تبدا ذكريات احمد خلف في “الرواق الطويل” كتابه الصادر عن دار المدى ـ 2012 منذ عام 1969. وهناك سببان منطقيان لتلك البداية التي خصص لها جزء كبيرا من هذا الكتاب الذي يجمع بين ماهو ذاتي وما هو موضوعي, بين الانا والاخر, بين الواقعي والمتخيل. السبب الاول ان بدايته القصصية كانت مع نشر قصته الشهيرة “خوذة لرجل نصف ميت” في مجلة “الاداب” اللبنانية والتي ضمتها فيما بعد مجموعته القصصية “نزهة في شوارع مهجورة” عام 1974. وكانت الاداب ايام مجدها التليد على عهد مؤسسها سهيل ادريس قد بشرت ايضا بقصة “الارجوحة” للقاص المبدع محمد خضير والتي ضمتها فيما بعد مجموعته القصصية “المملكة السوداء” التي صدرت عام 1972. وكلتا القصتين حظيتا باهتمام نقدي عراقي وعربي معا. اما السبب الثاني فلان احمد خلف كان قد دخل الاذاعة عبر ما اسماه “الرواق الطويل” عام 1969. يقول احمد خلف “انما الرواق الذي يعنيني هنا هو رواق اذاعة بغداد بدء من عام 1969 حيث مجموعة الغرف المتقابلة التي تشكل جداري الرواق هي مأوى خيرة الاقلام الادبية التي ستحتفظ لها تلك الغرف برائحة الماضي الذي شكل مرعى الايام السعيدة لهؤلاء الادباء والكتاب” ويستعير التعبير الاخير من وليم فولكنر في وصفه للماضي. في “الرواق الطويل” لم يكتب خلف سيرته الذاتية بقدر ما استعرض وبحرفية عالية والاهم منها بمحبة وصدق سيرة الرواق ذاته. الرواق من حيث كونه ذاكرة مكان حي لايموت ومن حيث كونه شخوص لهم بصماتهم الواضحة على المشهد الثقافي والابداعي العراقي طوال العقود الاربعة الماضية بدء من حسب الشيخ جعفر ومحمد مبارك وحميد الخاقاني ومالك المطلبي مرورا بعبد الجبار عباس وحسين مردان وياسين النصير وطراد الكبيسي وفاضل ثامر وسعد البزاز وجمعة اللامي وعبد الرزاق رشيد وانتهاء بباسم عبد الحميد حمودي وعلي الطائي وعبد الامير الحصيري وغيرهم اخرون. اختزنت ذاكرة احمد خلف وقائع وذكريات واحداث وتقاليد عمل ومماحكات ونوادر وطرائف بشان ذلك المكان الذي لايكاد يغادر الذاكرة لانه يرفض ان ينتمي الى الماضي فقط لان له بعديه في الحاضر والمستقبل من خلال ما تحقق في ضوئه من منجز ثقافي وابداعي حفظته مكتبة الاذاعة التي كانت جزء حيويا من تلك الذاكرة الثقافية المتقدة والتي اطاحت بها يد الاقدار بعد عام 2003 حين تحول مبنى الاذاعة والتلفزيون الى مجرد قطعة شاحبة مفادها ومثلما يروي احمد خلف بحرقة “ان كل مايمت الى التراث الاذاعي والتلفزيوني تم الاجهاز عليه بقصدية معروفة وقد غدا هذا المبنى بعد مشاهدتي له اثرا بعد عين وقد علقت لافتة طويلة كتبت بحروف واضحة تقول .. (هنا سكن اسر شريفة لايجوز دخول المبنى ليلا)” .. لن اقول في الختام اكثر مما قال احمد خلف نفسه .. “لاتحتاج هذه العبارة الى تعقيب طويل” .. ولا قصير طبعا .. اضيف انا.