تبلغت سفارات الولايات المتحدة حول العالم خاصةً في وطننا العربي من وزارة الخارجية التعليمات التالية:
إستثمار ردات فعل العرب والمسلمين على الفيلم الأميركي وصور الصحيفة الفرنسية المسيئة للإسلام وللنبي محمد (ص)، لشرعنة إعادة إنتشار قوات (النخبة) التابعة لـ(المارينز) في المناطق التي ستتعرض فيها سفارات ومصالح أميركا وأوروبا للإعتداء. بحجة حماية الأخيرة من عنف وهيجان (المتطرفين).
لم ولن تستثني التعليمات (العراق).. سألت ناقل الخبر.. قال إليك الأسباب:
سقطة رئيس الحكومة (نوري المالكي) السياسية التي ستجهز على طموحاته التي لم تعد جغرافية العراق تتسع لها.. زلة لسانه التي أوقعته في شر أعماله.. أمام كبار مسئولي الإدارة الأميركية خلال لقاءهم به في بغداد وواشنطن، سألوه عن سبب إستعجاله ومستشاريه الأمنيين بإطلاقهم قُبيل أو أثناء أو بعد وقوع حادث أو ظهور فقاعة أمنية هنا أو هناك تهديداتهم واتهاماتهم (المجانية) وتوزيعها على دول الجوار ومرةً على شركاءه السياسيين. وتارةً يحمل معارضة الداخل والخارج الذنب. فتبين مطالبته بالمزيد من الصلاحيات الأمنية بذريعة ضبط الوضع الأمني العراقي.. فَهِمَ المخضرمون الأميركيون سعيه للحصول من أميركا على رتبة عسكرية لا تزيد عن (مُهيب) ولا تقل عن (مُشير)؟.. وذريعته لـ(أغراض القيادة)؟!
أيقن هؤلاء المخضرمون يتبع غاليبتهم لـ(اللوبي اليهودي، والمحافظون الجُدُد) صانعوا القرار ومحتكروا المال، إصراره على إعادة الزمن إلى الوراء.. رتبة عسكرية يزيل بحُجتها (ذقنه) ليتحول إلى (ديكتاتور ديني ذو مسحة ليبرالية) تكتمل فيها قيافته العسكرية.. يبرر بها سبب: (رفع صوره في الدوائر الحكومية ومكاتب محازبيه في السفارات العراقية وفي نقاط التفتيش. إطلاق فرقته الذهبية تسمية “أبناء أبو إسراء” تيمناً بإبنته على نفسها) محاولاً إطلاق يده أكثر عسى أن يحسن توظيف صلاحياته المثبتة في (الدستور) وكـ(قائد عام للقوات المسلحة) العراقية، ليزيد عليها دعم واشنطن وطهران له في تصفية ماتبقى من خصومه داخل وخارج العراق.. وفور قضاءه على هؤلاء يفتح جبهة عريضة مع (الأكراد) ثم (جيران العراق) وصولاً لـ(إسرائيل). التي تنبهت لهذه المسألة الخطيرة وطالبت بتوريط المالكي بحروب داخلية (صغيرة) وخارجية (كبيرة) تقضي نتائجها السلبية على أحلامه بالكامل.
حرب المالكي المتوقعة بل والمؤكدة كشفتها إستطلاعات رأي الوفود الأميركية، وسفارة واشنطن ببغداد، من خلال لقاءات طاقمها الأمني بالمالكي وبمستشاريه والدائرة الضيقة المحيطة به. والتي تعتبر حلقة الوصل بينه وبين طهران. مضافاً لها تحليل واقعي لشخصية المالكي من قبل نخبة من الأطباء النفسيين والخبراء والفلكيين. الذين خرجوا بإجماعٍ أنه أخطأ حساباته في محاولةٍ منه لتوظيف الدعم الأميركي لغرض حكره كافة الصلاحيات، وصولاً لتغييره أو تعديله الدستور بما يؤهله للقفز من رئاسة الحكومة إلى رئاسة الجمهورية. مستثمراً العامل (المذهبي) مع عرب العراق (سنةً وشيعة) لإخراج منصب رئيس الجمهورية من دائرة الأكراد.
تبين لهذه الأطراف إنتقاء المالكي ومستشاريه عراقيوا الأصل والتجنس، لقيادات (معارضة) بضمنهم ضباط عسكرين وأمنيين شملهم بعفوه تحت عنوان (عفى الله عما سلف)، مستغلاً أوضاعهم المأساوية منها ملاحقتهم وذويهم داخل وخارج العراق. حين أرغمهم على الإنخراط في حزبه الحاكم (الدعوة الإسلامي). محاولاً إستثمار قدراتهم القتالية في مواجهة (الأكراد) الذين سبقوه باحتواءهم هؤلاء بعد الغزو مباشرة بمنحهم بعض الإمتيازات (الإقامة والسكن والوظيفة) في إقليم كردستان العراق.
