مدخل
المتابع للصراع السني- الشيعي الدائر الآن في العراق سواء بشكله الخفي او المعلن، يرى ان الثغرة الاوسع التي تعيب الدراسات التحليلية الموضوعية المكتوبة عنه، تتمثل في افتقار تلك الدراسات الى التعريف المعمق بالشيعة، بل يلوح له ان ثمة تجاهلاً مدروساً للشيعة او حتى عدم الاكتراث بهم. فان الكثافة العددية (المزعومة) للشيعة في العراق تستحق قدراً من الاهتمام اكبر من هذا بكثير.
فالشيعة لم يدخلوا ضمن اهتمامات مراكز الابحاث العربية والغربية الا بعدما بدأوا يظهرون في نزاعات مختلفة ضمن محيط تواجدهم السكاني كطرف او كمقاتلين. فقبل الثورة الايرانية عام 1979 لم يكن احد ينتبه لهم او يعيرهم أي اهتمام. ويعود السبب في ذلك، الى ان الشيعة خارج ايران كانوا غالباً اقليات عديمة الاهمية على الصعيد السياسي، وحتى في العراق، على الرغم من ادعائهم الاغلبية العددية لم يلعبوا في السياسة ابداً دوراً خاصاً.
وبما ان الشيعة ينتمون في غالبية البلدان الى المجموعات السكانية المحرومة من الامتيازات، فان هذا هو السبب المباشر لأن نجدهم خلال العقدين الاخيرين يشاركون في الصراعات الدائرة حول توزيع مناصب السلطة والثروة والمنافع في الشرق الاوسط العربي والاسلامي، وفي الكفاح ضد التخلف والظلم والاضطهاد، وفي التطلع الى ان يكون لهم مكان او حصة من مكاسب السلطة.
ان تصرفات المجموعات الدينية كجماعة متضامنة، فهذا تقليد قديم في مجتمعات الشرق المقسمة فئوياً، عمره مئات السنين. فالمجموعة الدينية هي في الوقت نفسه فئة اجتماعية، الا ان انقسام مجتمعات الشرق الاوسط العربي والاسلامي الى فئات مختلفة لا يستند دوماً الى العامل الديني بل ان الاختلاف العرقي- اللغوي يلعب دوراً مهماً ايضاً وفي بعض الاحيان اكثر اهمية.
فالاكراد معظمهم من السنّة مثل خصومهم في تركيا والعراق لكنهم يتكلمون لغة اخرى. وفي بعض الاحيان يكون هناك تطابق في الانتماء العرقي والديني للمجموعة. فالاذربيجانيون شيعة يتكلمون اللغة التركية او اتراك شيعة. ولكن هذا لا يشكل القاعدة باي حال. فالسكان الريفيون في جنوب العراق يتكلمون اللغة العربية مثل السكان السنيين في وسط العراق وشماله الغربي، لكنهم من الناحية المذهبية شيعة مثل الايرانيون الذين يتكلمون لغة اخرى. اما ولاؤهم السياسي فلا يمكن تحديده سلفاً استناداً الى انتمائهم العرقي ولا الى انتمائهم الديني، ولا يبقى ثابتاً على مر الازمان.
فعندما بدأت ايران الحرب في ايلول/1980 على العراق، توقع المراقبين ان الشيعة العراقيين سيفرون من المعركة ويلتحقون بالطرف الآخر. وعندما لم يحصل هذا- على الرغم من جزءاً كبيراً من الجيش العراقي يتألف من الشيعة- استعملوا لتفسير ذلك العداوة الابدية بين العرب والفرس.
وبعد حرب الخليج الثانية 1991، ثار الشيعة ضد نظام الحكم في بغداد وبحثوا عن سند لهم في ايران. لكن المراهنة على تدخل ايران عسكرياً لم تتحقق. فقد كان لايران اسباب وجيهة سياسية واقتصادية وعسكرية لعدم الدخول في حرب ثانية مع العراق مما خيب آمال كثير من القادة الشيعة.
العراق هو البلد الاصلي للشيعة بعد ايران، كانت الكوفة (محافظة النجف) اقدم مركز لهم. وفي العراق تقع مقامات شتة من الأئمة الاثني عشر. ومع ذلك كان الشيعة هنا حتى القرن التاسع عشر اقلية عديمة الاهمية. فقط حول المقامات المقدسة في النجف وكربلاء كان هناك بعض علماء الشيعة مع عائلاتهم وتلاميذهم، غالباً مهاجرون قادمون من ايران يعيشون من الاموال الوقفية التي تصلها من مختلف ارجاء العالم.
ولما بدأ الباشوات الاتراك في بغداد في القرن التاسع عشر بتوطين البدو الرحل العرب في جنوب العراق وحثهم على حياة الاستقرار، وجد العلماء الشيعة في النجف وكربلاء حقلاً جديداً لدعوتهم. ذلك ان البدو المستقرين اصبحوا من اشد المتحمسين للأئمة. وبدأ شيوخ القبائل وملاك الاراضي الجدد يقدمون الدعم المالي للمقامات المقدسة وللمدارس التابعة لها. ونشأت علاقة وثيقة بين رجال الدين الشيعة والوجهاء الريفيين في جنوب العراق عززتها العلاقات القائمة بين الاساتذة وتلاميذهم ثم تمتنت بعلاقات الزواج.
تحتل النجف بين المراكز الشيعية في العراق منذ قديم الزمان المكانة القيادية. ففي سنة 1846، تم الاعتراف بالشيخ محمد النجيفي كأعلى مرجع للتقليد. وبعد وفاته سنة 1849، خلفه تلميذه الشيخ مرتضى الانصاري. وبعد وفاة الانصاري سنة 1864، ظل المركز شاغراً فترة من الزمن الى ان تمكن ميرزا محمد الشيرازي من فرض نفسه كمرجع اعلى. وبانتقاله الى سامراء سنة 1875، رفع الشيرازي من قيمة هذه المدينة التي اختفى فها الامام الغائب والتي كانت حتى ذلك الحين عديمة الاهمية.
بعد اصلاح الحوزة في قم الايرانية منذ 1924، فقدت الحوزة العراقية قيادتها الروحية للشيعة، اصبحت ايران اهم من العراق، ومع ذلك كان للشيعة العراقيين في القرن العشرين ايضاً قادة روحيون مهمون.
هناك ثلاث عائلات كبيرة تسيطر منذ اجيال على الحوزة في النجف من عام 1962 حتى عام 1970. كان يقف على رأسها اية الله العظمى سيد محسن الحكيم الذي حاول الشاه محمد رضا بهلوي عبثاً استغلاله ضد رجال الدين المعارضين له في قم. لكن الحكيم لم يقبل توظيفه كأداة لاغراض سياسية. اما ابنه محمد باقر الحكيم فقد اضطر للهرب الى طهران خوفاً من بطش صدام حسين واصبح رئيساً للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق الذي اسسه هناك. بعد سقوط صدام توقع الكثيرون ان يلعب دوراً حاسماً في العراق لكنه لما عاد سنة 2003 من المنفى الى النجف قتل في تفجير عبوة ناسفة في باحة مقام الامام علي.
تولى خلافة محسن الحكيم سنة 1970، آية الله العظمى ابو القاسم الخوئي الذي كان يحظى بمكانة عالية واحترام كبير خارج حدود العراق ايضاً. كان الخوئي يعيش حسب تقاليد الزهد والتقشف لرجال الدين الشيعة، ويتجنب الدخول في المنازعات السياسية، وكان يتخذ موقفاً نقدياً من الخط الثوري للخميني. اما ابنه عبد المجيد الخوئي فقد اراد الامريكيون والبريطانيون ان يكون الطرف المقابل لمحمد باقر الحكيم المؤيد لايران. ولذلك اعيد بعد سقوط صدام من منفاه في لندن الى العراق، لكنة اغتيل في 9/ نيسان/ 2003 بعد ايام قليلة من وصوله في باحة ضريح الامام علي.
الى جانب هاتين العائلتين لعبت عائلة الصدر دوراً بارزاً في المعارضة ضد صدام. حصل محمد باقر الصدر على مكانة واسعة بواسطة كتابه (فلسفتنا) الذي يتضمن نقداً للمادية الماركسية وكتابه (اقتصادنا) الذي يضع فيه نظاماً اقتصادياً للدولة الاسلامية المقبلة.
في نيسان من عام 1980، اعدم الصدر وذلك بعد ان كان قد اعتبر نظام حكم البعث كافراً دينياً. ولما اجبر الامريكيون وحلفاؤهم في حرب الخليج الثانية 1991 صدام حسين على الانسحاب من الكويت لكنهم لم يسقطوه فاستغل صدام الفرصة للانتقام من الشيعة الذين ثاروا ضده متوقعين سقوطه، فشن عليهم غارات جوية ادت الى الحاق ضرر كبير بمقامات الأئمة، وامر باعدام كثير من الشيعة…. لكن عائلة الصدر تابعت مقاومتها للنظام، ففي سنة 1999، قتل صدام (حسب ادعاءات البعض) ابن عم الصدر آية الله محمد صادق الصدر مع اثنين من ابنائه، اما الابن الثالث الذي بقي فهو مقتدى الصدر الذي يقود الآن التيار الصدري وميليشيات جيش المهدي.
بعد هؤلاء، تولى آية الله علي السيستاني (مواليد ايران 1930) تركة استاذه الخوئي في العراق. والسيستاني، زعيم روحي مشهود له بالعلم والتقوى والرئيس الديني لحوزة النجف اليوم.
