استراتيجي إيراني يتسائل .. زيارة “أردوغان” إلى طهران تكنيكية أم استراتيجية ؟

استراتيجي إيراني يتسائل .. زيارة “أردوغان” إلى طهران تكنيكية أم استراتيجية ؟

خاص : ترجمة – محمد بناية :

يزور الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” العاصمة الإيرانية طهران، في ظل مخاطر التقسيم التي تتهدد منطقة الشرق الأوسط؛ بعد استفتاء “كردستان العراق”.

والنظر في أسباب ظهور تنظيم “داعش” ودفع الإقليم إلى إجراء الاستفتاء، يدفعنا إلى الاهتمام بشكل أكبر بالسياسات التركية خلال السنوات الأخيرة. لقد كان “أوردغان” ورؤيته التنافسية المذهبية سبباً في ظهور “داعش” وتدمير البنى التحتية في العراق وسوريا. على حد رؤية “صادق ملكي” الخبير والمحلل السياسي الإيراني؛ التي بلورها في مقاله التحليلي المنشور على موقع “الدبلوماسية” الإيراني.

تركيا تخشى “داعش” والأكراد..

إن الرؤية التركية السلبية للشرق الأوسط، (وإن كان الأكراد أهم الفائزين في ظل الأجواء الإقليمية)، لكن الخطر الأكبر أن تركيا تستشعر الخوف حيال “داعش” و”الأكراد”.

أرشفة الأوضاع الكردية في تركيا، والعودة إلى سياسات قمع واعتقال القيادات والنواب الأكراد، وعمليات الاعتقالات الواسعة، والتفجيرات المتعددة في تركيا وغيرها، هي في الجزء الأكبر منها نتاج السياسات التركية في المنطقة. في غضون ذلك، وصل الأمر إلى الانقلاب على “أردوغان”، والذي اتخذه ذريعة لنشر الاستبداد بدلاً عن الديمقراطية وتصوير نفسه كعدو للديمقراطية.

واليوم تفخر تركيا بمقتل عشرات الآلاف من عناصر “حزب العمال الكردستاني”، وفي الوقت نفسه “أردوغان” يعتبر “الأسد” مجرماً. بينما لا يوجد فرق إنساني بين قتلى النزاعات السورية والتركية، لكن هذا هو المزاح المرير للساحة السياسية، حيث قناة الرؤية السياسية النابعة عن القوة، تسمي الأول إرهابياً والثاني مناضلاً.

ورغم أن “أردوغان” لم يحقق النجاح الكامل في سياساته بسوريا والعراق، لكنه استطاع بعد تكبيد تركيا خسائر ثقيلة تجاوز المرحلة الصعبة، وتغيير المعادلات من الأزمات السورية والعراقية مقارنة بما كانت عليه قبل الأزمة.

الاعتقاد في تغيير استراتيجية “أردوغان” تفكير غير عملي..

“أردوغان” اليوم في طهران لعله يستطيع تحقيق باقي أهدافه في إطار السلام وليس الحرب. الاعتقاد في تغيير “أردوغان” واستراتيجية تركيا، في ظل انعدام المنافسة التخريبية مع إيران صعب جداً إن لم يكن غير ممكن.

إذ لايزال التاريخ كالعادة مصدر العقلية الأردوغانية التي ما يزالت تطمح إلى سلطان ودور قيادي يتعدى القدرات التركية. “أرودغان” يعتبر “الأسد” مجرماً، بينما يعلن بكل هدوء وفخر مقتل الالآف من عناصر “حزب العمال الكردستاني”، وقد تحولت تركيا إلى سجن كبير للصحافيين.

ويمثل عالم السياسة من منظور تركيا التي يحكمها “أردوغان”، مشهد تلبية المصالح بأي ثمن. وفي هذا الصدد فالطريق السريع الذي يتردد عليه “أردوغان” كان بنفس سعة واشنطن – موسكو، وبالتالي تمثل محطات مثل “تل أبيب وأربيل والرياض”، بل و”طهران” إذا استدعى الأمر، متنفس لتجديد القوة التركية.

المشهد الحالي لا يحتمل التجريب والخطأ والمخاطرة..

تصارع تركيا والمنطقة حالياً أزمة حقيقية متشابكة ومعقدة. فلم ولن يكون مجال الإدارة والعلاقات مع الدول الأخرى مشهداً للتجريب والخطأ والمخاطرة. إذ لا يجب أن تستحيل عامل أزمات في ضوء جغرافيا الشرق الأوسط الخاصة. وحين تسهل عملية الدخول في أزمة، فإن الخروج منها سيكون شديد الصعوبة. هذا هو وضع الشرق الأوسط حالياً، حيث تلعب تركيا دوراً خاصاً في هندسة الأزمات التي يعيشها.

إن التناقض في مواقف “أردوغان” ووزير الاقتصاد التركي “زیبکچی” و”غالب أنصار أوغلو” العضو النافذ في “حزب العدالة والتنمية”، من استفتاء إقليم كردستان؛ فهو وإن صدر عن رؤية تقسيم الأدوار والمسؤوليات بما يتواكب مع كل الأوضاع، لكنه من منظور آخر مؤشر على المأزق الذي تهيء تركيا نفسها لأجله.

ومع كل هذه التصريحات، وتطلعات استراتيجية اعتدال “روحاني” على الصعيدين الداخلي والخارجي، فهو يرحب بزيارة “أردوغان” آملاً في التغيير وفتح سبل تعاون جديدة.

لكن عندما تمثل زيارة “أردوغان” إلى إيران؛ منعطفاً في علاقات البلدين، حينها تكون الزيارة خطوة أكبر من مجرد زيارة تكتيكية تتضمن تغير استراتيجية الرؤية الأردوغانية ورفاقه حيال إيران.

إن العقلية الموجودة في تركيا ويشغلها بناء الجدر على الحدود، تعود إلى أربعمئة عام وتمنع نشر أخبار وإحصائيات حملات “داعش” الانتحارية ضد الشيعية في العراق، هي لازالت أسيرة الصراع التنافسي المدمر.

لابد من إنهاء المنافسة الجيوسياسية بين إيران وتركيا، وهذا المسار لن يتحقق إلا لو اتصلت الجيواستراتيجية للبلدين. إن الصراعات والمنافسات في الشرق الأوسط في الجزء الأكبر منها هى نتاج تدخل الأطراف الأجنبية من خارج هذه الجغرافيا. ولابد من إنهاء ذلك عبر التعاون الإيراني – التركي.

لا يجب تكرار تجربة أوروبا المريرة في الشرق الأوسط. لابد من التركيز على السلام والتعاون وإيجاد منطقة أقوى وليس إيران أو تركيا أقوى.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة