إنَّ معركة كربلاء التي قتل فيها الإمام الحسين(ع)، مع عدد من أهل بيته وصحبه، في العام 61هـ. الموافق 680م. كانت ومازالت تمثل واحدة من الأمثلة الواضحة للصراع القائم منذ الأزل، بين معسكرين متضادين هما: معسكري الحق والباطل، وليست كربلاء المعركة الأولى التي مثلت الحق، ولا الأخيرة؛ لكنها حوت من المبادئ والمفارقات، مالم تحوّه أيّ معركة أخرى.
الحسين بن علي بن أبي طالب(ع)، سبط رسول الإسلام محمد خاتم الرسل والنبيين(ص)، خرج الحسين من مدينة جده، وقد بين للناس سبب خروجه بقوله:” إنما خرجتُ لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله، أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر…الخ”، وهنا بَيَّنَ هدف حركته، ألا وهو الاصلاح المواجه للفساد الذي تمارسه السلطة الحاكمة، بقيادة يزيد بن معاوية.
لم تكن حركة الاصلاح الحسينية انذاك، تهدف لكرسي السلطة، ولا الصراع فيها صراع على السلطة، بين الإمام الحسين ويزيد، ولأسباب متعددة، منها ما أشار له الكاتب الانجليزي كارلوس ديكنز بقوله:”إن كان الإمام الحسين قد حارب لأجل أهداف دنيوية، فأنني لا أدرك لماذا أصطحب معه الأطفال والصبية والنساء؟ إذن فالعقل يحكم أنه ضحى فقط لأجل الإسلام”.
إذن كان الصراع في معركة الطف، صراعاً لأجل مبادئ سامية، بين الإسلام وخاطفيه، فالإمام الحسين يرى أنَّ الدين المنّزل من السماء الذي جاء به النبي محمد، قد خٌطِفَ وغُيّبَ عن المجتمع، وإن استمر الحال كذلك، فإن الضلال مصير هذه الأمة، ولأن المهمة صعبة والقضية كبيرة؛ فتحتاج لتضحيات بحجم تلك القضية، لتثبِّت مبادئ دين الإسلام المحمدي الأصيل، الذي بُدِّل “بالدين الأموي” المنحرف.
قاتل الإمام الحسين من أجل قضيته، بكل الوسائل المتاحة له، وكان هدفه هو كشف زيف إدِّعاء أعداه، وبيان حقيقتهم المنافقة، التي تسلطت على المسلمين، فكان يسأل الجيش المحاصر له:” لِمَّ تقاتلوننا؟” فما كانوا يجيبون إلا بقولهم:” نقاتلك بغضاً منا لأبيك “! فأعداءه كانوا غير ملتزمين بالدين الإسلامي ولايعنيهم بشيء، كانوا يقاتلون من أجل المنافع الدنيوية والمال والمناصب، حتى أن الإمام الحسين خاطبهم:”إن لم يكن لكم دين؛ فكونوا أحرار في دنياكم”.
قَدَّمَ الإمام الحسين لأجل اصلاح المجتمع وحفظ دين الإسلام، أهله وولده وإخوته وصحبه، فلم يبق منهم سوى إبنه العليل، وطفل رضيع كان يتلضى عطشاً، فأخذه الحسين لجيش أعداءه، وطلب منهم أن يسقوه ويرجعوه، فما كان جوابهم إلا أن ذبحوا الطفل الرضيع بسهم، وهو بين يدي والده الحسين!
أسَّستْ دولة الأمويين لقتل الأبرياء والأطفال والنساء، فكانوا يقطعون الرؤوس ويكبرون “الله أكبر”، حتى بُتنّا نرى اليوم أن منظمات الإرهاب، كالقاعدة وداعش والنصرة، تقتل وتذبح بإسم الدين والإسلام، فهذه العصابات تتبع ذلك الجيش الأموي، الذي قتل الحسين وأهل بيته وسبى نساءه.
إنَّ الجيش المعادي للحسين، قد مثل الشر بكل صوره، فقتل الكبير والصغير حتى الطفل الرضيع، فأسَّسَ الأمويون، لقتل الأطفال والرضع والأبرياء، حتى أنهم أبادوا ذرية نبيهم وسبوا نساء أهل بيته، وكأنهم يريدون أن يمحوا دين الإسلام ورسالته السماوية، لكن تضحية الإمام الحسين بشكلها المأساوي، كانت بمستوى القضية، التي أيقضت الناس من غفلتهم، وأعادت الدين لمساره المحمدي، فكان المجتمع يحتاج لتلك التضحية بكل فصولها، حتى يتخلص من ظلمَّة الحكم الأموي المنحرف، المتسلط على المسلمين.