ان اغلب الناس لا يفهمون الا القليل عن المعتقدات الشيعية وتراثهم الممتد في عمق التاريخ لأكثر من اربعة عشر قرناً… وفي احسن الاحوال تكون معلوماتهم مقتصرة على صور أناس يحملون سلاسل يسلخون بها ظهورهم حتى تدمى او يضربون جباههم بالسيوف والقامات….
وقد لفت انهيار نظام صدام حسين الانظار من جديد على الشيعة في العراق وعلى الدور السياسي الذي يمكن ان يلعبوه بدعم امريكي – اسرائيلي- ايراني خفي ليس في تحديد معالم عراق المستقبل وهويته العربية بل وفي رسم مستقبل منطقة الشرق الاوسط العربي- الاسلامي برمتها، نظراً للامتدادات المذهبية الشيعية في المنطقة، وازدياد دورهم منذ الثورة الاسلامية في ايران عام 1979، من جهة، والتفاعلات الجيوبوليتيكية التي من المتوقع ان يطلقها التغيير في العراق من جهة ثانية.
قبل الدخول في موضوع دراستنا، لابد من القول بان هناك سمات عامة فكرية ومذهبية وسياسية يشترك فيها ابناء الشيعة في العراق، الا ان ذلك لا يجعلهم يمثلون بالضرورة تياراً احادياً وعاماً فانهم بدورهم خاضعون للانقسامات الاجتماعية والفكرية والسياسية والطبقية. فمنهم من كان قومياً عربياً، ومنهم من كان طائفياً، ومنهم من كان دستورياً وتقدمياً، ومنهم من كان محافظاً ويمينياً، ومنهم من كان وطنياً ومعادياً للاستعمار، ومنهم من لم يتورع عن المساومة على الوطني، واخيراً فمنهم من كان كادحاً وذا دخل محدود، ومنهم من كان غنياً ومترفاً….
* من هم الشيعة؟
الشيعة، طائفة من المسلمين، والتشيع مذهب يقوم اساساً على ان الايمان بالامامة أي امامة علي بن ابي طالب واولاده من فاطمة وخلافتهم للنبي في امور المسلمين الدينية والحياتية… والامامة في المذهب الشيعي بمثابة خط فاصل بين الشيعة والمذاهب الاسلامية الاخرى، وهي عندهم احد اعمدة الدين مثلها مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج. ويذهب البعض من الشيعة الى ان الولاية (الامامة) افضل من هذه الاعمدة لانها مفتاحهن والولي هو الدليل عليهن.
وشأنهم شأن باقي المذاهب الاسلامية، لجأ الشيعة الى الادلة النقلية والعقلية في محاولة لاثبات دعواهم والتي ارتكزت الى القرآن والسّنة النبوية التي وردت في كتبهم وتراث آل البيت، اضافة الى ادلة العقل والاجماع. وكان المخزون الثري للفقه الشيعي الذي ظل منافحاً عن نهج الولاية عبر العصور قد طور فكراً سياسياً تراكمياً تناول مفاهيم الدولة والحكومة والقيادة السياسية وفقاً للاطار الاسلامي الذي يرمي الى اقامة الامة غير المرتكزة على الوحدات الجغرافية او التاريخية او اللغوية او المصالح الاقتصادية بوصفها مكونات الدولة القومية والمبررات الكبرى للدولة الحديثة.
ان هذه العقيدة تكشف عن الجوهر السياسي للايمان الشيعي. ففي خلفية الذهنية الشيعية ليس ثمة حاجز بين السياسة والدين، وعليه فقد بدأت الشيعية كحركة سياسية في القرنين السابع والثامن. ويؤمن الشيعة بان النبي وخلفاءه الائمة هم وحدهم ذوو القدرة والعصمة على تفسير كلمة الله حقاً وتوجيه المجموع، وان اطاعة الامام هي منبع الفضيلة.
ويرتبط التشيع ايضاً بمفهوم الغيبة، وهو مفهوم جوهري في العقيدة الشيعية قائم على اعتقاد القطاع الاوسع من الشيعة وهم الامامية الاثني عشرية بغيبة الامام محمد المهدي بن الحسن العسكري في ظروف غامضة، مما ادى الى انقطاع مادي لسلسة القيادة الدينية والسياسية للطائفة نتجت عنه اشكالية اساسية تتمثل في بقاء الشيعة دون امام معين من قبل الله في تسلسل وراثي ومعصوم طالما كانوا يرفضون مبدأ التعيين والشورى. ولان الغيبة تتناقض مع فلسفة الامامة التي تقول بان الارض لا يجوز ان تخلو من امام، فقد استنبط متكلموا الشيعة وفقاؤهم عبر العصور نظرية الانتظار، أي انتظار عودة وظهور الامام المهدي، وهي النظرية التي شكلت لاحقاً جوهر الفكر السياسي الشيعي وخاصة فيما يتعلق بحل اشكالية التشريع والقيادة في عصر الغيبة والتي انطلقت من نظرية النيابة عن الامام الغائب، ثم تلاها مفهوم المرجعية ثم توج كل ذلك بنظرية ولاية الفقيه التي وجدت تطبيقها العصري على يد الامام الخميني في ايران.
التشيع في تكوينه التاريخي ظل ظاهرة احتجاجية على الدولة، كما بقي مقصده النهائي تأسيس الدولة الدينية الالهية. فجزءاً عضوياً من العقيدة الشيعية ان ترفض وتقاوم أي سلطان جائر، وقد اعتبروا- أي الشيعة- معظم الخلفاء غاضبين، وهذا ما الحق بهم اضطهاداً وقمعاً متواصلين، وبنتيجة ذلك ارهف وعيهم السياسي واشتدت الوحدة والتفاني في صفوفهم، كما اكتسب الايمان الشيعي طابعاً جهادياً وراديكالياً بعض الشيء. وباختصار، فانهم مثلوا في اغلب الاحيان معارضة دائمية ومحترفة للمسلمين الحاكمين.
ان الفكر الشيعي المرتكز على نظريات الامامة والغيبة والانتظار والولاية، بقي خليطاً من المقاصد التي تبرز وجود واستمرار التشيع من جهة ونفوراً من الواقع ومن السلطة من جهة ثانية، انعكست دائماً على الفقه السياسي الشيعي الذي وصل به الى حد مقاطعة ورفض مجرد التفكير في السلطة حتى في اطارها النظري والتجريدي، وتالياً الاعتصام بالتقية كأحد افرازات وردود الفعل الشيعية.
ومفهوم التقية، يسمح للشيعة باخفاء بعض ارائهم تحت ضغط الاكراه او التهديد بالايذاء. وفي اطار هذا الايمان والتاريخ والتقاليد كان تحاشي السياسة امراً متعذراً. وفضلاً عن ذلك كانت ثمة عوامل اخرى حددت الانغماس العميق والفعال للمجتهد الشيعي في السياسة، وهذه العوامل تفسر من ناحية، السر وراء قوة رجل الدين الشيعي وعمق تفاعله مع اتباعه من ناحية اخرى.
ولكن، وبالرغم من الوعي الانتظاري الذي غلف هذه الاطروحات الا ان مجمل الفكر السياسي الشيعي ظل مستنداً الى قواعد اجتهادية عقلية منحته حيوية ومرونة فائقة تبرز اهم تجليات اليوم في تيارات داعية الى مواكبة الجديد الفكري على القديم التقليدي وحسب المعطيات الوطنية والموروث التاريخي لكل بلد او حضارة.
* الشيعة والتهميش المزعوم
الوضع الجيوبوليتكي الذي تسيطر فيه اغلبية شيعية مطلقة على ايران التي يبلغ عدد نفوسها اكثر من سبعين مليون نسمة، ليست ارقام نهائية حول عدد الشيعة في العالم بسبب غياب الاحصائيات الدقيقة. الا ان معظم التقديرات تشير الى وجود حوالي (140) مليون شيعي، منهم حوالي (30) مليون في الوطن العربي موزعون على تجمعات رئيسية في العراق ولبنان وسوريا والسعودية واليمن واقطار الخليج العربي، ومتنوعون مذهبياً بين اغلبية امامية واقلية زيدية واسماعيلية، ومنهم من يضع العلويين والدروز ايضاً بين الشيعة. كما انهم منقسمون سياسياً، كما حركة امل وحزب الله في لبنان، والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية (المجلس الاعلى الاسلامي لاحقاً) والدعوة ومنظمة العمل الاسلامي والتيار الصدري وعصائب اهل الحق في العراق، اضافة الى حقيقة انضمام الشيعة في التيارات السياسية العامة غير الدينية، وهو البعد الغائب غالباً عن الجدال في الموضوع الشيعي.
ويمثل الانبعاث الشيعي في المنطقة منذ الثورة الايرانية عام 1979، عاملاً جيوبوليتيكياً مؤثراً، من المؤكد انه ازداد اهمية بعد التغيير الاخير في العراق، فقد عانت الاقليات الشيعية في معظم دول المنطقة من التمييز والتهميش السياسي والاجتماعي بل واحياناً من الاضطهاد بسبب وجودها وسط محيط من السّنة الذين يقر البعض بهم على مضض كأقلية او طائفة اسلامية، بينما يكفرهم البعض الآخر اما بسبب شدة التيار السلفي او بنسب تلك الاثار الطائفية التي خلقتها الدولة العثمانية وصراعها الجيوسياسي (الجيوبوليتيكي) مع منافستها التاريخية ايران.
وقد جاءت الثورة الايرانية لكي تضع الشيعة مجدداً تحت الضوء ليس لانها وضعت علماء الدين الشيعة في سدة الحكم في بلد اغلبيته العظمى شيعة (وفق ادعاء ادبياتهم الاعلامية) بل بسبب المخاوف التي فجرتها اقليمياً ودولياً الحركة الثورية التي اطلقتها في العالم الاسلامي وعوامل القوة الناشئة عنها في منطقة شديدة الحساسية للتيارات الثورية، في وقت تعمقت فيه الهوة بين الحكام والمحكومين وتنامت فيه دعوات الاصلاح والتطوير في البلدان الاسلامية.
