايا وذئاب منفردة تمارس القتل والتفجير والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، وهي اليوم سوف تتحول إلى خلايا نائمة وذئاب منفردة بعد أن فقدت مركزها ومصادر تمويلها”.

لكنه أعرب كذلك عن اعتقاده بأن هذه العناصر سيتم ملاحقتها حتى يُقضى عليها نهائياً.

انحسار الإسلام السياسي..

في السياق ذاته، يقول “عبد المنعم علي عيسى”، في (الوطن) السورية: “في ظل هذا الاندحار السياسي والعسكري الذي يتسق تماماً مع حقائق التاريخ ومع التركيبة المجتمعية والثقافية للمنطقة، يبقى السؤال الأهم وهو: داعش إلى أين ؟.. وبمعنى آخر ما هي الخيارات المتاحة أمام التنظيم سواء أكان كياناً واحداً أم تحوله إلى عقد انفرطت حباته فأضحى أفراداً يتبصرون خياراتهم بعدما خسروا (دولتهم) ؟”.

مضيفاً “عيسى”: “كان ظهور تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام) مؤشراً على مأزق منهجي ومعرفي يعترض تيار الإسلام السياسي، وهو في الآن ذاته ينبئ بانحسار هذا الأخير”.

تحالف التحالف و”داعش”..

من جهة أخرى، يتناول “محمود البعلاو”، في (أخبار سورية الوطن)، الموضوع في مقال بعنوان: “الرقة.. هكذا تحالف (التحالف) و(داعش) لتدمير مدينة !”.

قائلاً “البعلاو”: “لم تتعرّض أي مدينة سورية لما تعرّضت إليه مدينة الرقة من دمار وخراب في أتون الحرب الكونية على سوريا، سيما وأنها اختيرت لتكون عاصمة لتنظيم (داعش) الإرهابي – حسبما سوّقت لهذه التسمية قنوات التضليل والعدوان – متناوبة في هذه التسمية مع مدينة الموصل العراقية”.

تحديات مرحلة ما بعد “داعش”..

حملت افتتاحية صحيفة (الحياة) اللندنية عنوان: “الرقة حرة.. و(داعش) إلى الصحراء”.

وتقول الصحيفة: “على رغم الإنجاز الكبير لـ(قسد)، التي تتكوّن من قوات كردية وعربية وسريانية وتركمانية، فإنها ستواجه تحديات جدية، على رأسها إدارة مرحلة ما بعد (داعش) في الرقة والحفاظ على سلام هش في المدينة وتجنب التوترات العرقية وإعادة الأعمار. وتراجع (داعش)، الذي مني بنكسة كبرى مع خسارته الرقة، إلى شرق دير الزور والمناطق الصحراوية على الحدود السورية – العراقية”.

شكل جديد للصراع..

في موقع (عين) الإماراتي، يتساءل “حازم بدر”: “سوريا بدون (داعش).. نهاية أزمة أم شكل جديد للصراع ؟”.

ويقول “بدر”: “اليوم وبعد الإعلان عن تحرير الرقة من داعش، لم يتبق سوى فلول من التنظيم الإرهابي انتقلت إلى محافظة دير الزور، وبات إعلان سوريا خالية من الدواعش مسألة وقت”.

مضيفاً: “لكن هذه الرؤية المتفائلة تصطدم برؤية أخرى تقول إن أكراد سوريا، الذين يشكلون السواد الأعظم من قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من أميركا، والذين تحملوا عبء قتال داعش برياً، لم يفعلوا ذلك، إلا خدمة لأجندتهم الخاصة، والتي تقوم في الأساس على الانفصال بالشمال السوري، وتأمين موارد للإنفاق على دولتهم الانفصالية من خلال موارد محافظة دير الزور، الغنية بالنفط والمحاصيل الزراعية”.

انتصار باهظ الثمن..

