23 ديسمبر، 2024 10:08 م

صار على من يتلفّظ بشتيمة في مكان عام بولاية ماساتشوستس الأمريكية، دفع  غرامة مالية بقيمة 20 دولاراً  بعد أن صوّت  المجلس البلدي في بلدة ميديلبوروغ في اجتماع له   على اقتراح قدّمته الشرطة المحلية  كما ذكرت وكالة “يو بي آي “وطبعا العشرون دولارا لاتذهب لجيب المشتوم و”الشَّتْمُ كما جاء في “لسان العرب”  قبيح الكلام وليس فيه قَذْفٌ والشَّتْمُ السَّبُّ، شَتَمَه يَشْتُمُه ويَشْتِمُه شَتْماً، فهو مَشْتُوم “بل تذهب, الى خزينة البلدة هذا اذا كان الشاتم اكتفى  بواحدة , وطبعا ترتفع الغرامة كلما أطلق أكثر من شتيمة بخاصة إذا كان في حالة انفعال شديد , حيث سيكون لزاما عليه دفع  فاتورة من النوع الذي يكسر الظهر !!
 والأهم من هذا دفعه لفاتورة حرق الأعصاب وتعكير صفو الأمكنة  باطلاقه كلمات بذيئة تسبب جرحا وأذى لمشاعر المشتوم , وكل من يسمعها ,  فالشتيمة في المكان العام اساءة لجميع من يتواجد فيه , وانتشارها  يؤدي الى تسميم الأجواء و انحدار الذوق العام ,وفي تقاليد المجالس  اعتاد بعض العقلاء إذا أراد أن يوجه كلمة نابية لآخر , حاضرا كان في المجلس أم غائبا ,يستأذن من الحضور طالبا عفوهم لاضطراره الى تلفظ مفردة تخدش الأسماع ,وغالبا ماتكون تلك المفردة من العيار الخفيف , لكن اليوم أفلتت الأمور وصرنا نسمع الشتائم في كل مكان نحل ّ به , وقد ساهمت العولمة وانتشار وسائل الإتصالات والفضائيات وشبكات التواصل الإجتماعي في انتشار هذه العادة الذميمة .
وكلنا يعرف أن  الكلمات النابية التي يتلفظها البعض عند الغضب لايدل على رصانة شخصية وسلوكية وإنما هي دليل على ضحالة الأشخاص الذين يتبادلونها يقول الشاعر:
لسانك لاتذكر به عورة امرء
فكلك عورات وللناس ألسن

ولكن ماذا نفعل لمن يشتمنا ؟
يقول سيدنا عمربن الخطاب”إذا سمعت الكلمة تؤذيك فطأطيء لها هامتك حتى تمر “
والا فإذا كانت الشتيمة أنثى فجوابها ذكر ,كما قيل وإذا لم توقف تلك الشتائم فإن الأمور ستتعاظم  من تشابك الألسن والكلمات الى تشابك الأيدي والعياذ بالله ! 
لذا اعتبر المجلس البلدي في بلدة ميديلبوروغ الشتيمة مخالفة ذوقية تشبه المخالفة المرورية والمخالف يدفع مبلغا , وهذا القانون ذكّرني بقانون مروري أقر في سبعينيات القرن الفائت بالعراق واستمر العمل به حتى أواخر الثمانينيات وهذا القانون كان يملي على من يعبر الشوارع من دون  السير على الخطوط البيضاء دفع خمسة دنانير “تعادل قيمتها في ذلك الوقت حوالي 13دولارا ” وأذكر إنني كنت أسير برفقة صديق في باب المعظم , فطلبت منه العبور من جسر المشاة فاستثقل ذلك , وكان مندمجا بحديث ذي شجون , فلم أشأ مقاطعته فعبرنا الشارع وإذا بشرطي يستوقفنا ويحرر لنا مخالفة بعشر دنانير دفعناها طائعين ! وتسلمنا إشعارا بذلك , فكانت تلك المخالفة هي الأولى والأخيرة لأن القانون عفى عليه الدهر , وصار الكل يقطع الطريق من المكان الذي يشاء كما لاحظت في زيارتي لبغداد قبل عامين , دون حساب , واليوم وأنا أقرأ خبر قانون معاقبة الشاتمين بولاية ماساتشوستس الأمريكية , تساءلت:لماذا لا يكون الإنسان رقيبا على نفسه ؟ مستدعيا مقولة للإمام علي بن أبي طالب”رض” “ياليت رقبتي كرقبة البعير” ويبدو أن رقاب سكان بلدة ميديلبوروغ كانت قصيرة ,فكثرت الشكاوي والمشاكل ,لذا استدعى الأمر إصدار قانون  علما  أن الطريق لم تكن مفروشة  بالورود ليسير عليها أعضاء مجلس تلك البلدية عند  إقرار   الإقتراح ,وحتما لم يسلموا من “الشتائم” التي طالتهم علنا وعبر المواقع الألكترونية ,ووسائل الإتصالات الحديثة , رغم أن اقتراحهم   حصل على أغلبية الأصوات في اجتماع المجلس ,فقد واجهوا اعتراضات ممن وجد في ذلك حدّا من حرية التعبير , مع استفحال حرية الشتائم ولكن أي تعبير؟ وهكذا نجد دائما من يخلط بين حرية التعبير والخروج عن الذوق العام , فكان لزاما على من يطلق شتيمة  أن يدفع عشرين دولارا عدّا ونقدا !