والاكيد ان الثورة الاسلامية في ايران وبعض افرازاتها…. كزيادة المد الاسلامي في المنطقة، والحرب الايرانية- العراقية، وانبثاق المقاومة الشيعية ضد اسرائيل في جنوب لبنان، وتنامي الصوت الشيعي في منطقة الخليج العربي… وضعت الشيعة في المنطقة امام تحديات كبيرة، الا ان نتيجتها الاهم هي انها نجحت ليس فقط في نقلهم الى اوضاع جديدة افضل، اصبح فيها تهميشهم عبئاً على الوسط العام الذي يعيشون في كنفه بل جعلتهم رقماً سياسياً مهماً في المعادلة الاقليمية وربما الدولية.
وبالنسبة لشيعة العراق فقد ظلوا مهمشين سياسياً منذ سقوط الدولة العثمانية وخلال كل الادارات المتعاقبة حتى وصلت قمة التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي تحت سلطة صدام حسين على الرغم من وقوفهم ضد ايران في عدوانها التي شنته ضد العراق تعبيراً عن مشاعرهم الوطنية والقومية العربية وعلى حساب صلاتهم المذهبية مع ايران.
هذا التهميش- الذي يدعونه زوراً وتكسباً- اصبح يشار اليه من قبل الشيعة العراقيين بمشكلة الطائفية والتمييز الطائفي التي تتربع الان مسألة معالجتها على رأس الاجندة الشيعية بعد سقوط صدام، على الرغم من كونهم المستفيد الاول من نظامه وعلى كافة الصعد….
الواقع، ان الفرية التي يتبناها اغلب شيعة العراق، هي ان الدولة العراقية عانت منذ تأسيسها عام 1921، من علة اساسية كانت ولا تزال السبب الرئيس في مواجهته من متاعب وما وصل بها من زوايا ونكبات، وهذه العلة تكمن في تسلط- حسب ادعاء كتابهم ومؤرخيهم… –اقلية صغيرة من الشعب العراقي على زمام الحكم واستئثارها به وانفرادها بممارسة سلطاته وحرمان بقية الفئات ولا سيما (الاكثرية) الشيعية والاقلية الكردية.
لكن حقائق التاريخ تقول، ان المجتمع العراقي كان حتى اواخر القرن التاسع عشر يتعرض لصراع بين الطوائف الرئيسية، واتخذ الصراع شكلاً خطيراً عندما اعتنق الشاه الفارسي المذهب الشيعي في اوائل القرن السادس عشر. ويقال ان السبب الرئيس لذلك هو محاولته ايجاد غطاء عقائدي في صراعه مع العثمانيين. ومنذ ذلك الحين اكتسب الصراع الطائفي مزيداً من الخطورة عندما بدأ كل من الطرفين يقرن نفسه بدولة اجنبية، أي تركيا وايران اللتين نصبتا من نفسهما حامياً لهذه الطائفة وتلك، ولم يكتسب الصراع طابعاً متميزاً بالتحريك فقط وايضاً بقسوة دامية شديدة. وغني عن البيان، ان مثل هذه الظروف اعاقت ظهور وعي عربي عراقي او أي وعي وطني او قومي….
ويعزو الشيعة علة التمييز الطائفي تلك وتحشيدها، الى قيام البريطانيين بعد احتلالهم للعراق عام 1917، ولاسباب تتعلق بقيام الشيعة بمقاومة الاحتلال البريطاني وتفجيرهم الثورات بوجهه- علما ان السنة هم من لهم سبق تجييش وتحفيز غالبية الشعب العراقي في الانتفاضة والثورة على المحتل البريطاني كونهم الطبقة الاجتماعية الوحيدة المتعلمة والمتنورة من مجموع طبقات المجتمع العراقي الاخرى وقتئذ- بمنح الحكم (للاقلية!!) العربية السنّية التي تفتقر الى دعم (الاكثرية!!) الشيعية والاقليات الاخرى…… وتمثلت هذه السياسة البريطانية منذ البداية باقصاء الشيعة عن المناصب المهمة في الدولة لانهم لا يقارنون بزملائهم السّنة ممن يحملون مؤهلات علمية من جامعات غربية مرموقة.
وقد كتبت المس بيل سكرتيرة المندوب السامي وصانعة العراق الحديث، رداً على الاحتجاجات الشيعية ضد عدم تمثيلهم بشكل مناسب في مؤسسات الدولة، بقولها في مذكرة بعثت بها الى مقرها في لندن: “اما انا شخصياً فابتهج وافرح ان ارى هؤلاء الشيعة الاغراب يقعون في مأزق حرج فانهم من اصعب الناس مراساً وعناداً في البلاد”.
لقد ادت هذه السياسة التي اتبعها المندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس في اقتصاد الشيعة الى موقف متعالٍ من السنّة ضد الشيعة وموقف عدائي شيعي من السنّة، وهو الامر الذي ادى الى تصاعد مشاعر الضغينة والاحساس بالظلم.
ففي اول حكومة شكلت بعد الاحتلال كان نصيب الشيعة مقعداً وزارياً واحداً اعطى لشخصية ثانوية، بينما حاز السنّة على اغلب المناصب العليا ومنها مناصب المحافظين في المدن الشيعية، وهو وحده كافٍ لادراك الشعور بالحيف الذي شعر به شيعة العراق على الرغم من مساهمتهم الى جانب بقية العراقيين في النضال ضد الاحتلال البريطاني.
ولو ان الشيعة أعطوا قسطاً من المشاركة في حكومة فيصل الاول لكان في الامكان تجنب الكثير من الاختبارات المرة وكثير من الاضطرابات الدموية….
على ما تقدم…. يجدر التوقف عن حقيقة مهمة في هذا المجال، وهو ان المشكلة الطائفية في العراق ليست مشكلة بين السنّة والشيعة بل هي مشكلة على صعيد نظام الحكم نشأت من تظافر مجموعتين من التحولات تتعلق الأولى بالدولة والثانية بالمجتمع في علاقته بالدولة حيث المقصود من التحولات المتعلقة بالدولة بنية السلطة وآليات عملها وكل ما يتعلق بالبنيان السياسي من تأسيس الشرعية والسيادة وتداول السلطة وتحقيق القيادة الاجتماعية، وهي بمجملها تمثل اغتراب الدولة العراقية الحديثة عن مجتمعها او غربتها وما يرتبط بها من تحجر وعلاقة عنف وقوة بين الطرفين وهو الأمر الذي يجعل من الطائفية مرافقة للدولة التسلطية.
أكثر تجليات التمييز الطائفي ضد الشيعة في العراق منذ تأسيس الدولة الحديثة تكمن في قانون الجنسية العراقية وتعديلاته بسبب الشروط التي وضعها لاكتساب الجنسية والتي حرمت مئات الآلاف من الأفراد الشيعة منها بحجة تبعيتهم الإيرانية وقصرتها على التبعية العثمانية.
اضافة الى ذلك، فان ابرز مظاهر التمييز الطائفي ضد الشيعة تمثلت بهيمنة السنّة على الدولة وحرمانهم من المناصب الرئيسية، مثل منصب رئيس الدولة، ومن المراكز الاساسية في الدولة والمناصب القيادية في الجيش والسلك الدبلوماسي.
ومن بين الادلة التي يطرحها الشيعة على التمييز ضدهم في العهد الملكي والذي شيد اساس الطائفية السياسية في المراحل اللاحقة هو نسبة التمثيل الشيعي في المجالس النيابية بين عامي 1921 و 1958 شكلت 30- 40% فقط من مجموع عدد اعضائها.
ولعل اهم مظاهر التمييز الاخرى هي التضييق على قياداتهم الروحية وعدم السماح للشيعة بممارسة شعائرهم الدينية واحياناً حتى بتداول كتبهم الدينية الخاصة وهي الممارسات التي ادت وبالتالي الى تعطيل عمل الحوزة العلمية في النجف والتي تعتبر مصدر القرار الروحي والشرعي وايضاً السياسي لدى الشيعة المتدينين.
* تيارات الاحتجاج الشيعية ودور الحوزة النجفية
ادى شعور الشيعة بالاضطهاد والتمييز الى بروز حركات الاحتجاج الشيعي المرتبطة بالحوزة العلمية في النجف ورجال الدين في المدن الشيعية الاخرى- كربلاء والكاظمية- والتي تطورت لاحقاً الى حركة الاسلام السياسي الشيعي والتي تجاوزت فيما بعد كونها حركة احتجاج ضد الاستلاب الطائفي الى بلورة مشروع اسلامي متكامل يطرح نفسه بديلاً للمشاريع العلمانية باتجاهاتها القومية والشيوعية والليبرالية.
وتشير المصادر الى جهود المجتهد النجفي البارز السيد محمد باقر الصدر في استنفار الحوزة العلمية وتوفير مواردها الهائلة لدعم اول حركة سياسية شيعية برزت في العراق وضعت استراتيجيتها وتكتيكاتها على اساس تحقيق الهدف النهائي، وهي تسلم السلطة واقامة حكم اسلامي. وعلى الرغم من ان بعض المصادر تؤشر الى ان ظهور حزب الدعوة الاسلامية في اواخر الخمسينات من القرن الماضي، جاء رداً حوزوياً على المخاوف من ازدياد المد الشيوعي واليساري في العراق اثر الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الكريم قاسم عام 1958. الا ان الحزب وبفضل الافكار التي صاغها الصدر تبوأ مركزاً متقدماً في العمل السياسي والتنظيمي الشيعي قبل ان يصاب بنكسات جدية بسبب حملات القمع والتصفية الجسدية التي طالته من السلطة والتي شملت الصدر نفسه، اضافة الى الاختيار الوطني والقومي الصعب الذي كان حزب شيعي عراقي ان يمر به امام الانتصار الكاسح للثورة الاسلامية في ايران مهما كانت طبيعته الشيعية.
