في العدد ( 10 والمؤرخ في 18 / 9 / 2012) من سلسلة ( مـَشاهد عراقية .. بعيداً عن السياسة ) ، والتي تـُنشر تباعاً ، تناولنا موضوع قانون البنية التحـتية في جانبه الأقتصادي ووضعنا ملاحظاتنا عليه وحسب ما نعتقد .. في حينها وردتني حفنة من الشتائم والكلام البـذئ عن طريق البريد الألكترونــي .. خــُلاصتها أني مـُعادِ للتحالف الوطني ومـِن جماعة فلان أو علاّن …!!
الملاحظات التي ذكرناها في حينها كانت بالنص :
فكرة القانون جيدة ونافعة ، لو كان العراق بلداً فقيراً .. ولو كانت الميزانيات السنوية للوزارات لا يرجع منها ولا فلس ..! أما وأن العراق بلد غــني حالياً .. ومـُقبل على زيادة أنتاجه النفطي في المستقبل القريب .. فلماذا نـُكبـّل أقتصادنا بديون وقيود من الممكن تلافيها .
– لم يـُحدد القانون نسبة الفائـدة التي ستـتَرتـّب على المبالغ المـتاخرة الدفع ، أذ من الطبيعي أن تفرض الشركات المـُشاركة نسبة فائدة على أموالها المـُتأخـرة السداد ..أو في أحسن الأحوال ستفرض أسعار مضاعفة على خدماتها .
وهذا سيؤدي الى تآكل تدريجي للمبلغ الأصلي .
– كيف سنحمـي هذه المبالغ الضخمـة من حـيتان الفساد ..؟ خصوصاً أن القانون أباح للشركات العراقية المشاركة في المشاريع المشمولة بالقانون .. ونحن نعلم وأنتم تعلمون أن الكثير من السادة المسؤولين والبرلمانيين لديهم شركات ولكن بأسماء خالاتهم وعمـّاتهم ..!!
– لماذا تم زج الشركات العراقية في القانون ..! فأذا كانت هناك شركات عراقية قادرة وبكفاءة على أنجاز المشاريع .. فما حاجتنا للشركات الأجنبية ..؟ وأذا كان المقصود بالشركات العراقية أن تكون رديفـة للشركات الأجنبية .. فخذوها منـّي ستعتمد الشركات الأجنبية بنسبة عالية جداً على الشركات العراقية كنوع من الألتفاف لغرض وضع الشركات العراقية في مواجهة موضوع الدفع الآجل ، وكذلك تـَجـنـّب صرف أستثمارات مالية كبيرة ووضع ذلك على أكتاف الشركات العراقية ..!
– وجود شركات عراقية في الصورة سيقودنا الى موضوع جودة التنفيذ ودقـة الألـتزام بالمواصفات ، وستشتغل منظومــة الرشاوي والفساد ( بأحلى صورها ) .. صحيح أن جودة العمل هي من مسؤولية وأشراف الشركة الأجنبية .. ولكن مهما كانت هذه الشركة صارمـة في تدقيقها ومتابعتها لمفردات التنفيذ .. فأن الخبرة الكبيرة التي أكتسبناها في الألتفاف على معايير الجودة والمواصفات كفيلة ( بهزيمــة ..! ) صرامــة أجدع شركة .
– هل سيتوفر لدينا جهاز أداري كفوء لأدارة عملية كبيرة من هذا الوزن ..؟ أذا كنا عاجزين عن أدارة موضوع الحصة التموينيـّة وهو بحدود 4 مليار دولار سنوياً .. فهل لدينا كفاءة أدارة 37 مليار دولار …؟
– المعروف أن الميزانية التشغيلية السنوية تتراوح بحدود 70 % من الميزانية العامة .. والميزانية الأستثمارية تبقى بحدود 30 % … والجميع يعلم حجم التبذير والهدر في الميزانية التشغيلية سنوياً ، والمـُتمثــّل بالمـُرتبات والحمايات والأثاث السنوي والنفقات الخدمية والأيفادات والسفرات والكماليات والسيارات والوقود والترهـّل الحكومـي .. وعدد لا يـُـحصى من أوجــه الهدر والتبذير في الميزانية التشغيلية .. فهل الأصح أن نـُـقلـّص من الميزانية التشغيلية لحساب الميزانية الأستثمارية ..؟ أم نــُكبـّل ميزانيتنا بديون وفوائد أضافية.
– وردَ في الأسباب الموجـبة للقانون النص التالي : ( تخصيص مبلغ مقداره مليارا دولار لمشاريع سكن الفقراء ) ..! هل الفـُقـراء لا يــُمكن حل مـُشكلتهم ألاّ بالأستعانــة بالشركات الأجنبية والدفع الآجل ..؟ كم دار سكن أنشأنا ووزعنا على الفقراء خلال هذه السنوات …!! لكي تكون المـُقدّمات .. دليل على سلامـة المـؤخـّـرات ..!
