خاص : ترجمة – سعد عبد العزيز :
لا شك أن حرب تشرين أول/أكتوبر عام 1973 كانت انجازاً عسكرياً بكل المقاييس بعدما تمكن جنود مصر البواسل من هزيمة أسطورة الجيش الإسرائيلي الذى لا يقهر، وعبور قناة السويس واجتياح “خط بارليف”، وهو ما دفع قيادات إسرائيل أثناء الحرب للاعتراف بالهزيمة.
لكن في ذكرى تلك الحرب من كل عام يحاول الإسرائيليون تزييف الوعي العربي، بأن ما حدث في تلك الحرب لم يكن انتصاراً مصرياً بزعم أن إسرائيل حققت انجازات عسكرية وكادت أن تغزو دمشق والقاهرة. تلك كانت الرسالة التي يريد الكاتب الإسرائيلي “يسرائيل هرئيل” إيصالها عبر المقال الذي نشرته صحيفة “هاأرتس” العبرية، الجمعة 6 تشرين أول/أكتوبر 2017، في ذكرى تلك الحرب.
إسرائيل والفشل الذريع..
يقول الكاتب الإسرائيلي: “حتى بعد مرور 44 عاماً لا يزال الكتاب المحللون الإسرائيليون يركزون في حديثهم عن إخفاقات حرب يوم الغفران. ورغم أن قوات الجيش الإسرائيلي كانت قد وصلت إلى مشارف العاصمة السورية دمشق والطرق المؤدية إلى العاصمة المصرية القاهرة، إلا أن ما هو راسخ في أذهان أكثر الإسرائيليين، بما فيهم العسكريين، هو أن إسرائيل لم تحقق انتصاراً عظيماً، بل إنها مُنيت بالفشل الذريع”.
يوم العبور عيد قومي..
يمضي “هرئيل” في تأكيده على أنه: “في السادس من تشرين أول/أكتوبر 1973، عبر الجنود المصريون حاجز قناة السويس، ومنذ ذلك الحين تحتفل مصر بذلك اليوم كعيد قومي, يشهد إجراء عرض عسكري سنوي في القاهرة احتفالاً بـ”النصر” في “حرب أكتوبر المجيدة”. حيث تُرفع لافتات النصر فوق الكباري والمدارس والنوادي الرياضية والمكتبات التي أُطلق عليها اسم “أكتوبر المجيد”، فيما تُرفع الأعلام في كل ربوع البلاد بما يليق بذلك اليوم، الذي محت فيه مصر عار الهزيمة – في (حزيران) يونيو 1967 – واستعادت “أرض سيناء الطاهرة”، كما استعادت كرامتها ومكانتها في العالم العربي. ومن غير المعروف ما إذا كان سيتم إجراء مناورة عسكرية عن “العبور المجيد”، بالإضافة إلى العرض العسكري السنوي والاحتفالات التقليدية. فقبل بضع سنوات، وفي نهاية إحدى مثل تلك المناورات، قال قائدها اللواء (أسامة رشدي عسكر) لجنود الجيش الثالث: “إننا أردنا تنفيذ مناورة العبور في نفس اليوم الذي تحقق فيه النصر المصري العظيم الذي سيظل مصدر فخر وعزة للجيش المصري”.
التنازلات الإسرئيلية رسخت فكرة النصر لدى المصريين..
يشير “هرئيل” إلى أن إسرائيل، التي حاصرت الجيش الثالث ثم وصلت بعد ذلك إلى مشارف العاصمة المصرية، لا تقيم أي احتفال بتلك المناسبة, وهي لا تزال تنبش في جروحها حتى تلك التي أخذت تندمل.
ويزعم الكاتب الإسرائيلي أنه على مر السنين، التقى بأكاديميين وإعلاميين مصريين كما التقى أيضاً بضباط عسكريين مصريين لم يقاتلوا في تلك الحرب بسبب صغر سنهم. ويضيف أنه وجد الغالبية العظمى من المصريين على يقين بأن جيشهم حقق الانتصار في تلك الحرب.
كما يُضيف: “حين حاولت أن أوضح للمصريين بأسلوب مهذب أن الجيش الإسرائيلي ظل متواجداً غرب قناة السويس لقرابة نصف عام، رفض البعض أن يصدق ذلك. ولربما يعرف الضباط المصريون حقيقة الأمر، لكن النتائج السياسية – أي التنازل الإسرائيلي الكامل عن ثمار تلك الحرب – هو الذي رسخ فكرة الانتصار لدى المصريين. فذات مرة سألني أحد الضباط المصريين: إذا كنتم قد انتصرتم بالفعل فلماذا إذاً انسحبتم من كل أنحاء سيناء ؟.. ولماذا دمرتم مستوطناتكم هناك ؟.
“فرددت عليه بالقول: بالنظر إلى المفاجأة الاستراتيجية التي استطاع الجيش المصري مفاجأة إسرائيل بها، فإن انتصار إسرائيل في حرب أكتوبر كان أعظم انتصار حققه جيش يهودي على مر التاريخ. لأن جنود الجيش الإسرائيلي كانوا في نهايتها عند الكيلو 101 في اتجاه القاهرة, ولم تكن هناك قوة مصرية تستطيع الوقوف في وجه الإسرائيليين. أما في الجبهة الشمالية فقد قامت القوات الإسرائيلية بغزو الأراضي السورية، وكان في إمكان المدافع الإسرائيلية استهداف القصر الرئاسي في دمشق”.
يدعي “هرئيل” أنه بسبب ظروف اندلاع تلك الحرب، ولا سيما بسبب كثرة الضحايا الإسرائيليين خلالها فقد شعر الشعب الإسرائيلي بالصدمة القاسية مما آثار موجة من الغضب الشديد تجاه القيادة السياسية والعسكرية. ولقد رضخت الحكومة الإسرائيلية التي كانت تشعر بالذنب والمسؤولية، للضغوط الأميركية ومنحت بذلك المصريين انتصاراً سياسياً ومعنوياً. وزعم الكاتب الإسرائيلي أيضاً أن المصريين فقدوا في تلك الحرب أكثر من 15 ألف جندي, ومع ذلك يحتفلون سنوياً أما الإسرائيليون الذي لم يفقدوا سوى أقل من 3000 جندي فإنهم يعيشون باستمرار حالة من الحزن والحداد.
وهو يؤكد في ختام مقاله على أن إسرائيل أصبحت دولة متقدمة للغاية ومستقرة ومزدهرة، وليس ذلك فقط بالمقارنة مع البلدان المحيطة بها.