وفي الوقت الذي ادت حملات التصفية الدموية الى اجتثاث معظم قواعد الحزب وهروب القواعد الاخرى وقياداته الى الخارج، فان التحدي الذي مثلت الثورة الايرانية وضع الحزب في ارتباك وتشوش واحياناً في خصومه ونزاع مع منطلقات الثورة الايرانية وغاياتها التي ما كان بامكان حركة عراقية ان تنوء بها حتى لو تجانست معها في خلفية مذهبية واحدة، ولعل النتيجة الطبيعة للاختيارات العسيرة التي مر بها الحزب وظروف التكيف مع اوضاع المنفى الايراني الذي وجد نفسه فيه، هو سلسلة الانشقاقات التي حدثت فيه خلال عقدي الثمانينات والتسعينات والتي يعود بعضها الى الخلافات حول مفاهيم ولاية الفقيه والشورى والدولة الاسلامية، وايضاً حول حدود العلاقات مع ايران الخمينية، وايضاً حول هوية واهداف الحزب كحركة عراقية والتي ادت الى شرذمة الحزب وضعف فاعليته.
ولم تسلم منظمة العمل الاسلامي التي اعتبرت ثاني اهم تنظيم سياسي شيعي يبرز في تلك الفترة من مصير مماثل بسبب السجالات الداخلية التي تمحورت ايضاً حول اطروحات الولاية والشورى والقيادة والمرجعية، وهي سجالات فقهية كشفت مثلما هو الامر مع حزب الدعوة عن نخبوية الحركة وضيق افقها وانعدام وجود برنامج سياسي واضح يمكن ان تقدمه امام اختبار شعبي حقيقي.
وفي واقع الحال، فان استمرار بقاء المنظمة على الرغم من الانشقاقات العديدة فيها، جاء استجابة لدوافع المنافسة التاريخية بين حوزتي النجف التي مثلها حزب الدعوة وحوزة كربلاء التي مثلتها المنظمة، وهي منافسة تشير الى التنوع ولربما الى الانقسام الذي يسم الحالة الشيعية العراقية في الاطار المرجعي الديني اكثر مما يشير الى الخلافات الفكرية حول المفاهيم الفقهية للخطاب الاسلامي الذي تتبناه الحركتان.
وشهد عام 1980، ولادة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق على يد السيد محمد باقر الحكيم بعد وقت قصير من فراره الى ايران. وتضافرت عوامل عديدة، منها الدعم الايراني الكبير، والتفاف باقي التنظيمات والشخصيات الشيعية العراقية حول الحكيم، اضافة الى ظروف الحرب الايرانية- العراقية لكي تمنح المجلس الفرصة لكي يتبوأ قيادة حركات الشيعة المعارضة لنظام صدام حسين والتي تدعمت لاحقاً عبر الدعم السياسي والمادي الذي حصل عليه المجلس من بعض الحكومات العربية وخاصة بعد حرب الخليج الاولى 1980، حيث فتحت الابواب امام الحكيم في كل من سوريا والسعودية والكويت، وقد سمح هذا الدعم والعلاقات التي نسجها المجلس وزعيمه الحكيم مع باقي اطراف المعارضة العراقية لنظام صدام ان يتصدر التمثيل الشيعي في العمل الذي سبق العدوان الامريكي على العراق من خلال سلسلة من الاتصالات والاجتماعات التنسيقية مع الطرف الامريكي والتي كشفت النقاب لاحقاً الكثير عن اجندة عمل المجلس واهدافه، ومناهج عمله وتكتيكاته السياسية في ضوء المبادئ العامة التي يتبناها.
واضافة الى هذه التنظيمات فقد ظهرت خارج العراق مجموعات اسلامية شيعية اصغر، مثل حركة المجاهدين العراقيين، وجمعية العلماء المجاهدين، وحركة جند الامام، والحركة الاسلامية في العراق.
* العدوان الامريكي ومواقف التنظيمات الشيعية
لقد اظهرت الفترة التي سبقت العدوان الامريكي على العراق والاستعداد له، اختلافات بين المجموعات الشيعية، بعضها جذري بشأن الموقف من الحرب العدوانية ذاتها. ففي الوقت الذي انخرط فيه المجلس وبعض الشخصيات الشيعية الدينية الفاعلة بنشاط في دعم فكرة الحرب والتنسيق مع الطرف الامريكي، امتنعت او ادانت اطراف اخرى مثل هذا التعاون، بينما اصدر البعض من مجتهدي الشيعة فتاوى اما بتحريم التعاون مع الامريكان او الحث على الامتناع عن تقديمه.
في نفس الوقت فقد اختار البعض مثل آية الله محمد صادق الشيرازي المرجع الروحي لمنظمة العمل الاسلامي موقفاً وسطاً تفادى فيه تأييد الحرب لكنه رأى ضرورة اغتنام الفرصة لانقاذ الشعب العراقي المؤمن المظلوم من المظالم، كما دعا الى ازاحة الطغاة وبناء عراق مستقل وموحد على اسس التعددية والمشورة والعدل والحرية.
اتاح انهيار نظام صدام حسين الفرصة للقادة وللتنظيمات الشيعية التي كانت في المنفى، العودة الى العراق، وكان بعضها مثل السيد عبد المجيد الخوئي نجل آية الله الخوئي الذي جرت في عهده انتفاضة الشيعة بعد حرب الخليج الثانية 1991، وقد عاد على عجل الى النجف مركز المرجعية الشيعية ورمز قوتها، حتى قبل سقوط صدام في بغداد، ما بدا صراعاً واضحاً للسيطرة على الشارع الشيعي الذي كان متوقعاً انطلاقه بقوة حال سقوط صدام.
واشر مقتل الخوئي الذي نقل سريعاً مع مجموعة صغيرة من اعوانه من مقره في لندن الى البحرين ثم الى النجف بواسطة القوات الامريكية الى حقائق جديدة في الوضع الشيعي الذي بدأ متهيئاً للتعامل مع افرازات سقوط نظام صدام بشكل مغاير تماماً للتصورات والحسابات التي وضعتها تنظيمات المنفى الشيعية وربما المخططون الامريكان.
فقد كشف مقتل الخوئي الذي القيت تبعاته على جماعة شيعية ناهضة (عرفت فيما بعد بالتيار الصدري) في الداخل، وهي جماعة تدين بولائها الى المرجع الشيعي محمد صادق الصدر الذي اتهمت اجهزة نظام صدام بقتله عام 1999، واتضاح مدى قوة تيار الصدر في معظم المدن الشيعية، اضافة الى الخلاف الذي حصل بين الخوئي وآية الله العظمى السيد علي السيستاني بشأن فتوى نسبها الاول للثاني حول تأييد قوات العدوان الامريكية.
ان الساحة الشيعية ومرجعيتها الفقهية وخارطتها السياسية، مرت بتغيرات جذرية جعلتها مختلفة تماماً عن تلك التي سادت في الفترة التي نشطت فيها الاحزاب القديمة.
* التنافس الشيعي- الشيعي
سرعان ما اتضح، ان هناك أربعة اتجاهات دينية سياسية تتنازع القيادة على الشارع الشيعي في العراق، كشفت لنا مجريات الواقع كيف تفاعلت مع الواقع الجديد وكيف استجابة لتحدياته.
الاتجاه الاول- هو الحوزة العلمية في النجف، أي قمة مؤسسة المرجعية الشيعية والتي يأتي على رأسها الآن السيستاني ومن ثم آيات الله محمد اسحق الفياض، وحسين بشير الافعاني (النجفي)، ومحمد سعيد الحكيم. وفي الوقت الذي تحوز هذه المرجعية على الاحترام والتقدير من معظم الشيعة العراقيين الا ان شكوكاً كثيرة يمكن ان تحيط بقدراتها على التعبئة السياسية لاسباب تتعلق اما باطروحاتها بشأن موضوع الولاية والدولة الاسلامية وابتعادها خلال السنوات الماضية عن أي نشاط تعبوي وتفرغها للدرس الديني وايضاً كونها عند الحكيم غير عربية عراقية.
الاتجاه الثاني- هو تيار الصدر الذي اثبت قدرة تعبوية هائلة منذ سقوط صدام تمثلت بالسيطرة على اكبر تجمع شيعي في العراق، وهو مدينة الثورة (لاحقاً مدينة صدام، بعد الاحتلال مدينة الصدر….) وهو حي عشوائي على حافات العاصمة بغداد الشرقية يقطنه اكثر من مليون شيعي؟؟! والذي حوله سكانه الى مدينة صدام لا حباً به بل تملقاً ورياءاً -ديدنهم مع كل سلطة- علماً انها بعد محافظة النجف باتساع التنظيمات البعثية، ثم سموها بعد الاحتلال باسم مدينة الصدر.
اضافة الى ذلك، فان التيار الصدري يقوده مقتدى الصدر ابن المرجع القتيل (الشهيد)، اثبت قدرة تعبوية ملحوظة في باقي المدن والاحياء الشعبية وانشاء مليشيات خاصة به (جيش المهدي) تدخلت في شؤون هي ابعد عنها كل البعد.