إذاً.. المعركة القادمة المعجلة لا المؤجلة.. ستكون في (عمق) و(حول) المناطق المتنازع عليها.. يغذيها الخصمان الصديقان (أميركا وإيران) ليتم الإجهاز بالكامل على ما تبقى من قدرات القوات المسلحة العراقية التي لن تقوى على مواجهة قوات كردية نظامية كـ(البيشمركَة) التي يحركها العامل (الإثني) أكثر من (المذهبي).. وما يتعلق بشروط البقاء أو الزوال.. النصر أو الهزيمة.. قيام الدولة الكردية أو القضاء عليها.
المعركة آنفاً ستستحضر أدوات التدخل الأميركي بكافة أوجهه، وعلى النسق التالي:
إنهاء الإدارة الأميركية التحضيرات اللازمة لتدخل عسكري يعقب إعلان نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية. سيطال العراق.. سيكون التدخل محدوداً في حال نجح (أوباما) الديمقراطي وواسعاً في حال نجح خصمه (رومني) الجمهوري. غرور المالكي وإيران سيشرعن عدم لجوء أميركا لـ(مجلس الأمن) لأن إستهدافاً واحداً لسفارة أو مواطن أميركي يكفي لتبرير ذلك. سيجد هذا مبرراً لتدخل أوربي أيضاً. مثال ذلك: إغلاق (كندا) سفارة إيران وطرد طاقما الدبلوماسي.. وفرض الإتحاد الأوروبي عقوباتٍ جديدة على إيران وحلفاءها وبشكل دوري. تُفضل واشنطن أن يحمل مسؤولية ما بعد المالكي نظام يلعب فيه الجيش العراقي (النظامي) أو (الحُر) المشكل حديثاً، دور الأمن ويمهد لقيام نظام ديموقراطي مدني فعلي لاوهمي كالقائم حالياً .ولافرق بين نظام جمهوري أم برلماني شرط أن يكون (فردي) ولاءه وخدماته محصورة بواشنطن، وليس (زوجي) يخدم أكثر من طرف خارجي.
واشنطن حصلت على ضماناتٍ مسبقة من كلا (الجيشان) آنفاً بالتداول السلمي للسلطة وتحويلها إلى مدنية بحتة. لاوجود فيها لأثر (العسكر) في رئاسات (الجمهورية- الحكومة- البرلمان). وذلك لخشية (إسرائيل) أكثر من (أميركا) من القيادات والأنظمة العسكرية. والدليل: هو إسقاط أنظمة المنطقة بالتتابع خاصةً التي يحمل (الرأس) فيها رتبة عسكرية فعلية أو فخرية. والذريعة هي إقامة (الحكم الرشيد) والقضاء على الديكتاتورية ونشر الديمقراطية.. شريطة مساهمة الجيشان آنفاً في إسقاط المالكي وتقويض النفوذ الإيراني في العراق. والتحرر من سلطة الأحزاب الدينية.
لهذا السبب قام المالكي بتشكيل قوات (دجلة) في المناطق المتنازع عليها بحجة إيقاف الصراع عليها. بينما غايته هي إيقاف المد الكردي.. في موازاة مجالس (الإسناد) المختلطة مذهبياً في الوسط والجنوب.. لمنع ظهور أي فقاعة أمنية وقمع الحركات الإحتجاجية. مضافاً لها إستناده إلى مجالس (الصحوة) في الغرب. وبهذا يكون المالكي قد طوق الشارع العراقي- حسب تصوره- وأصبح بإمكانه إحصاء حتى أنفاس العراقيين.
المالكي أضعف من ذلك. لعدم إستناده إلى أي خلفية سياسية أو عسكرية أو حتى قاعدة معلومات بيانية تساهم في تحقيق طموحه هذا الذي يفوق منصبه بل وحتى دعمه إيرانياً. كونه لايفقه شيئاً في (لُعبة الأُمم). عقليته ضيقة محصورة بين الحزب والخطاب الديني الزائف. بالإضافة لبعده عن واقع العراق وتاريخه. إذا لايفقه أن بلاده تعرضت لـ73 إحتلالٍ وغزو منذ القدم وحتى اليوم. ورغم ذلك نهض العراق. بفضل حكوماته الوطنية السابقة ووعي شعبه الذي لايتأقلم إلا مع زعيمٍ حسب مقاساته.
