16 نوفمبر، 2024 9:38 م
Search
Close this search box.

“نسخة معيبة” .. حينما يتمزق الإنسان وراء أسوار اكتئاب العزلة والاغتراب !

“نسخة معيبة” .. حينما يتمزق الإنسان وراء أسوار اكتئاب العزلة والاغتراب !

خاص : قراءة – سماح عادل :

في رواية (نسخة معيبة)، للكاتبة الألمانية “سارة كوتنر”، ترجمة “ناهد الديب”، إصدار المركز القومي للترجمة.. تتبع الكاتبة حالة اكتئاب مزمن تتعرض لها.. وقت صدور الرواية في ألمانيا احتلت مرتبة أعلى الروايات مبيعاً، بسبب أنها تلمس موضوع هام وحيوي في المجتمع، ويتعرض له كثير من الشباب، رغم أنها الرواية الأولى للكاتبة.

الاكتئاب المزمن نتيجة الشعور بالاغتراب عن المجتمع.. حين يلفظك هذا المجتمع ويفرض عليك عزلة موحشة، فالبطلة تعرضت للفصل من العمل ثم فقدت علاقة الحب في حياتها، وهي مطالبة بالعيش بشكل مستقل وفقاً لقواعد مجتمع رأسمالي غربي، ووجدت نفسها فجأة في هوة سحيقة.

الشخصيات..  

كارو هيرمان: البطلة.. فتاة في أواخر العشرينات من عمرها، تفقد عملها فجأة، وتضطر إلى العمل نادلة في حانة بعض الوقت، وتبدأ حالتها النفسية تسوء وتتأمل حبيبها الذي يعيش معها منذ فترة، لتكتشف أنه أناني متعجرف كثير الشكوى، وتنفصل عنه ثم تنهار وتدخل في حالة اكتئاب.

فيليب: حبيب “كارو” الأول.. فتى في أواخر العشرينات قادم من الريف، يعمل في مجال الإعلانات والرسم، سيتخلى عن “كارو” حين تنهار.

نيلسون: مذيع في الإعلانات التلفزيونية يحظى ببعض الشهرة، صديق “كارو” المقرب.. يساندها في أزمتها النفسية ويدعمها بشكل يومي.

ماكس: حبيب “كارو” الأخير.. عملت معه لعدة سنوات، وبعد عودتها لعملها السابق تنشأ بينهما علاقة حب تشعرها بسعادة، وتجد أن “ماكس” هو الشخص المناسب.

الأم: أم “كارو”.. عانت في شبابها من اكتئاب مزمن، مما أثر بالسلب على طفولة “كارو” وأورثها كآبة وبعض العلل النفسية، لكنها في انهيارها تساندها وتستضيفها في بيتها وتقوم برعايتها، معوضة بذلك الجفاء الذي شعرته “كارو” في فترة طفولتها.

الراوي..

الراوي هو البطلة، “كارو هيرمان”، تحكي عن الأحداث التي تمر عليها وعن الأشخاص الذين تتعامل معهم، ولا تهتم بسرد خلفيات تاريخية عن الأشخاص أو حتى عن نفسها، فتكشف في ماضيها عن ما يتعلق بالاكتئاب المزمن الذي تعاني منه فقط.

السرد..

السرد هادئ الإيقاع، يمتلئ بالسخرية اللاذعة.. فالبطلة وهي تحكي تضمن سردها بعض النكات والكلمات المازحة، وتسخر من نفسها ومن الآخرين طوال الرواية، تبدأ السرد بمقابلة مع طبيبها النفسي ثم تعود بتقنية الإرجاع “الفلاش باك” لتحكي عن عام كامل عانت فيه من الاكتئاب، وفي النهاية تعود لنفس المقابلة مع الطبيب وتفسر سبب اكتئابها.

التوحش الرأسمالي واغتراب الفرد..

تشعر “كارو” ببداية الاكتئاب حين تفقد عملها المستقر، وهذا ما يفقدها أعصابها ويدخلها في حالة مزاجية متقلبة، مما يؤدي إلى فقدانها علاقة حب تقيها من الوحدة، ولأنها في مجتمعها يطلب منها الاعتماد على نفسها منذ التخرج وربما قبله، وتعيش في شقة بمفردها، وتتولى أمورها المالية وحدها، ففقدان عملها كان يعني فقدانها للأمان الاجتماعي، فهي لن تستطيع دفع إيجار شقتها، وقد ساعدتها جدتها بالفعل في ذلك، كما أن إيجاد عمل آخر ليس بهذه السهولة، وحين شعرت بأن حالتها النفسية تحتاج إلى تدخل متخصص ظلت تعاني، وتقوم بمقابلات حتى يتم إدراج حالتها ضمن التأمين الصحي الذي يوفر علاجاً نفسياً للأفراد بشروط صارمة.. مما يعني أن الرأسمالية في تطورها، خاصة في المجتمعات الغربية، هي المسؤولة الأساسية عن اغتراب الفرد وشعوره بالوحدة وعزلته، والتي ترتبط بشروط حياتية معينة إن فقدها أوشك على فقدان أمانه واستقراره وربما حياته.. حيث تذكر البطلة أن نسبة انتحار الشباب الألماني تزداد خاصة في الشتاء وكآبته المعتادة، مما يعني أن الاغتراب والوحدة والعزلة أصبحوا قدر الإنسان في المجتمعات الرأسمالية.