ليس لهذا التيار خبرة سياسية وتنظيمية لكنه يمتلك تراثاً فقهياً وفكراً شيعياً سياسياً غنياً خلفه له الصدر، اضافة الى تخندقه الواضح وراء عصبوية عراقية عروبية يواجه بها ايران والتنظيمات الوثيقة الصلة بها والمرجعيات ذات الاصول الايرانية، وكذلك ادعاءه عن جدارة بانه ناهض نظام صدام في الوقت الذي صمت فيه الآخرون او خاضوا جهادهم خارج العراق.
الاتجاه الثالث- يتمثل في الاحزاب والحركات المنظمة، مثل الدعوة بمختلف فصائله، ومنظمة العمل الإسلامي وباقي المجموعات الصغيرة وافراد عملوا في اطار هذه الجماعات قبل ان يتركوها ويعودوا للوطن.
هذه الحركات مثقلة بالجراح والانشقاقات والارتباطات التي انشأتها في بلاد المنافي، وتحاول الآن ان تنقلها معها الى واقع جديد مختلف تماماً عما عرفته، ونشط فيها اعضاؤها في السبعينات والثمانينيات. هذه المجموعات تواجه تحديات جمة تتمثل في كونها ستخرج من اطار السرية والعمل الدعوي في ظل العنف والعنف المضاد، وستمارس العمل السياسي العلني بآلياته الطبيعية لاول مرة مما يحتم عليها ضرورة التكيف مع الواقع كما هو على الارض وليس في اطار مفاهيم شيعية عامة او برامج وضعت لمواجهة تحديات فترة مختلفة.
لاول مرة، سيكون امام هذه الاحزاب فرصة لكي تثبت انها تستند الى قواعد جماهيرية حقيقية، وانها تقدم لهم حلولاً لمشاكلهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وليست مجرد حركات نخبوية وعظية او احتجاجية او تنظيمات طوباوية تهيم في عالم رمزي وطقوس بعيد عن الواقع الذي اثبتت فشلها الذريع في ادارة مجرياته بعد توليها السلطة واتخاذ جانب الطائفية في ادارة الحكم.
الاتجاه الرابع- هو الذي يمثله المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، والذي حاز على اهتمام اعلامي منذ نشأته لاسباب بعضها يعود لنفوذه الواسع وسط شيعة المنفى والذي اكتسبه من الدعم الكبير الذي قدمته ايران له وكذلك الالتفاف الكبير حول قيادة زعيمه محمد باقر الحكيم نظراً لماضيه وتاريخ عائلته وخاصة والده آية الله محسن الحكيم الذي تولى المرجعية في النجف قبل الخوئي، اضافة الى انخراطه النشيط في جهود المعارضة لاسقاط نظام صدام، ومنها المؤتمرات التي رعتها الولايات المتحدة قبل 9/نيسان.
وعلى الرغم من الاستقبال الذي حظي به الحكيم من انصاره في بعض المدن عند عودته الى العراق الا انه بالتاكيد لا يقارن بعودة الخميني التاريخية الى طهران والتي شرعت له الطريق لاحقاً لاعلان الجمهورية الاسلامية في ايران.
وكان الاستقبال والقدرة المحدودة التي اظهرها نشطاء المجلس في السيطرة على بعض المناطق، دليلاً على تواضع حجم الشعبية التي يتمتع بها مقارنة بالسمعة التي سبقته، مما يضع الحكيم والمجلس امام تحديات جمة لاثبات حقيقة ادعائه تمثيل الشيعة وكونه المتحدث باسمهم كما درج عليه في مؤتمرات المعارضة السابقة.
* وهن التيارات الشيعية
تعاني اغلب التيارات الشيعية العراقية من نقاط ضعف ووهن عديدة، اهمها هو ارتكازها على رموز دينية ذات انحدارات اجتماعية وطبقية نخبوية، وضعف هياكلها التنظيمية، مما يوحى بانها ليست حركات سياسية بقدر ما هي تجمعات نخبوية لمجموعة تلتف حول مرجع ديني وسياسي دون برنامج عمل سياسي مفصل وواضح. هذه نقطة الوهن الاولى.
نقطة الوهن الثانية، هي مشاركة اغلب هذه الحركات في نشاطات ومؤتمرات المعارضة التي رعتها الولايات المتحدة الامريكية لاسقاط صدام والتي استخدمتها كذريعة لشن الحرب والاحتلال قبل ان تتعرض علاقات الطرفين للاهتزاز بسبب نكاية الادارة الامريكية بالاحزاب الشيعية، وكأن الامر كان استخدام واشنطن لهذه الاحزاب كورقة توت شيعية للمشروع الامريكي في العراق.
نقطة الوهن هذه، ستتعمق مع اتساع الهوة المتوقع بين برنامج التغيير الذي تسعى الولايات المتحدة الى تنفيذه في العراق والذي اعلنت بوضوح استبعاده كخيار الدولة الاسلامية او أي طابع لاسلحة الدولة وبين اطروحات هذه الاحزاب.
نقطة الوهن الثالثة، هي موقف هذه الاحزاب من مبدأ ولاية الفقيه والتزاماتها بما يمكن تسميته بنمط عراقي من مشروع الاسلام السياسي الايراني القائم على مبدأ ولاية الفقيه.
ولا تخفي هذه الاحزاب رؤيتها لمفهوم الولاية التي يتولاها المرجع والتي تتضمن اضافة الى تشخيص معالم العقيدة الاسلامية بجميع تفاصيلها الاخلاقية والاجتماعية والتقوى والفتوى وبيان تفاصيل الاحكام الالهية والمواقف الشرعية مسؤولية ادارة شؤون المسلمين او ولاية امورهم في اقامة الدولة الاسلامية واقامة الحكم الاسلامي وقيادة عملية التغيير في المجتمع الاسلامي. وعلى الرغم من ان هذه الاحزاب حاولت في مواقفها طمأنة المعارضين من التيارات الاخرى لهذا النهج من خلال دعوتها الى الرجوع الى ارادة الشعب العراقي في الادارة ونظام الحكم والمشاركة الشعبية الدستورية في القرار السياسي والاجتماعي وتشكيل الحكومة الوطنية التمثيلية وتأكيدها على اقامة المجتمع الذي يلتزم بوجود المؤسسات السياسية الحرة والمتعددة، والصحافة الواعية والقضاء العادل من خلال دستور يقره الشعب ونظام يقوم على اساس التعددية السياسية والانتخابات الحرة.
ونقطة الوهن الرابعة، هي علاقة بعض هذه الحركات والاحزاب مع المرجعية الدينية في النجف، وخاصة مرجعية السيستاني والتي تحظى باحترام وولاء وتقليد الاغلبية من القبائل الشيعية في جنوب ووسط العراق والتي أي تعارض بين ارائها وممارسات الاحزاب الشيعية سيكون تكريساً لازدواجية القيادة ومصدر توتر وخلاف قد ينعكس على الوضع الشيعي بشكل عام.
لقد اختار السيستاني طيلة حياته في النجف التي انتقل اليها في اوائل الخمسينيات، منهج استاذه الخوئي في الابتعاد عن الانخراط في العمل السياسي كما انه انتهج منهجاً فقهياً بشأن مبدأ ولاية الفقيه منهجاً وسطياً رفض فيه الولاية المطلقة للفقيه التي قال بها الخميني واستنبط مبدأ الولاية التنفيذية التي تنحصر باعمال الفتوى الشرعية، مبنية على الادراك العقلي وليس النقلي، وفي الاطار التنفيذي وليس التشريعي، وكل هذه افكار تتعارض مع الاطروحات القائمة في قيادة الدولة الاسلامية في ايران التي ارتبط بها قيادات بعض هذه الاحزاب والحركات لسنوات طويلة.
هناك ما يشير الى صفقات توصل اليها بعض القيادات الشيعية المتقدمة مع المرجعية السيستانية قبل دخولها الى العراق بعد احتلاله، وهي تقوم على اقرار هذه القيادات بمرجعية السيستاني الدينية في الوقت الذي ستترك فيه هذه المرجعية للقيادات الجديدة المرجعية السيستانية، وهو ما يشير اليه بيان اصدره مكتب السيستاني في لندن يوم 14/ ايار، ذكر ان: بعض القيادات الشيعية المعروفة امضت اكثر من (كذا) سنة في الجهاد والنضال، مما اكسبها خبرة سياسية ممتازة. واليوم وبعد ان منَّ الله على الشعب العراقي بزوال نظام الجور والطغيان والاستبداد اصبحت الحاجة ضرورية وملحة لوجود هذه القيادات لتقوم بواجبها الشرعي تجاه وطنها وشعبها.
وقد تابعت شخصياً احاديث هذه القيادات وخطاباتها، فوجدتها ملتزمة بخط القيادة النائبة الحقة في عصر الغيبة الكبرى. غير ان هذه العلاقة ستحتاج لفترة اختبار لمعرفة مدى قدراتها على بلورة مواقف مشتركة في ظل ظروف معقدة بالنسبة للمرجعية الشيعية ذاتها، والوضع الجديد في العراق، والمنافسة مع المرجعية الاخرى في قم الايرانية.
نقطة الوهن الخامسة، هي علاقة هذه القيادات بايران والتي اقامتها خلال سني تواجدها هناك. من المؤكد ان واحدة من نتائج الحرب الامريكية على العراق هي التأثيرات والضغوط التي سيخلفها الوضع العراقي الجديد على نظام الجمهورية الاسلامية في ايران، اضافة الى انتقال مركز الثقل الى مناطق الشيعة في العراق سيجعل الحالة الشيعية الجديدة عاملاً جيوبوليتيكياً حاسماً ليس في تقرير مستقبل العراق بل المنطقة. ولهذا السبب فان الانظار تركزت منذئذ على طبيعة العلاقة بين الحركات والاحزاب الشيعية العراقية وايران وقدرة النفوذ الايراني للتسلل الى السياسة العراقية الجديدة.
