خاص : ترجمة – سعد عبد العزيز :
بعد التطورات الخطيرة في شمال العراق والصدام بين قوات بغداد والأكراد ويد إيران الخفية التي تزيد من بسطتها على حكومة بغداد.. هل ضاع حق الأكراد في تقرير المصير ؟.. وهل بدد “الحشد الشعبي” حلم استقلال كردستان ؟
يبدو أن المؤشرات الحالية تؤكد أن طريق الأكراد لإقامة دولة ذات سيادة بات مسدوداً في ظل تدخل “الحرس الثوري”.
نشر موقع “nrg” العبري مقالاً للمحلل الإسرائيلي “إيلي كلوتشتاين”، أكد فيه على أن طرد الأكراد من مدينة كركوك وأماكن أخرى يمثل مرحلة جديدة في تنامي النفوذ الإقليمي إلإيراني.
شركاء الأمس أعداء اليوم..
يرى “كلوتشتاين” أن الأزمة التي اندلعت خلال الأسابيع الأخيرة بشأن رغبة الأكراد في إعلان الاستقلال وإقامة دولة كردية ذات سيادة, خلقت واقعاً جديداً لم يكن في الحسبان؛ فبعد شهور عديدة من التعاون المشترك على عدة جبهات بين الأكراد والقوات العراقية, إذا بالجانبين يقتتلان حالياً بدلاً من توحيد الصفوف والتكاتف للقضاء على العدو المشترك الذي سيطر على أرضيهما، ألا وهو تنظيم “داعش”.
وبينما كان البعض يتوقع أن تقوم قوات “البشمركة” الكردية برد الصاع صاعين ومقاتلة جنود بغداد, تبين أنه بمجرد انتهاء يوم واحد فقط سيطر الجيش العراقي دون مقاومة تُذكر على مدينة كركوك والمطار وحقول النفط الهامة بالمنطقة, بل سيطر الجيش أيضاً على معقل الأقلية اليزيدية في سنجار. فيما فر آلاف المواطنين من كركوك إلى أماكن كردية أخرى، مثل “أربيل والسليمانية”. حيث قال مسئول أميركي لمجلة “فورين بوليسي”، أنه لم تحدث معارك فعلية بين الطرفين؛ وأن ما قيل بشأن اندلاع معارك قوية هو من قبيل المبالغة.
حان وقت التدخل الإيراني..
يوضح المحلل الإسرائيلي بقوله: “سواء كانت هناك معارك أم لا فإن الأوضاع الميدانية الجديدة تخدم قوة إقليمية واحدة وهي إيران تحديداً. فالجمهورية الإسلامية الإيرانية, التي ظلت حتى اللحظة الأخيرة تراقب الأزمة دون أي تدخل, أرسلت ميليشيات “الحشد الشعبي” – التي قامت بتسليحها وتدريبها – لخوض المعارك ضد الأكراد.
ووفقاً لشهود عيان فإن مقاتلي “الحشد الشعبي” هم من كانوا يقودون المعارك في كركوك. فليس من المستغرب إذاً أن أهم شخصية تابعة لقوات “الحرس الثوري” الإيراني، ألا وهو الجنرال “قاسم سليماني”، قد شوهد، مساء السبت الماضي، في منطقة كركوك. وهو بالطبع لم يذهب إلى هناك من أجل النزهة أو للبحث عن مشاريع نفطية، لكنه على ما يبدو ذهب إلى هناك ضمن خطة إيرانية مُحكمة لحشد القوات الموالية لطهران من أجل مجابهة الأكراد. وبحسب التقارير الغربية فإن قوات “الحشد الشعبي” على اتصال دائم بالجنرال “سليماني”.
طهران واستغلال أزمة الأكراد..
يُبدي “كلوتشتاين” تخوفه من المخططات الإيرانية في العراق، حيث يقول: “في الوقت الذي أصبح فيه الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) قاب قوسين أو أدنى من الصدام مع إيران بشأن الاتفاق النووي، لا بد له أيضاً أن ينتبه لمثل هذه التحركات من جانب الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تقوم بها أحياناً في الخفاء”. وتعكس تلك التحركات مدى تعاظم النفوذ الإقليمي لإيران, ومخططاتها الهادئة من أجل السيطرة على المزيد من مفاصل الدولة العراقية.
لقد استفادت إيران من الصراع بين الأكراد والعراقيين بعدة طرق: أهمها أنها زادت من إحكام قبضتها على الحكومة الشيعية في بغداد، بعدما ظلت لشهور عديدة تحميها من الهزيمة أمام تنظيم “داعش” وتساعدها على استعادة الأراضي التي وقعت في أيدي ذلك التنظيم الإرهابي. وبالطبع فإن طهران لم تفعل ذلك – لا في الوقت السابق ولا في الوقت الحالي – حباً في العراقيين، بل رغبة منها في إقامة “الهلال الشيعي” الذي يبدأ من إيران ليصل إلى سوريا.
أهداف التدخل الإيراني..
يؤكد “كلوتشتاين” على أنه بالإضافة إلى ما سبق، فإن طهران, بتدخلها حالياً, أوضحت للأكراد أنها هي البوابة الرئيسة للحوار من أجل تهدئة الوضع في المنطقة، كما أظهرت ماذا سيكون رأيها في حال طالب الأكراد بإقامة دولتهم في أجزاء من إيران، التي تُعد وطنهم التاريخي. وثمة بُعد آخر أكدته إيران ألا وهو قدرتها على استخدام الميليشيات الشيعية لضرب الأكراد إذا ما لزم الأمر, وهذه رسالة واضحة بشأن الوضع في سوريا، حيث تسيطر وحدات الجيش الكردستاني هناك على بعض المناطق السورية بينما يسيطر الإيرانيون على الحكم بأنفسهم أو من خلال الموالين لهم في أماكن أخرى.
الصراع على النفط لم يغب عن المشهد..
بحسب “كلوتشتاين” فإن كثيراً من المحللين يرون أن هناك قضية أخرى هامة حاضرة بقوة في الصراع الحالي, ألا وهي قضية السيطرة على احتياطيات النفط. حيث كان الأكراد في كركوك ينتجون حوالي 10٪ من النفط الذي كان يصدره العراق, وينقلونه إلى تركيا عبر خط أنابيب. وتهدف إيران بتدخلها حالياً إلى التحكم في الثروة البترولية الكردية, وهي في الواقع لا يعنيها كثيراً إن كانت هي التي ستسيطر عليها أم العراقيين, المهم ألا تكون تلك الثروة في يد الأكراد الذين يمثلون جزءاً من المحور الغربي في المنطقة.
ويوضح الدكتور “ألان وولد”، وهو مؤرخ متخصص في الجغرافيا السياسية واحتياطات الطاقة المتعددة، أن طهران، من خلال تأثيرها على بغداد – وخاصة إذا منحتها الاحتياطيات النفطية التابعة للأكراد – سيمكنها امتلاك صوتين في منظمة الـ”أوبك”. لتتمكن من مواجهة منافسيها في دول الخليج التي تنتج النفط بكميات ضخمة، بما في ذلك السعودية التي هي أكبر منافس لإيران في المنطقة.
جدير بالذكر أن إيران لم تُخف نواياها تلك, فها هو السيد “علي أكبر ولايتي”, أحد كبار مستشاري الزعيم الروحي الإيراني آية الله “علي خامنئي”، قد قال بعد السيطرة على كركوك إن الاستيلاء على حقول النفط هناك أحبط “مؤامرة كردية خطيرة كانت تهدف لتقويض الأمن الاقليمي”، مضيفاً أن الزعيم الكردي “مسعود بارازاني” كان يريد أن يجعل السيطرة على آبار النفط بمنطقة كركوك في أيدي إسرائيل.
وفي الختام, يقول المحلل الإسرائيلي: “هناك من يرى أنه كما استُغل الاستفتاء الشعبي في كردستان ورغبة أربيل في الحصول على الاستقلال كذريعة لتنفيذ مُخططات إيران العدوانية للسيطرة على مناطق شاسعة في الشرق الأوسط, يتم الآن أيضاً الزج باسم إسرائيل كذريعة أخرى لاستخدام العنف من قبل مقاتلي “الحرس الثوري” والموالين لهم لتعزيز النفوذ الإيراني. فإذا كان المسؤولون في واشنطن يظنون أن ما جرى هي مجرد مناورة أخرى لمحاربة “داعش”, فعليهم أن يُعيدوا النظر في حساباتهم”.