المواطن العراقي يبدي قلقه وانزعاجه من تلاحق الاحداث والاخطار التي تسود بلاده، وقد اعتاد هذا المواطن ان يستمع الى بيانات وتصريحات واقوال تصدر عن كبار المسؤولين وصغارهم، ومن اجهزة الاعلام المسموعة والمرئية والمقروءة وما تجود به اقلام المناسبات المعروضة للايجار، وذلك عقب كل كارثة او مصيبة تلحق بحاضر متأرجح ومستقبل عراقي مجهول، مدعية بأن سبب تخلف هذا المجتمع وضعفه ووهنه وتلاحق كوارثه وتردي اوضاعه الداخلية وتفاوت قدراته المالية والمعيشية وتداعي مكانته الخارجية وتمزقه وتفككه… بأن اسباب كل ذلك وكل ما حصل وما سوف يحصل وهو كثير وكبير وخطير يأتي بفعل الطائفية ونزعة الثأر التي تولدت عنها والعشائرية.. الى آخر قائمة هذه السلسلة من المحاذير والاسباب والحجج الواهية… وكان الاوصياء من المسؤولين لم يكن لهم دور مباشر ولا حتى غير مباشر في ما يعانيه المجتمع العراقي من متاعب ومآسٍ بسبب الانقسام القائم بين الحاكم والمحكوم في دنيا الوطنية والمواطنة والانتماء العروبي والاسلام الحق الصحيح.. وبسبب استمرار قبول هذا المجتمع بأن يكون لعبة سهلة في ايدي حكومة غريبة عنه بانتماءاتها المذهبية وانحداراتها الاجتماعية ومستوياتها الطبقية… ولأن هذا المجتمع كذلك بدون وعي او ارادة، لا يعرف ما يريد وبالتالي ينقاد الى عواطفه اكثر من عقوله ويصدق ما يقول له ويتجاهل نصائح الموجه المتونر…
ومن نتائج البيانات المغلوطة والهروب المتكرر لقادة هذا المجتمع، تجاهل اهمية وقيمة اللجوء الى مبدأ المكاشفة والمصارحة والمحاسبة مع المعارضة بكل مسمياتها للوصول الى الطريق الصحيح والاسلوب الاصح في تفادي الاخطاء او تصحيحها، فقد اصبح الغدر سهلاً ومقبولاً والمبرر جاهزاً للاذاعة والنشر في كل وقت، ولا جدال فيه، ولكن الحل او التفكير في الحل او قطع خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح والسليم هو المحذور والممنوع وغير الضروري كما يتصوره البعض من ساسة الحكومة، وهم بين ساكت وصامت ومتجاهل معتقدين بان المجتمع العراقي قد يسهل تحذيره وتبليده وسلب ارادته بوسائل مختلفة مغرية تارة ومرهبة تارة اخرى..
وامام هذا الواقع الحزين فان ضياع عراقنا، وهذه الحقيقة المأساوية معلومة وليست بحاجة الى محام للدفاع عنها او للتستر عليها او تغطيتها او تغييرها من واقع مأساوي الى واقع سعيد بمجرد ابراز عصا موسى ان وجدت في حوزة رئيس الحكومة او رئيس حزب، ذلك هو واقع مرير وأليم لأغلب فئات مجتمعنا وطبقاته التي تختلف حين يجب ان تتفق وتحترب حين يجب ان تصطلح… وتتجاهل الحقائق حين يجب ان تفهمها وتتقبل بها.
وتدفع هذه الفئات الاجتماعية ثمن الاخطاء وسوء القرار والتصرفات، ويتعب السواد الاعظم من ابناء هذا المجتمع، والثمن بالتأكيد باهظ للغاية ويظل الحاكم والمسؤول في برجه العاجي بمنأى عن اللوم والمساءلة وسحب الثقة، ثقة الجماهير الواعية لحقوقها وآلامها وجروحها.. وهي جماهير ان وجدت تختلف كثيراً عن تلك الكتل البشرية التي احترفت واجادت رفع الشعارات وترديد الهتافات وتعليق اللافتات والرقص على المآسي والمخازي والهزائم والنكسات وشتان بين جماهير وجماهير، والوعي واللاوعي، ولهذا فان ليلنا العراقي لا يزال طويلاً.. بل اطول من تقديراتنا وتوقعاتنا..!!
ان هذا التردي المشين في اوضاعنا الان نتحمل مسؤوليته نحن كشعب وحكومة ورؤساء احزاب ومفكرين ومثقفين، كتاباً وصحفيين، ولا دخل فيه لاحد من خارج حدودنا.. الفشل من صنعنا، والهزيمة في نفوسنا، والامكانيات المادية نبعثرها في غير مواضعها.. علماً ان المال وحده لا يحول شعباً خاملاً الى شعب واع عامل ومنتج ولا يخلق من الهزيمة نصراً ولا من المرض صحة وعافية!!