لقد اظهرت كافة التيارات والحركات والاحزاب الشيعية العراقية خلال المرحلة الماضية والراهنة، رؤية- عند بعضها- وطنية عراقية على رغم الضغوط التي تعرضت لها في المنفى الايراني. وكان احد الاسباب وراء ذلك هو اكتشافهم المبكر، هو ان المشروع الخميني لم يكن يخفي ابداً التوجهات الفارسية للدولة الايرانية ومصالحها القومية.
لقد اختبر قادة التنظيمات الشيعية العراقية ومنتسبيها خلال تعاملهم مع النظام الايراني، ان وراء ايديولوجية الجمهورية الاسلامية ومبدأ ولاية الفقيه كان يقبع دائماً اسلام ايراني ذو نظرة وطنية، حتى انه تمادى احياناً في التركيز على الخصوصية والمصالح الوطنية، مما سيثير حذر الحركات الشيعية العراقية في سلوكياتها وممارستها بعد عودتها خشية وتحسباً من اتهامها بالتبعية لايران.
ان التركيز على حركات الاسلام السياسي الشيعية لا ينبغي ان يطمس باي حال حقيقة جوهرية واساسية، وهي ان اغلبية شيعة العراق لا تنتمي الى هذه التيارات، وانها شأنها شأن أي طائفة دينية تتمسك بولائها الوطني وهويتها الثقافية في آن واحد، كما تتوزع انتماءاتها السياسية على تيارات اساسية بين قومية عربية ويسارية ولبرالية. ولذلك فان الصور التي بثتها الفضائيات التلفزيونية او نشرتها الصحف والمجلات عن مواكب العزاء في الاضرحة الشيعية والطقوس المصاحبة لها والتي عادوا لممارستها بعد انهيار النظام البعثي قد تعطي فكرة عن قدرة حركات الاسلام الشيعي على التعبئة، الا انها بالتأكيد لا تعطي الصورة الواضحة والحقيقية عن شيعة العراق بمختلف الطيف العشائري والسياسي والاجتماعي الذي يمثلوه وبالتأكيد ليس عن الطموحات والاهداف السياسية التي يرومون تحقيقها.
* شيعة الاحتلال الامريكي.. شيعة الراهن/ الآتي العراقي
ان اكثر الباحثين اليوم وبخاصة الاجانب يخلطون من التشيع في ايران والتشيع في العراق، ولهذا فهم يجهلون الفوارق المهمة والاساسية ما بين الاثنين ولا سيما الفوارق في المواقف الوطنية والعروبية والدينية….
انني اعتقد ان ثمة اسباباً اعمق واشد تغلغلاً وراء انعدام الاهتمام او التحليلات البحثية بهذا الامر… كما اني اعتقد في ان التفسير لانعدام الاهتمام هذا يكمن في الاسلوب الذي ينظر به المختصون ولا سيما في الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص الى الطائفة الشيعية.
فبعض المختصين لم يكونوا الوحيدين الذين وقعوا تحت تأثير الصورة التي عكستها وسائل الاعلام عن الشيعة بل ان غالبية الباحثين الاجانب المهتمين بدراسات المنطقة العربية ليس لهم عن الشيعة من المعرفة الميدانية على الارض الا النزر اليسير، كما ان قلة قليلة منهم المنحدرين من اصول عربية ينتمون الى خلفيات شيعية.
علاوة على ذلك، فان كل المختصين الاميركان الذين تستدعيهم وسائل الاعلام للكلام والكتابة عن الوضع في العراق لم يقوموا بزيارته بعد الحرب العدوانية 2003، بل ان الكثير منهم لم يزره منذ عقود، ولم ير العراق على الاطلاق، فجميع هؤلاء الباحثين اليوم انما يتحدثون ويكتبون عن عراق لم يعد له وجود. لذلك، فان الواقع يحتم اعادة تمحيص كثير من المقولات التي يطيب ترديدها عن الشرق الاوسط العربي والاسلامي. فعلى مدى عقود كان المجتمع الاكاديمي الاجنبي الغربي/ الامريكي منشغلاً بالصراع العربي- الاسرائيلي، بحيث صار أي موضوع تقريباً او صراع يقع في هذه المنطقة ينظر اليه على انه من تبعات هذا الصراع او اعراضه.
هذا المجتمع الاكاديمي كان ينظر الى مشاكل المنطقة على انها في الاساس من نتاج الوجود الاسرائيلي والدعم الامريكي لاسرائيل، وافراد هذا المجتمع دأبوا على اغفال الاعراض الكثيرة التي كانت تشير الى وجود مشكلة اوسع واعمق من تلك بكثير، المشكلة التي اطلق عليها مستعرب وزارة الخارجية الامريكية الراحل هيوم حوران وصف (الزاد التاريخي للعرب) وهو وصف قصد به نزوع العرب للعيش في الماضي، في اساطير التاريخ، وعجزهم عن مواجهة المشاكل النابعة من دواخلهم لا المتأتية كنتيجة للاستعمار والامبريالية والصهيونية…..
من العقائد التي اهتم بها الباحثون الاجانب بشكل خاص هي القومية العربية او انصار التيار القومي. والنقطة المهمة هنا هي ان حركة انصار التيار القومي تكاد تكون حركة سنية بالكامل يتناثر فيها هنا وهناك بعض الشيعة ذوي الاصول العربية العريقة والمسيحيين الذين رأوا في القومية العربية بديلاً عن الحركات الاسلامية المتخلفة لكونها كانت دائماً وثيقة الارتباط باهل النخبة في الوطن العربي.
اما المستعربون الجدد الذين نشأوا اكايمياً في عالم ما بعد الحداثة فلم يعبأوا كثيراً بتلك الجماعات العرقية التي لم تقدر على مواءمة نفسها مع صور الوطن العربي التي شادوها في اذهانهم.
ومن هذا المنطلق لم تثمر للمفكرين في الوطن العربي حفيظة ازاء استخدام صدام حسين اسلحته المحرمة ضد الاكراد (المتمردين) او ارتكابه المجازر المنظمة بحق الشيعة (الغوغاء)، بينما اشتدت نقمتهم وسخطهم على الهجوم الاميركي الذي استهدف الفلوجة (المقاومة) تلك العملية التي قوبلت بالارتياح لدى غالبية الطائفة الشيعية التي رأت انها عملية جاءت متأخرة اكثر مما ينبغي.
ان الصورة الشائعة عن الشيعة تظهرهم في صورة التعصب والانخراط في طقوس دينية دموية، صورة شريحة (طبقة) اجتماعية غامضة ومتخلفة… هذا التطور وعدم الاكتراث بحق الشيعة، افصحا عن نفسيهما بشكل خاص في العراق. فالتاريخ الذي كتبه الاجانب عن العراق، كان تاريخ اغلبه غير موضوعي، وهو اليوم لا يزال كذلك. فعلى سبيل المثال، ان اغلب العراقيين الذي يستخدمهم الصحفيون الاجانب العاملون في العراق كمترجمين ومساعدين لهم من الشيعة. بل ان العديد منهم كان يعمل مع النظام البعثي، والسبب في هذا بسيط غاية البساطة. ففي عهد صدام لم يكن بمقدور سوى قلة من السنّة ان تمارس العمل في حقل الصحافة والثقافة، ومن الامور المعروفة للجميع ان المركز الصحفي والاعلامي في وزارة الاعلام كان مجرد غطاء ظاهري لجهاز المخابرات والمجموعة الصغيرة من الصحفيين كانت مكونة من الشيعة البعثيين ممن يعتبرهم النظام موثوقين. ومعظم الاشخاص الذين قدموا المساعدة للصحفيين الاجانب بعد العدوان الامريكي كانوا في الواقع من الشيعة وربما كانوا بالاضافة الى ذلك منحدرين من عوائل بعثية.
هؤلاء المترجمين والمرافقين كما يقر أي شخص نزيه وصادق وموضوعي ليسوا مجرد آلات لمعالجة الكلمات.. فهم يقودون الصحفيين والباحثين ويوجهونهم في اتجاهات معينة دون غيرها ويأخذونهم لمقابلة اشخاص بعينهم ينتقونهم لهم، لذلك هم يؤثرون جذرياً فيما يسمعه الصحفي والباحث، هؤلاء المترجمين والمرافقين يمثلون المرشحات (الفلترات) التي يسمع الصحفي والباحث بالعراق من خلالها ويراه. وقد غدا هذا الوضع اشد وضوحاً (2006، 2007، 2008، ..) بعد ان صار من الخطورة بمكان على المراسلين الاجانب والباحثين ان يتجولوا في المناطق السنية، فهم يعرضون انفسهم الى مجازفة كبيرة، وبذلك يجعلهم يعتمدون الى درجة لا تصدق على المنسقين والمترجمين…. فهؤلاء اكثر من مجرد مترجم او مرافق لانهم لم يكونوا يحيون في فراغ معزول طيلة اعوام الحكم البعثي، انهم من نتاج ثقافته شأنهم شأن الاشخاص الذين ييسرون للاجنبي مقابلة من هو على هواهم، ودرجة الخطورة التي يتعرض لها العراقيون ممن يعملون في مجال الصحافة من ذوي الخلفيات الشيعية والذين يعدون تقاريرهم وابحاثهم من داخل المناطق السنية لا تقل كثيراً عما يتعرض له الاجانب. لان العراقيين قادرون على تحديد القرية والمدينة التي ينتمي اليها الشخص المقابل في ظرف دقائق معتمدين على اسمه ولهجته.