قال “بلال صعب”، الباحث في معهد الشرق الأوسط، إن استعادة السيطرة على الرقة لها أهمية رمزية لكن الأمر يتعلق بانتصار باهظ الثمن، فمعالجة المشكلات الاقتصادية والسياسية للسنّة ستكون على نفس درجة أهمية المعركة العسكرية حتى لا تظهر “دولة إسلامية” أخرى.

إعادة الإعمار.. ووضع “الأسد”..

يلفت محللون متخصصون في شؤون الشرق الأوسط إلى إن من بين المشكلات الكثيرة التي تجلت بعد طرد تنظيم “داعش” من الرقة، مشكلة توفير الأموال للمساعدة في إعادة بناء المدينة المدمرة وكيفية دعم الحكومة المحلية الوليدة في مواجهة تمرد محتمل، وكيفية منع “الأسد” المدعوم من إيران وروسيا من محاولة استعادة السيطرة عليها.

ويريد النظام السوري أن يستعيد السيطرة على المدينة المطلة على نهر الفرات، مما يعني أن الرقة قد تصبح ساحة لصراع جديد مع دمشق أو ورقة مساومة في مفاوضات لاحقة بشأن احتمال الحكم الذاتي للأكراد.

وقال “نواه بونسي”، كبير المحللين بمجموعة إدارة الأزمات الدولية، إن مجلس الرقة المدني “لايزال مرتبطاً بشكل وثيق بهياكل السلطة في وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي، لكنهم بذلوا مزيداً من الوقت والجهد في التشديد على عدم الإقصاء أكثر مما شهدناه في بعض المناطق الأخرى”. لكن خطر الاضطرابات سيظهر إذا بدا أن الجماعات الكردية تتحكم في إدارة المدينة.

مضيفاً: “هناك أيضاً خطر التدخل الخفي من الخارج. الخلايا النائمة للدولة الإسلامية والنظام السوري قد تكون لهما مصلحة في استخدام شبكات الموالين لزعزعة استقرار الأوضاع. كل هذه المعطيات قد تؤجج التوتر العرقي”.

اغتصاب وتدمير فعلي للرقة..

فيما ذهب الكاتب الأميركي “ستيفن ليندمان” إلى نقطة أخري، هي أن المجازر التي ارتكبها التحالف الاستعراضي الأميركي بزعم محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي في مدينة الرقة، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين، تثبت أن ما يحاول التحالف تصويره على أنه تحرير للمدينة من إرهابيي “داعش” كان في حقيقة الأمر اغتصاباً وتدميراً فعلياً للمدينة.

قائلاً “ليندمان”، في مقال حمل عنوان: “الرقة اغتصبت ودمرت ولم تحرر” نشره موقع “غلوبال ريسيرتش” الكندي، إن الآلاف وربما عشرات الآلاف من المدنيين من أبناء الرقة قتلوا في مجازر نفذها التحالف الأميركي بدم بارد في عمليات قصف استهدفت المناطق السكنية والمستشفيات والمدارس والمساجد وبنى تحتية حيوية في المدينة، ما يثبت أن الهدف الحقيقي للحملة الأميركية تحويل الرقة إلى أنقاض وليس هزيمة تنظيم “داعش” الذي تدعمه واشنطن.

مجازر التحالف بالرقة..

كانت طائرات التحالف الأميركي قد قصفت في الـ 5 من آب/أغسطس الماضي، بالقنابل الفوسفورية، مبنى المشفى الوطني في مدينة الرقة بأكثر من 20 قذيفة استهدفت مولدات الكهرباء وسيارات المشفى وأقساماً داخله.

كما دمر التحالف، منذ تأسيسه من خارج مجلس الأمن في آب/أغسطس 2014، أغلبية الجسور الممتدة فوق نهر الفرات وعشرات الأنفاق على الطرق الرئيسة في المنطقة الشرقية، بذريعة قطع خطوط إمداد إرهابيي “داعش”، إضافة إلى تدميره العديد من المنشآت والبنى التحتية والخدمية ومحطات ضخ المياه وتحويل وتوليد الكهرباء.