كما ان الجهل لا يتحول الى عبقرية بالمال او النفاق او بمجرد الاستماع الى اذاعة او رؤية قناة فضائية، والنصر لا تصنعه سوى زعامة الشجعان والمفكرين والمثقفين والمخلصين والمؤمنين الصادقين مع انفسهم اولاً ومع مجتمعهم، والنصر مرة اخرى يصنعه سوى مجتمع قوي متماسك متحد يدافع عن كرامته وسيادته ووحدته الوطنية، ويعلن عن رأيه الصريح في كل ما يتعلق بحاضره ومستقبله وبالتالي تحدد لحكومته وقياداتها الى اين يجب ان تتجه، وكيف يتأتى لها ان تبلغ الهدف وتحقق النصر والتقدم.. لا يعني لنا نحن العراقيين سوى العدالة والمساواة وحقوق الانسان والتمسك بالعقيدة والشرف والارض..
من هذا المنطلق.. علينا ان نحاسب انفسنا من وقت وآخر بصدق وصفاء ومحبة واخاء ودون عداء او مهاترة واسفاف حتى تبدأ عملية البناء وترتيب الوطن من الداخل دون مراوغة او اتكالية ولا يمكن ان نبني وطناً متماسكاً وقوياً ونحقق نصراً على اعدائنا لو ظل لسان حالنا تكرار اتهام الخارج بانه وراء مصائبنا وفشلنا وترددنا، وان اساليب ابليس الرجيم هو الذي يبعث في نفوسنا فساداً او اذا تقاعسنا في اداء واجبنا تجاه دعوى قياداتنا السياسية الى مشاركة شريفة للجميع في تحمل المسؤولية، ففي كل الحالات نحن خاسرون ولا ينفع الندم بعد وقوع الكارثة وارتكاب الخطأ وفوات الوقت، فلن نحافظ على وحدة اراضي وطننا وسيادته ونحقق هدفاً من اهدافنا اذا احتفظنا بالنعرات والشعارات والمزايدات والعواطف والبكاء على الاطلال وعلى تعدد الولاءات.. والانتقاد الذاتي ومحاسبة بعضنا البعض دون اسعاف او تهور او تطاول، هي نقطة انطلاق وعلامة صحة تؤكد بان شعبنا وحكومته تحقق تحولاً حقيقياً نحو الافضل، وهذا هو المطلوب والمرغوب، وهو المقياس الحقيقي لصدق توجه الشعب والحكومة في عراقنا.
من وجهة نظري وتقديري… اقول بصراحة ان الديمقراطية لا يقصد منها الفوضى وتحطيم ما هو قائم، والحرية الشخصية لا تفهم منها العدوان وتطاول الاقزام. ان الديمقراطية تعني الحوار البناء واحترام التراث والعمل لخلق ظروف افضل توصل المواطن في نهاية المشوار الى الشعور بان له كياناً مستقلاً في مجتمع متطور ومنتج متكامل يأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع، وان لهذا المواطن دوراً ومكانة في بناء الوطن، وان له حقوقاً يقرها النظام والقانون، ولا يقوى احد على سلب تلك الحقوق منه الا متى اساء المواطن الفرد والجماعة استخدامها.
فقاطع الطريق ومهدد امن المجتمع لا حقوق له في ظل القانون. ومتى تحددت حقوق المواطن ومساواته ومسؤولياته من خلال النظام والقانون ايضاً.. وهذا يحقق امل الجميع في خلق وطن قوي موحد بمواطنيه وغدٍ اكثر اشراقاً واستقراراً.. ومن هنا اقول:
لا يمكن اطلاقاً ولا في أي حال من الاحوال بناء وطن أي وطن بالشعارات والمزايدات وبالتطبيل والتزميير وبالخطب الرنانة والاماني والمعلومات الخاطئة والتقليد الاهوج والقفز على الواقع المعاش، وتغليب المصلحة الشخصية والخاصة على العامة، والحياة دروس وعبر، وكفى ما حصل لنا من متاعب وهزائم وتمزق وخلافات، ولنترفع عن كل ما ذكرت آنفاً عن كل الاسباب والمسببات التي جرَّت مجتمعنا وبلدنا الى ويلات ونكسات وهزائم لتبدأ مسيرة النضال العراقي في اتجاه سليم له نهاية سارة ليست بأقل من الوحدة الوطنية والتضامن والتكاتف الاجتماعي والحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.. تلك هي امنية مجتمعنا العراقي وهي امل كل عراقي مخلص..