ان الكثير من الباحثين يعجز عن فهم الطائفة الشيعية وتقاليدها وامانيها، فعلى السطح تلوح المعادلة المكررة التي تبسط الامور على نحو غير سليم وتربط شيعة العراق بايران او بالشكل الايراني من التشيع المسمى ولاية الفقيه، أي حكم السلطة الدينية، في حين ان الحقيقة نقيض ذلك تماماً. فقبور العديد من أئمة الشيعة في العراق، ووجود الحوزة الدينية الشيعية العراقية في النجف وكربلاء كفيلة كلها باضعاف مكانة مدينة قم الايرانية كمركز للفقه الشيعي، وزيارة المراقد المقدسة. بل ان الدولة الشيعية التي قد تنهض مستقبلاً في العراق، ستكون منافسة لايران من الناحيتين السياسية والدينية، وعلى المسرح السياسي العالمي ايضاً موقف عداء معلن من الشيعة. وقد كان الرئيس الفرنسي ساركوزي دون غيره من نسب اليه قوله- انه قادر على التعامل مع السنّة ولكنه غير مستعد للتعامل مع الشيعة، واستقباله الفخم للملك عبد الله عاهل السعودية، وهي الدولة التي تتخذ موقفاً اقل ما يوصف به هو البرود تجاه الحكومة العراقية الشيعية يعبر تعبيراً سافراً عن مشاعر العداء تلك.
اما الملك عبد الله العاهل الاردني، فقد لفت الانظار هو الاخر الى جدية الخطر الذي يمثله الهلال الشيعي الذي سيمتد من ايران الى لبنان. وقد اعاد الملك فيما بعد صياغة مقولته تلك بعبارات اكثر دبلوماسية ولكن الجميع فهم ما يقصده تماماً من خلال فهمهم للغة الرمزية المستخدمة في الشرق الاوسط. ففي عموم الوطن العربي وفي منطقة المشرق العربي السني على وجه الخصوص هنالك احتقار وربما شيء من التحسب والخوف من حكومة العراق الشيعية. وهذا الموقف يستند الى حد بعيد على التصور الملموس بان العراق بحكومته الشيعية ادار ظهره للعرب مهما صرحت بالخطابات المنمقة التي لا بد من طرحها حول تبني القضايا العربية تعد ضعيفة ولا تشير الى أي جدية نحوها من قبل هذه الحكومة وشيعتها.
* الشيعة وتولي السلطة
بعد ثورة العشرين، انسحب شيعة العراق وانزوا مكتفين بممارسة طقوسهم الدينية المعتادة بهدوء وصمت متجنبين السياسة، متقيدين بتقليدهم القديم المعروف بـ(التقية)، أي اخفاء المرء لواقع مشاعره الدينية من اجل ان يسلم ويعيش.
ان الشيعة لم يعهدوا الامساك بزمام السلطة، لانه لم يقدر له يوماً ان كان في ايديهم. والفرد الذي لا يتمكن من النجاة والعيش في المجتمع الا اذا التزم بالحياة في الظل وتفادى لفت الانتباه الى نفسه لا يمكن ان يهب هكذا ببساطة ليتناول مقود السلطة ويأخذ شؤونه بين يديه. لهذا ترى انه حتى في المناطق التي يقطنها خليط من الشيعة والسنّة يميل الشيعة الى التراجع تاركين الساحة للسنّة.
مجمل القول، ان هنالك ثقافة سائدة بين الشيعة سمتها الخضوع والاذعان حتى عندما تكون مقاليد السلطة في متناول ايديهم. ولنأخذ السيستاني، وهو رجل الدين الذي يحظى بأكبر عدد من الاتباع على الاطلاق في العراق، فقد حرص السيستاني بشكل ثابت على تجنب الظهور على مسرح السياسة، ومثل ذلك كان فعل معظم رجال الدين الشيعة الاخرين الذين آثروا قلة الظهور علناً باستثناء مقتدى الصدر الذي تقلص عدد انصاره بشكل كبير.
ولكن المفارقة المؤسفة في الامر ان الشيعة بعد كل هذا كانوا هم من قاطع الانتخابات التي جرت تحت ظل الحكم البريطاني، ثم دفعوا ثمن تلك المقاطعة تهميشاً وحرماناً من حقوقهم. ولكن هذه الحال آخذة في التغيير وبعض السبب في هذا التغيير هو كثرة اعداد الشيعة الذين عملوا ويعملون مع قوات التحالف او مع الحكومة العراقية الجديدة، وطبقة النخبة من الشيعة اصبحت اكثر ألفة في التعامل مع ادوات السلطة ومؤسساتها وتوليهم التدريجي مستمر لمؤسسات الحكومة ومفاصلها.
الرأي الذي تراه الطبقة المثقفة من الشيعة في العراق هو ان الحكومة العراقية الجديدة متى ما ثبتت قدمها في السلطة، فان الطائفة السنية وخصوصاً طبقة التجار منهم ستميل لاظهار موقف اكثر تعاوناً حين تعرض الحقيقة نفسها عليهم ويرون ان العراق الجديد المختلف كلياً عن ذلك، العراق الذي عهدوه يبدو امراً واقعاً لا مناص منه.
معظم مثقفي الشيعة يستبعدون فكرة قيام حرب طائفية شاملة كنتيجة للعنف السني الموجه ضدهم على الرغم من الاستقطاب الحاصل بين الطائفتين السنية والشيعية. وهم لا ينفكون يشيرون الى شيوع ظاهرة القصاص المتبادل بين الطائفتين والى وجود فروع شيعية في جميع العشائر الرئيسية، وشيوع المشاعر الوطنية العراقية القوية كلتا الطائفتين الكفيلة بمنع وقوع صراع على النمط اللبناني.
لكن الشيء الواضح تماماً على ارض الواقع، ان الهدف الرئيسي الذي تسعى اليه الحكومة الشيعية يتمثل في اقصاء السنة تماماً في كل مفاصلها المؤسساتية، وهذا الحاصل بالفعل، معلقة آمالها على الدعم الامريكي لها ومساندة ايران ولشيعتها تحسباً من رص العرب صفوفهم منضمين الى دعم السنة العرب في العراق.
وأياً يكن الحال، فان ليست ثمة شك في ان التوجه الذي يتبناه السنّة هو بقاءهم منضبطين كابحين لعواطفهم، ممتنعين عن الرد الانتقامي الواسع النطاق على الفظائع التي يرتكبها الشيعة داخل الحكومة وخارجها بحقهم.
وهناك رأي يلقي صدى قوياً بين اوساط السنّة، بأنهم سوف يبقون يشعرون بعدم الارتياح ازاء الحقيقة المتمثلة في ان الشيعة هم من سيحكم العراق في النتيجة بصورة او باخرى. وان محاولات الشيعة مستمرة لتهدئة السنة ومنحهم قدراً من النفوذ يفوق كثيراً استحقاقها، سوف يزيد من تجرؤها على المضي في تحشيد ابناءها وتهيئتهم للقادم من الايام اذا استمر تعامل الحكومة معهم بهذا الشكل التعسفي.
وتشير حقائق الواقع الملموس الى وجود احساس سني مستاء مما يرى فيه نفوذاً ايرانياً باشراف اميركي تتم ممارسته على الحكومة في انسجام وتناغم مع المركزية الشيعية، ومن ضمن هذا ما ورد من ملاحظات على لسان المسؤولين الاميركان خلال الاعوام (2007، 2008) فسرت على انها دفاع عن وزارتي الدفاع والداخلية اللتين يهيمن عليهما الشيعة.
* الخلاصة
اننا اليوم نتعامل مع شرق اوسط جديد وهو ليس الشرق الاوسط الذي بناه انصار القومية العربية في عقولهم واعانهم في بنائه من تجارب معهم من الاكاديميين الاجانب.
القومية العربية فكر اصبح الان شبه ميت، عفا عليه الزمن، ولكن ارثه مثله مثل الماركسية سوف يبقى حياً بين اوساط الاكاديميين ملحقاً الخراب والاذى بالثقافة العلمية الشرق اوسطية وكثير من المقولات والمبادئ الرابحة البالية التي يرفعها العروبيون الجدد ما بعد الحداثة تتطلب مراجعة قاسية واعادة نظر. وما من مكان يصدق عليه هذا القول بشكل اشد الحاحاً وحراجة من العراق، والبداية لا بد ان تكون باعادة تقييم تأثير شيعة العراق على البيئة السياسية الشرق اوسطية.
ان من سيحسم مستقبل شيعة العراق ودورهم هم الاكثرية منهم وخاصة نخبتها من الطبقى الوسطى المتنورة التي ستكسر اطواق الصمت والتحفظ والخدر التي ضربت حولها، ومن المؤكد ان صوتها سيكون عاملاً مؤثراً بل مرجحاً لتحقيق اجماع بين الجماعات الدينية والقبلية حول اهداف وتطلعات الشيعة، فرصة ممارسة دورها السياسي نسبة لتعدادها السكاني في عراق موحد يحفظ للجماعات الدينية والمذهبية والقومية دورها وحقوقها دون تمييز.
وفي التحليل النهائي، فان التغيير الناتج عن سقوط صدام لا بد وان يوفر فرصاً جديدة وكبيرة لشيعة العراق لترسيخ موقعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي على خارطة العراق بعد تهميش طال عقود طويلة، ولعل اهم فرصة اصبحت في يد الشيعة اليوم، هي انه اصبح بامكانهم لاول مرة في تاريخ الدولة العراقية الحديثة ان يمارسوا دورهم (كأغلبية…؟؟!) عددية وسياسية بامكانها ان تقوم بدور فعلي في الحكم والسلطة كأكثرية وليس مجرد مجموعة سكانية مهمشة ومهيمناً عليها كما تدعي.