اكتئاب مزمن مراوغ..

تكتشف البطلة في نهاية الرواية أن اكتئابها لم يبدأ منذ فقدت عملها، وإنما بدأ منذ زمن بعيد، لكنها لأنها لا تراقب ذاتها ولا تهتم بها لم تعرف ذلك، فاكتئابها مزمن يتضح من مظاهره أنه ظل فترة طويلة يلازمها، لكن لأنها تسعى دوماً إلى إثبات قوتها فأنها تضع حواجز بينها وبين ذاتها أو بالأحرى بينها وبين ذلك الجانب الضعيف من ذاتها، وبالتالي تركته يزيد في ضعفه وهشاشته وحين فجاءها حادث أخير إنهارت تماماً وانكشف ضعفها، طوال عام تحكي البطلة عن نوبات خوف شديدة تصبيها بوجع في القلب والجسد وارتعاشات وتشنجات وبكاء مفرط، حتى أنها أصبحت تخاف أن تبقى بمفردها في شقتها، وأصبحت لا تأكل أو تتمتع بأي مظاهر للحياة وحين عاشت مع أمها لبعض الوقت كانت فاقدة الإرادة تماماً.

بعد محاولات للتعرف على الذات وفهم سبب الاكتئاب، وملل من تكرار الحديث عن الذات خاصة مع شخصية “كارو” العصبية وغير الصبورة، والاستعانة بالدواء المضاد الاكتئاب، الذي كان يعيد التوازن لهرموناتها وبالتالي لأحاسيسها ومزاجها، تكتشف “كارو” مع الطبيب الجديد الذي حل محل طبيبتها القديمة أن الاكتئاب تراكم على مر السنوات، بسبب معاناتها في طفولتها: “أولاً من تحرش جسدي من أحد الأقرباء، وثانياً من سوء معاملة أمها وقسوتها واكتئابها الدائم الذي جعل طفولتها تعيسة وتخلو من الحنان والرعاية، وسبب ثالث هو تجاهل والدها وعدم اهتمامه بها، بعد انفصاله عن والدتها وهي طفلة”، وحين عرفت “كارو” السبب الحقيقي وراء اكتئابها أصبح من السهل معالجته، كما أنها في نهاية العام عادت إلى عملها وبالتالي عاد إليها الأمان الاجتماعي مرة أخرى.

الحب وسيلة للخلاص..

من أحد الأسباب الهامة لتفشي حالة “كارو” النفسية فقدانها لـ”فيليب”.. ورغم أنه أناني ومتعجرف ولا يهمه غير نفسه، وكثير الشكوى من كل شيء ولا يهتم بها أو يحنو عليها، إلا أنها بفقدانه أصبحت وحيدة تماماً وظلت محتاجة لحنان ورعاية ودعم.. كما أنها شعرت بفراغ كبير في داخلها، مرت بتجربة قصيرة مع شاب يدعى “ديفيد” لكنه كان مكتئب هو أيضاً ويخشى التورط في علاقة حب، مما جعلها تبتعد سريعاً عنه.

وبالمصادفة، وبعد العودة إلى عملها القديم تعود لتعمل مع “ماكس” مرة أخرى، والذي كان قد انفصل عن حبيبته، ويبدأ اقتراب هادئ بين “كارو” و”ماكس”، تخشى منه لكنها لا تستطيع أن تقاومه، وتجد لدى “ماكس” الحنان والعناية وتشعر أن الفراغ في داخلها قد تلاشى حيث ملئه “ماكس” بمعاملته اللطيفة والمتفهمة لها، كما أنه يعرفها منذ سنوات طويلة ويتقبلها كما هي بعيوبها وعصبيتها وتقلب مزاجها وحتى عدم صبرها، وقد كان مسانداً لها عند حدوث نوبات خوف، ورغم تحسن حالتها إلا أنها ونتيجة لفقدانها الثقة في نفسها ترفض تصديق أنها سعيدة، وأنها تتمتع بأشياء جميلة في الحياة، وإن علاقتها مع “ماكس” مرضية ومشبعة لكنها في النهاية تسمح لنفسها بأن تشعر بالرضى.

ميزة الرواية أنها ناقشت موضوع يعانيه نسبة كبيرة من الشباب في ألمانيا، مما جعلها تنتشر سريعاً وتحقق مبيعات كبيرة.. الاكتئاب الذي أصبح مرض العصر الرأسمالي، نتيجة للاغتراب والوحدة والحاجة إلى ساعات طويلة من العمل في حياة غير آمنة.

الكاتبة..

“سارة كوتنر” مواليد 1975 في مدينة برلين، تعمل مقدمة برامج، ذاعت شهرتها من خلال برنامجها (استعراض سارة كونتر)، وكذلك برنامج (كونتر).

صدرت لها مقالات مجمعة سبق نشرها في جريدة (زود ويشة)، وجريدة (موزيك إكسبريس). وفي عام 2009 فاجأت “كونتر” الجميع بنشر أول رواية لها بعنوان: (نسخة معيبة)، وحفل التوقيع على النسخ الأولى من الرواية حضره ما يزيد على 5000 شخص.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة