يقول أحد معارضي الاستعمار البريطاني مود وكابري ريس
(يقال في مجالس العزاء أن الحسين ضحى بنفسه لصيانة شرف وأعراض الناس، ولحفظ حرمة الإسلام، ولم يرضخ لتسلط ونزوات يزيد،إذن تعالوا نتخذه لنا قدوة، لنتخلص من نير الاستعمار، وأن نفضل الموت الكريم على الحياة الذليلة)
وأيضا يقول المؤرخ والمستشرق الانجليزي ادوارد جيبون (إن شرح حادثة مقتل الحسين بن علي للناس وفي مختلف الأماكن وعلى مدى القرون المقبلة سيقضي إلى صحوة القلوب)
انطلاقاً من ما ذكر أعلاه، بان الحسين بن علي قد ضحى من اجل العقيدة، والشرف، والأرض، والعرض، والعمل على إصلاح القضاء الفاسد، والدعوة إلى نبذ التطرف، والعنصرية، والتمييز ، فلا يخفى على الجميع ما هو الدور الذي لعبه الحسين في ثورته، ضد طاغية مثل يزيد، فلقد قلب موازين الحروب والحياة العسكرية، وهو يضحي بنفسه، وأهل بيته، وأصحابه، ويُقتل حتى طفله الرضيع، وتسبى نسائه، وبالتالي ينتصر دم الحسين، على جيوش الطاغية، في معركة غير متكافئة، من جميع النواحي العسكرية، والإستراتيجية، واللوجستية، والدينية أيضا، ومع إن الحسين قد حاز على الخلود بعد ثورته، ووضع مبادئ لا يمكن أن تمحى على مدى الأزمان والعصور، ألا إن هناك بعض الأصوات، والأيدي، التي شوشت وقامت بتهديم ما بناه الحسين، من خلال ما يسمى بالطقوس أو الشعائر الحسينية، ففي كل عام من شهر محرم، يثار موضوع الشعائر الحسينية المبتكرة والدخيلة، الذي تمارسه بعض فئات الطائفة الشيعية، بمناسبة العاشر من شهر محرم، وهو اليوم الذي استشهد فيه الإمام الحسين(ع) وأنصاره، وقد بدأ الشيعة في إحياء طقوس ذكرى واقعة كربلاء، في عهد حكم البويهيون في بغداد، منذ عام 352 هجرية، على شكل قراءة تاريخية للمأساة، دون ممارسة عادة اللطم أي قراءة ما يسمى بالمقتل، ولكن الغريب بالآمر إن هذه الطقوس انحرفت عن مسارها، وسياقها الإنساني، والتاريخي، في القرنين الماضيين وحتى يومنا هذا، عندما دخلت إليها بعض البدع والطقوس الوثنية المبتدعة، كتطبير الرأس، وضرب الظهر بالزناجيل الجارحة، والمشي على الجمر، وأيضا ما تسمى مجالس الشور، التي هي أشبه بالمراقص الليلية، ولكن بدل إن يذكر
فيها الطرب والغناء، يذكر اسم الإمام الحسين ويتم الرقص على جراح الإمام عليه السلام.
والجدير بالذكر إن شيعة العراق لم يكن يعرفون هذه الظواهر الغريبة، حتى نهاية القرن السادس عشر الميلادي، إلى حقبة الاحتلال البريطاني للعراق والوطن العربي في القرن الثامن عشر، والغريب بالأمر إن الشيعة ينقسمون إلى عدة فرق في كل عام من شهر محرم، حيث يقوم مجموعة بتطبير رؤوسهم، والمشي على الجمر، والضرب بالسلاسل، بحجة إن الحسين وأهل بيته تعرضوا لكل هذه الأمور المؤلمة، ومواساة للحسين فهم يقومون بهذه الإعمال المؤذية، ونستطيع إن نسميها فئة الروزخونين، والفريق الثاني وهم الذين ينتقدون هذه الظواهر، ويدعون إلى نقل صورة حية ومشرقة عن الحسين وثورته، بعيداً عن العاطفة ويدعون إلى التمسك بما تركه الحسين من نداء (لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا اقر لكم إقرار العبيد)
إما الفريق الثالث فهم فئة رجال الدين، الذين انقسموا أيضا فيما بينهم، بين مصدراً لفتاوى الحرمة والمنع والكف عن هذه الظواهر الوثنية، والفريق الأخر الذي لم يتكلم ولم يبدي رأي ولم يعطي إي كلمة في ما يخص موضوع الشعائر الدخيلة، وقد رفع قبل عامين نداءً وقعه عدد من الكتاب، إلى السيد علي السيستاني المرجع الديني الأعلى في العراق، وغيره من أئمة الشيعة، طالب النداء إصدار فتوى تحرم فيها ممارسة اللطم وتطبير الرؤوس والمشي على الجمر والطقوس الاخرى، واقترح أصحاب النداء أنه بدلاً من يقوم المطبرون بسفك دمائهم عبثاً بهذه الطريقة المكروهة، يمكن أن يتبرع هؤلاء بدمائهم إلى المحتاجين من المرضى في المستشفيات أو إلى جرحى الحشد الشعبي أو القوات الأمنية، ولكن مع الأسف الشديد وقع النداء على أذن صماء.
وماذا بعد؟
المشكلة هنا لا تكمن في إيذاء النفس فقط، وللأسف هذه العادة لم تتوقف عند البالغين الذين يمارسونها، بل راح هؤلاء يدفعون أطفالهم لممارستها، وحتى الأطفال الرضع يقومون بتطبير رؤوسهم ووفق مفاهيم التطور الحاصل في الزمن ، فهذا تجاوز على حقوق الطفل بأبشع الإشكال ، إضافة إلى المناظر البشعة والمقززة المثيرة للقرف والاشمئزاز، التي تخلفها هذه الظواهر وانعكست موازينها على تهديم ما بناه الإمام الحسين وما خرج من اجله قبل 1400 عام.
علينا إن نحد من هذه الظواهر التي أسأت ولا تزال تسيء لشخصية الحسين العظيم، الذي جسد أروع ملاحم النبل، والرقي، والأخلاق، وجسد أعظم لوحة بأصبعه المقطوع، ومن هذا المنبر نطالب المرجعية العليا الأولى في العراق، المتمثلة بالسيد السيستاني، بالتدخل لحل هذه المعمعة العويصة، التي حلت بين أبناء المذهب الشيعي وأخذت مأخذ كبير في نشر سلبياتها من خلال طمس معالم وأهداف ومبادئ القضية الحسينية.