لكن الوضع الجديد يخلق ايضاً تحديات امام الشيعة سيبرهن الزمن واداؤهم السياسي اذا ما كانوا قادرين على تجاوزها. هناك عدة مستويات من التحديات… منها ما يتعلق بالفكر السياسي الشيعي الذي سيحتاج الان الى ان يدخل مناطق اخرى من التجريب خارج الاطار المذهبي الذي قصر نفسه على قوانينه الداخلية لحد الان، وان يكتشف مجاهيل اغلقت امامه بسبب طبيعة التحدي الذي سيواجه في اطار بلد تعددي والحاجة الى المواءمة بين فكر تقليدي وبين قوانين العصر وضرورات التحديث.
امام الحركات والاحزاب الشيعية السياسية في العراق اليوم تحد آخر يتعلق بالافكار المتعلقة بطبيعة الدولة والبرامج التي سيطرقونها، وهل سيبدأون من حيث انتهت اليه تجارب المشروع السياسي الاسلامي وخاصة في ايران، ام انهم سيصرون على خوض تجربتهم الذاتية دون أي اعتبار الى حقيقة ان مشروع الدولة الاسلامية استنفذ امكانياته وفرصه، ولم يعد هناك مجال آخر للتجريب وحتى لو ابتعد المشروع السياسي الشيعي عن هدف اقامة دولة اسلامية تحت هيمنة رجال الدين، فان خصوصية التعددية الدينية والمذهبية والاثنية والسياسية في العراق ستفرض تحدياً آخر بشأن محاولات اسلمة المجتمع دون ادراك بان هذه الخصوصية تجعل من الحاجة الى التميز بين كون الدين والسياسة حقلين مختلفين هي اكثر الحاحاً في عراق المستقبل ذي الحاجة الى التعددية والعدالة والانفتاح والقبول بالاخر المختلف مذهبياً.
ويبرز البعد والتأثير الايراني كتحد جيوبوليتكي خطير بسبب الانعكاسات المتوقعة له على المنطقة، اضافة الى البعد الامني في فترة الاحتلال الامريكي مما يتطلب اكبر حرص ودقة في التعامل معه خلال العقود القادمة.
مثلَّ هذا هذا البعد تحدياً دائماً بسبب الروابط المذهبية التي تجمع بين شيعتي البلدين في الوقت الذي يبعد بينهما الانتماء القومي الفارسي والعربي والالتزامات الوطنية على المستوى المذهبي، فان من المتوقع استمرار العلاقات الجيدة بين شيعة البلدين وربما تعزيزها بسبب اعادة احياء دور الحوزة العلمية في النجف، لكن على المستوى السياسي سيبرز عاملان مهمان هما اولاً- حاجة شيعة العراق للموازنة الدقيقة بين تلك العلاقة وبين رؤيتهم المستقبلية للعلاقة مع المحيط العربي سواء داخل العراق او في الاقليم المجاور، وثانياً- الدور الذي تتطلع ايران لكي تلعبه داخل العراق والضغوط التي ستمارسها لاسبابها الخاصة. ملامح هذا التحدي ستبرز في وجود الحزب الايراني غير المرئي وكيفية تعامل الشيعة معه.
وعلى الرغم من ان الهم الرئيس لشيعة العراق سيبقى تعزيز قوتهم السياسية الداخلية لكي تتماثل مع قوتهم العددية الا ان هويتهم العربية ستضع على كاهلهم مهمة ترسيخ هذه الهوية التي ستبقى تتأرجح بين انتمائهم القومي والمذهبي من جهة وتدعيم روابطهم بالشيعة العرب في البلدان المجاورة من جهة ثانية.
ويشكل هذا تحدياً جوهرياً نظراً للثقل الذي سيمثله شيعة العراق الجدد في المنطقة، وبسبب حالة التهميش التي تعاني منها الطوائف الشيعية في معظم هذه البلدان، مما سيخلق حالة من اليقظة الشيعية في منطقة ملتهبة تعاني اساساً من اشكاليات في الهوية وحساسيات دينية وطائفية واوضاع سياسية هشة. لهذا التحدي جانب آخر يتعلق بقدرة الانظمة العربية وخاصة في البلدان المجاورة للعراق، وهي غالبيتها سنية على قبول سيطرة شيعية على مقدرات العراق وكيفية تعاملها مع هذا التغيير النوعي في المعادلة التي كانت سائدة حتى قبل سقوط نظام صدام من الناحية النظرية.
ان نظاماً تقوده قيادة شيعية معتدلة او علمانية سيكون اكثر قبولاً من الانظمة العربية، لانه سوف لن ينزع للمغامرة، وسيكون مثبتاً للاستقرار في المنطقة لكي تبقى الخشية من ان نظاماً كهذا يأتي عبر صناديق الاقتراع سيكون مثالاً معلقاً للقوة التي تمثلها العملية الديمقراطية المعدية بطبيعتها.
التحدي الاكبر امام شيعة العراق سيكون بروزهم كتفاعل موحد وتأكيد ذاتهم كقوة سياسية وعددية تجمع تياراتهم الدينية المختلفة واحزابهم السياسية وعلمانيتهم وجموعهم المستقلة في موقف موحد يأخذ تبايناتهم بنظر الاعتبار لكنه يوحدهم امام مهمة بروزهم كقوة سياسية تمثل الاغلبية وتأخذ نصيبها العادل من الحكم والثروة في العراق الجديد.
تجربة المنفى والاحتكاك وخاصة في الدول الغربية اثبتت قدرة الاسلاميين والعلمانيين الشيعة على الحوار والانسجام والتواصل الى مساحات اتفاق مشتركة، ومن المحتمل ان تنتقل هذه التجربة الى الداخل من خلال التربية والثقافة الجديدة.
في هذا الاطار ستبرز الحاجة لكي يكون مبدأ المواطنة هو الحل الامثل ليس للاشكالية الشيعية الداخلية بل لحل مجمل معضلة الحكم في العراق الجديد وبقائه موحداً وبهدف قيامه كدولة قومية حديثة.
هناك بالتأكيد مؤشرات على تزايد قوة الشيعة وتناميها ولكن لا يوجد هناك سواء في الادبيات الشيعية او في مواقف قياداتهم او في المشاعر الشعبية من الدلائل التي قد تشير لاية نزعة انفصالية او جغرافية او ثقافية، بل على العكس من ذلك هناك ما يشير الى وجود نزعة قوية لديهم بانهم هم العراق.
من المؤكد ان المرحلة القادمة ستشهد تنامياً في التعبير عن الهوية الشيعية بعيداً عن الاستحياء السابق الذي كان يربط ذلك بمخاوف الاتهام بالطائفية، لان ذلك سيكون الوسيلة الوحيدة للتعبير عن المطالبة بالدور السياسي المساوي للاغلبية العددية التي يتمتعون بها غير ان ذلك لن يكون على حساب الهوية الوطنية.
يثبت تاريخ الدولة العراقية الحديثة، ان الشيعة خسروا كل معاركهم السابقة في تأكيد قوتهم كأغلبية واحقيتهم بدور سياسي مكافيء لذلك وسيثبت المستقبل ما اذا كانوا اصبحوا الآن اقرب لتحقيق ذلك ام ان التاريخ سيعيد نفسه للاسباب ذاتها التي حرمتهم منها في بداية القرن الماضي او لاسباب اخرى.
* المراجع
1- صلاح النصراوي- مستقبل الشيعة في العراق ما بعد صدام، مجلة السياسة الدولية (القاهرة)، العدد 153 (تموز/ 2003).
2- نورفيل دي آنكين- المركزية السنية والهامشية الشيعية، جريدة الصباح (بغداد)، الاحد 2/ت1/2005، الاثنين 3/ت1/2005، الثلاثاء 4/ت1/2005.
3- هاينس هالم- الشيعة، ترجمة- محمود كبيبو، ط1، دار الوراق، لندن/بغداد، 2011.
4- وميض جمال نظمي- شيعة العراق وقضية القومية العربية: الدور التاريخي قبيل الاستقلال، مجلة المستقبل العربي (بيروت)، العدد 42 و 43 و 44 (اب، ايلول، ت1/ 1982)
– مراجع استعنا بها اعتمدناها للمراجعة والتوكيد والاستقراء لما ورد في دراستنا
1- احمد الكاتب- تطور الفكر السياسي الشيعي، من الشورى الى ولاية الفقيه، ط2، دار الجديد، بيروت، 1998.
2- اسحق النقاش- شيعة العراق، ترجمة- عبد الاله النعيمي، ط2، دار المدى، بغداد/ دمشق، 2003.
3- حسن العلوي- الشيعة والدولة القومية في العراق 1914- 1990، ط؟ ، دار الثقافة للطباعة والنشر، قم (ايران)، س؟
4- عبد الكريم الازري- مشكلة الحكم في العراق من فيصل الاول الى صدام، ط؟ ، و؟ ، م؟ ، س؟
5- عبد الله النفيسي- دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث، ط1 ، دار النهار للنشر، بيروت، 1973
6- غسان العطية- العراق، نشأة الدولة، ترجمة- عطا عبد الوهاب، ط1 ، دار اللام، لندن، 1988
7- فالح عبد الجبار- العمامة والافندي، سوسيولوجيا خطاب وحركات الاحتجاج الديني، ترجمة- امجد حسين، ط1، دار الجمل، بيروت/ بغداد، 2010.
8- فوزي هادي حمزة- السياسة البريطانية في العراق وتهميش الشيعة العرب، ط1، مؤسسة مصر للكتاب العراقي، بغداد، 2010.
9- فاضل الربيعي- ما بعد الاستشراق، الغزو الامريكي للعراق وعودة الكولونيات البيضاء،ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2007.