وأضاف “ليندمان” أن محققي الأمم المتحدة المختصين بجرائم الحرب أدانوا، الصيف الماضي، الخسائر الضخمة في الأرواح بين المدنيين في الرقة وأغلبهم قتلوا في الغارات الجوية التي تقودها واشنطن بشكل عشوائي وشرس دون رحمة مدعية محاربة “داعش”.

العمليات الأميركية عديمة الرحمة..

تابع الكاتب أن أغلبية عناصر “داعش” تمت إعادة نشرهم في دير الزور، حيث يقوم الجيش العربي السوري مع حلفائه بمحاربتهم وسحقهم وتدمير أسلحتهم ومعداتهم العسكرية وأماكن تموضعهم مع الأنتباه بشكل كبير إلى تفادي سقوط مدنيين، وهو ما يتناقض بشكل كامل مع العمليات الأميركية عديمة الرحمة.

موضحاً الكاتب الأميركي أن مدينة الميادين حررت بالفعل على يد الجيش السوري ومعها جميع البلدات والقرى على طول نهر الفرات، وهو ما يعد فعلاً انتصاراً مهماً للغاية حققته القوات السورية.

واشنطن تدعم الإرهابيين..

شدد “ليندمان” على أن واشنطن تدعم حشود الإرهابيين، الذين تتظاهر بمحاربتهم، ولاسيما من “داعش” و”جبهة النصرة”، مشيراً إلى اتهام مستشار الأمم المتحدة الخاص لمنع الإبادة الجماعية “آدم دينغ” إدارة “دونالد ترامب” بقصف القوارب التي كانت تقل المدنيين الذين يفرون من “داعش”، وكذلك من الغارات الجوية التي ينفذها التحالف في الرقة.

وختم الكاتب بالقول، “هذا هو أسلوب عمل الإمبريالية العالمية، والذي يتمثل بشن حروب عدوانية لا نهاية لها، دون أي مراعاة للسكان، بينما يدفع المدنيون الثمن الأعظم”.

وأثبتت جميع الحقائق، التي تكشفت مع مرور الوقت، الارتباط الوثيق بين تنظيم “داعش” والتحالف الأميركي، مشكلة قائمة طويلة من الدلائل على ذلك؛ تبدأ باعتراف وزيرة الخارجية الأميركية السابقة “هيلاري كلينتون” بأن “داعش” صنيعة الإدارة الأميركية لتقسيم منطقة الشرق الأوسط؛ وصولاً إلى استهداف التحالف مواقع للجيش العربي السوري، أكثر من مرة، لعرقلة تقدمه وانتصاراته على الإرهاب التكفيري.

عملية تضليل هدفها الدعاية..

في نفس السياق، استبعد الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد “علي مقصود”، ما تنشره قوات سوريا الديمقراطية من أخبار عن تحريرها للرقة من تنظيم “داعش”، مؤكداً أن إعلان كهذا يهدف إلى الدعاية فقط، لأن أميركا التي فشلت كل سيناريوهاتها أمام الانتصار الذي حققه محور سوريا، تحاول أن تقدم للرأي العام العالمي والأميركي أنها هي من تحارب الإرهاب، ولكنها بذلك تحاول أن تغطي على تواطئها مع الدواعش، حيث كان هناك نقل لمعظم قادة التنظيم بطائرات أميركية على حد قوله، بالإضافة إلى تسهيلها تقدم قوات “قسد” إلى المناطق التي يتم إخلاؤها من الدواعش.

وتساءل “مقصود” عن الدليل الأميركي على صحة ما تقوله من نجاحها في تحرير الرقة، مؤكداً أنه أمام عملية تضليل وتسجيل السبق في دحر الإرهاب، وأن الرقة لم تحرر بالكامل كما يقولون.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة