17 نوفمبر، 2024 7:42 م
Search
Close this search box.

ذكرياتي مع الرئيس مام طالباني

ذكرياتي مع الرئيس مام طالباني

مام جلال طالباني حالة عراقية نادرة ومتميزة يجمع بين الفكاهة والرهافة كما انه يمثل رجل الموازنات السياسية ورجل المرحلة الفارقة في تاريخ العراق .
عرفته عن قرب وجمعني معه اكثر من موقف وعمل اعلامي , كان الرجل متواضعا ويتعاطى بتلقائية مع الامور ويتحدث العربية بلكنة عراقية جميلة يؤنث ويذكر بطريقته الخاصة دون اي تكلف , وبحكم موقعي في سكرتارية صحيفة الشهادة الناطقة انذاك باسم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية طلب مني الشهيد عز الدين سليم باعتباره كان مسؤول وحدة الاعلام ان التقي بجلال طالباني للتنسيق الاعلامي مع الاتحاد الوطني الكردستاني , وبالفعل التقيت بمام طالباني ومسؤول اعلام الاتحاد انذاك السيد آزاد جندياني واجتمعنا عدة مرات في مقر المجلس بطهران انذاك او بمقر الاتحاد الوطني في طهران ايضا من اجل تعزيز التعاون الاعلامي وتبادل الاخبار والمعلومات والتنسيق في مواجهة الحملات والدعايات الاعلامية لنظام صدام المقبور .
لقد اكتشفت في مام طالباني خلال لقاءاتي به الكثير من المزاج العفوي والنمط الانساني والسجية المرنة رغم الانتماء الكردي الذي يبقى سياقا وخيارا استراتيجيا لايمكن التغافل عنه , واتذكر انه ذات مرة عندما كنا مجتمعين به بحضور الشهيد عز الدين سليم وطالب حجامي وابو زينب البصري الذي كان اول وزير للهجرة بعد سقوط نظام صدام طرح مام طالباني سؤالا حول سبب بقاء العقل الكردي طريا وطازجا مما اصابنا بالذهول لطبيعة السؤال لكنه ضحك وقال انا من يجيب عن ذلك لان الكرد لايستخدمون عقولهم لذلك تبقى طرية وطازجة مما اشاع اجواء الارتياح كما اتذكر انه عندما كنت مراسلا لمجلة البلاد اللبنانية في طهران اتصل بي رئيس تحريرها السيد محمد حسين عرندس وطلب مني اجراء مقابلة مع الطالباني عندما كان بزيارة الى طهران وبالفعل اتصلت به وذكرت له ان رئيس تحرير مجلة البلاد يريد اجراء مقابلة معه بخصوص العلاقات العربية الكردية بعد تصريحات للبرزاني انذاك استفز بها الدول العربية فحدد لي التاسعة مساء لاجراء الحوار ولكن عندما حان موعد اللقاء لم يات مام طالباني فاتصلت به مجددا وذكرته بالموعد فاعتذر قائلا قم انت بوضع الاسئلة والاجابة عنها نيابة عني وضحك قائلا ولكن ارسل لي نسخة من المجلة بعد صدورها وبالفعل اجريت اللقاء بطريقتي الخاصة واجبت نيابة عنه وبعد صدور المجلة ارسلت له نسخة منها فاتصل بي شاكرا لي هذه الاجابات وهمس لي قائلا :اتدري انك اجبت افضل مني وضحك كعادته.
اخبرته ذات مرة ان الفرق بينه وبين البرزاني الذي التقيته ايضا في شمال العراق بداية الثمانينات ان البرزاني جبلي بامتياز وانك اي الطالباني تنتمي لاهوار العراق فقال مازحا انا افضل حليب جاموس الاهوار على لبن اربيل .
طالباني لم يختلف بعد ان اصبح رئيسا للجمهورية بل انه كان ينكت بان كرديا صار رئيسا للعراق وقد سالته ذات مرة ماذا ترجو بعد وصولك لرئاسة الجمهورية قال ضاحكا ان اعيش في كوخ على الجبل وبالفعل كانت حياته بسيطة للغاية يتقاسمها بين المرح والترح ولكنه ورغم الطابع الفكاهي كان يتالم دون ان يشعر به احد حيث قال متالما ذات مرة هاهو مظفر النواب يصارع المرض ولايملك اي مال للعلاج ولكن عندما يموت سنصنع له تمثالا رائعاوقال بمرارة ماالفائدة عندما يموت العظام نتذكرهم فقط ونقيم لهم الاحتفالات ونمتدحهم ونثني عليهم.
هذه التساؤلات كانت مثيرة ومهمة ولكنها ظلت تلازم شخصيته في حله وترحاله حتى جاء دوره ليكون مادة اعلامية بعد موته فيما لم يشعر به احد خلال صراعه المرير مع مرضه في المانيا الا خلال استفتاء انفصال اقليم كردستان عن العراق عندما بصم بنعم لصالح الانفصال لينسجم بهذه الخطوة مع حجمه الحركي دون ان يرتقي الى فضاءات الكينونة الانسانية الكبرى وانه كان رئيسا للعراق ومع هذه الهفوة القاتلة في تاريخه اضافة الى رفضه التوقيع على اعدام الطاغية صدام يبقى مام جلال طالباني معلما مهما في تاريخ العراق الحديث وفي تاريخ المنطقة ليرحل في وقت خطير حيث تشظت فيه حركته الاتحاد الوطني الكردستاني الى ثلاثة اتجاهات متناحرة .

 

أحدث المقالات