– موضوع تشغيل الأيدي العامـلة العراقية بالطبع موضوع هام وضروري لامتصاص البطالة .. ولكن هذا الموضوع سيكون تحصيل حاصل بسبب رخص العمالة العراقية قياساً بالكوري والياباني والأسباني .. وكذلك تـوّفر للشركات الأجنبية دوخـــة الفيزا وبطاقات السفر والحماية الأمنية والأقامة ..الخ أذن هي ليست مكسباً فرضَـهُ القانون .. بل هو نتيجة طبيعية لعمل أي شركة أجنبية في العراق.
بالأمـس ورد في الأخبار أن السيد أبراهيم الجعفري رئيس التحالف الوطنـي قال بالحرف : ( أنـّي أشـمّ رائحـة فساد في قانون البنية التحتية …!!) ، وهذا الموقف مــُرشـّح للتصعيد بين السيد الجعفري والسيد المالكي … عندما يقول السيد الجعفري أن الموضوع فيه رائـحــة فساد ، فهو لا يقولها عبثاً .. لأن تبعات هذا الكلام كبيرة وخطيرة على تماسك التحالف الوطني الهش أصلاً بسبب المواقف المتباينة لأطرافـه حول العديد من القضايا الهامـة .. أذن لابد أن تكون قد توّفرت للجـعـفري مؤشرات ودلائل واضحـة أوصلتـهّ الى هـذه القناعــة .. والتي قالها ربما بعد أن طــَفـَح به الكيل ..!
من ناحــية أخـرى لو دقــّقـنا في طبيعة الهـَـوجـة الأعلامــيّة الترويجية للقانون من قــِـبل أطراف دولة القانون وبعض وسائل الأعلام .. لوجدنا تشابهاً يكاد يكون متطابقاً للحملة الأعلامــيـّة التي رافقت موضوع سحب الثقـة عن السيد المالكي قبل شهور ..! والتي تم فيها تصوير الأمــر وكأن يوم القيامــة سيحـّل بالعراق أذا ما خرجَ السيد المالكي من الوزارة .. نفس الحال الآن يجري تصوير عدم الموافقة على قانون البنية التحتية وكأن مصيبة المصائب أو أم المصائب ستحلّ بالعراقيين أذا لم يــُمـرر القانون … فالنائبـة عالية نصيـّف تقول : ( عدم الموافقة على القانون خيانة للوطن ..! ) ، والنائب الصيهود يقول : ( الذي يرفض القانون مرتبط بأجندات خارجية ..! ) ، وأحدى الصحف تـُطالب بخروج مظاهرات شعبية للمطالبة بأقرار القانون ..! وصحيفة الصباح تنشر قبل يومين عنواناً عريضاً وعريضاً جداً على صفحتها الأولى يقول: ( 15 محـافظة تـُطالب بأقرار القانون ..!) وعندما قرأت تفاصيل الخبر لم أجد ما يـُشير الى ذلك ..! ووزارة التخطيط تنشر تقرير في هذا التوقيت بالذات يتحدّث عن نسب الحرمان في الخدمات والبنية التحتية لمحافظات العراق .. حيث يخلـّص التقرير الى أن محافظات الجنوب هي أكثر حرماناً من باقي جميع المحافظات .. في أشارة واضحــة تــُريد أن تقول لأهلنا في الجنوب أن هذا القانون هو لخدمتكم ولكن (الأطراف الأخــرى) لا تريد لكم الخـير ..!! والتساؤل المشروع هنا لماذا أصبح حال المحافظات الجنوبية هكذا بعد كل هذه السنين وبعد كل المليارات التي صــُرفت …!! هل من مـُـجيب ..!
وأطرف تصريح حول الموضوع جاء على لسان النائب عباس البياتي حيـن قال : ( لا يمكن أعتبار القانون دعاية للسيد المالكي .. لأن التنفيذ الفعلـي سيبدأ بعد سنتين ..! ) أي بمعنى أن الحكومــة ستتغييّر والبرلمان سيتغـييّر .. ولكن السيد البياتي وهو في غمرة الدفاع عن القانون نسي أنه نسف القانون من أساسه … بعد سنتين سيكون أنتاج النفط العراقي قد وصل بالحد الأدنـى الى ثلاثة ملايين ونصف – أربعة ملايين برميل يومياً ..وهذه الزيادة وحدها كفيلة بتوفير أكثر من المبلغ المـُخصص للقانون ( 37 مليار دولار ) بالأضافة الى ما يمكن توفيره خلال هذه السنتين من خلال ضغط النفقات التشغيلية زائـداً فائض الموارد المـُـتـَحصِلة نتيجة فرق سعر برميل النفط بين ما يـُحسب كسعر قياسي عند أعداد الميزانية العامـة وبين السعر المـُتحقق فعلاً ..! فما حاجتنا للدفع الآجـل أذن ..؟
هل بعد كل ذلك يصبـَح الذي يتحفـّظ على القانون مــُعاد أو مـرتبط بأجندة خارجية .. أو ربما أرهابي ..! ألا تدعونا هذه المواقف الى النظر بعين الشك والريبة وراء الأصرار على تمرير القانون .. في الوقت الذي يـُمكن وببساطـة أيجاد البدائل …!
ختاماً نقول بالتأكيد نحن مع البناء والأعمار والخدمات والتنمية والتطوّر ، ولكن عندما يكون حقيقي ومدروس ونظيف ..!