تغاضي أو تناسي المالكي بقصدٍ أو من غير قصد. أن طعنه سيكون من الخلف. حاشيته كفيلة بذلك. وليس خصومه السياسيين الأكثر إنضباطاً منه في الخصومة السياسية معه. الطعن سيأتي من مليشيا (عصاب أهل الحق) التي صهر المالكي 15 ألف مقاتل منها غالبيتهم إيرانيوا التابعية والولاء. في جسد المؤسسة العسكرية والأمنية العراقية. بل عينهم كضباط أمن على أمن. هو متقلب المزاج. وهم يخشون تقلباته وانفعالاته الغير محسوبة. وأخطاء كلا الفريقان تخدم مصالح واشنطن قبل طهران. لجهة الحاجة لهما في تغليب كفة المالكي على الحلفاء والخصوم. وبالعكس؟
إنجرار (إيران والمالكي) خلف الإيحاءات الأميركية بنِسّب تفوق التصور والخيال. أميركا توظف مشاعر كراهية العراقيين خاصةً والعرب عامةً لـ(إيران) في التعجيل بالتغيير المطلوب عراقياً وعربياً. لُعبة الأُمم تدفع إيران والمالكي للتحريض وصنع الخطر المبرر للعبة التغيير التي تجتاح المنطقة لتصل في نهاية مطافها إلى تغيير كل الأنظمة .
بدأت اللعبة تأخذ أبعادها الجديدة. بتهديد قادة (الحرس الثوري) الإيراني بنقل معاركهم إلى دول (الخليج العربي) تحت غطاء (حماية الشيعة). اليوم يعيد التاريخ نفسه في العراق والخليج العربي. إيران تلعب بالمشاعر. والمالكي يستدرج التدخل بسياسة الإنغلاق والإرتهان لطهران. المسؤولية تقع بالكامل على المالكي الذي يشتري إستعدائه بـ(المال) بسبب طائفيته وتصريحاته وسياساته المتخبطة. غيرُ آبهٍ باستدراج الخارج محتمياً بالخوف من السقوط بالمزيد من القتل. اللُعبة في العراق لم تعد الحرية فقط ولا بقاء المالكي فقط. إنها لُعبة سقوط (المشروع الإيراني) بكافة مبرراته وطموحه .عِناد وخطأ واحتقار وتعالي طهران والمالكي لخصومهم العراقيون والعرب هو الذي سيقودهما والمنطقة لدمارٍ شامل.
يتهم النظامان العراقي والإيراني خصومهما بالعمالة للخارج والإرهاب. يقتلوهم بدلاً من إحتواءهم أو شراءهم. ليس ذمماً وضمائر. بل بتنفيذ المتيسر من مطالبهم. مضافاً لها صعوبة إستمرار شراكة (معارضوا وموالوا) المالكي وإيران في السلطة. أحدهما سيأكل الآخر يوماً ما. غير أن النهاية أو البداية جاءت أسرع من المتوقع. فقد تغدى المالكي بخصومه قبل أن يتعشوا به. وأنهى بضربة سريعة ثُنائية السلطة التي لن يهنئ بها.
هل المالكي في مأمن من ربيع العراق أو ربيع جيرانه: الجواب.. كلا.. لأن المالكي يمثل إتجاهاً إسلامياً نقيضاً لخصومه (الإسلاميين) معارضوا الأمس شركاء اليوم. والمعارضين (الليبراليين) العقائديين (القوات المسلحة) السابقة (المنحلة) مضافاً لها سياسيون وجمهورهم. وعليه ستنتهي هذه الخصومة بـ(التصفية) أو بـ(الإنقلاب) والثانية ستكون أسرع. السؤال الذي يطرحه الوضع العراقي هو: هل يستمر المالكي، وهل تصفيته خصومه وعلى رأسهم نائب الرئيس (طارق الهاشمي) الذي لايمثل (مذهباً) بعينه فحسب. وإنما المؤسسة العسكرية المنحلة والحالية.. لخلفيته العسكرية. في حياة العراق وبداية أُخرى؟.. لاشيء محسوماً بعد. فحكم المالكي الديكتاتوري سيكشف عورات علاقاته السياسية المشبوهة ومشروع فريقه الديني ذو المسحة الطائفية. والجيش في نهاية المطاف سيتدخل لحسم الأمر؟.. ونؤكد على دور الجيش. لأن المرجعية عُطِلَ أو تَعطلَ دورها بفعلِ فاعل.
بديل المالكي الأوفر حظاً نائب الرئيس (عادل عبد المهدي). مدعوماً من بلده الثاني (فرنسا) اللاعب الجديد في المنطقة تحت إشرافٍ أميركي. مستثمراً أخطاء المالكي في تصحيح مسار (البيت الشيعي) إما بمرجعية سياسية جديدة أكثر محاكاةً لمعاناة العراقيين. أو موظِفاً دعم جمهور (المجلس الإسلامي الأعلى) بزعامة (عمار الحكيم) غريم المالكي في السلطة الدينية والسياسية والحزبية. تمتع عبد المهدي بـ(كاريزما) السلطة وإتقانه لعبة التوازنات والتناقضات واستثماره مقبوليته في تركيا والمحيط العربي خاصةً (السعودية) وتمسكه بخيار (التغيير) الذي رفعته حملة أوباما الأنتخابية الماضية. على خلاف شعار المالكي (العودة) للسلطة محاكياً شعار حملة أوباما الجديدة الذي يحمل ذات الشعار.