لقد كان أصحاب الحسين (عليهم السلام)، تعبيرٌ صادق عن الإخلاص للحقّ، والنقمة على الجور، إنّهم تعظيم للتضحية والفداء، وعنوان للحقّ والواجب والشجاعة، في قبِال الموت، إنّ هؤلاء العظام قد نظموا بجهادهم نشيد الحماسة، يرددون هتاف الحقّ والحقيقة والعدل.
كان سيِّد الشهداء في ليلة التاسع من المحرّم، على الرغم من أنّ الموقف كان رهيباً، والاستعداد على أشدّه، يفكر في أمر جيشه وأنصاره، حيث جمعهم وأمر أن يتم تسريحهم من الدفاع عنه والتخلي من المهمّة التي كلّفوا بها.
يقول لهم، أمّا بعد: «فإنّي لا أعلمُ لي أَصحاباً أوفى ولا خَيراً من أصحابي ولا أهل بَيتٍ أبرّ ولا أوصلَ من أهل بيتي فجزاكم اللَّه عنّي خَيراً، ألا وإنّي أظنّ يوماً من هؤلاء الأعداء غداً، ألا وإنّي أذنتُ لكم، فانطلقوا جميعاً في حلًّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً». وأضاف قوله: «ثمَّ ليأخذ كلّ رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي، ثمَّ تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرّج الله، فإنّ القوم إنّما يطلبوني، ولو قد أصابوني لهواً عن طلب غيري».
لقد تجلّت صور عمالقة كربلاء في ليلة عاشوراء، حيث رفضوا الدنيا وأكدوا أنّهم مرابطون ذاتياً وبإيمانهم وأبانوها ظاهرة حقيقة في يوم الواقعة. كان عليّ بن الحسين واحداً من أولئك الشجعان أوّلاً حقّاً، فهو يضارع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خلقه وأخلاقه، التي امتاز بها. وفي تراب تلك الواقعة تقدّم عليّ الأكبر للشهادة، فاستأذن أباه في القتال فأذن له، ثمّ نظر إليه الإمام (عليه السلام) نظرة آيس منه، وأرخى عينيه فبكى، ثمّ رفع سبّابتيه نحو السماء وقال: «اللهمَّ كن أنت الشهيد عليهم؛ فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكنّا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه. اللهمَّ فامنعهم بركات الأرض، وإن منعتهم ففرّقهم تفريقاً، ومزّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضِ الولاة عنهم أبداً؛ فإنّهم دعونا لينصرونا ثمَّ عدوا علينا يقاتلوننا ويقتلونا».
لقد آثر هذا العملاق الموت واستهان بالحياة في سبيل كرامته وعقيدته، كان مواسياً حريصاً صادقاً مع الإمام الحسين (عليه السلام)، وعليه فهو أوّل من اندفع بحماس من الهاشميين إلى حرب الأعداء، لم يبالِ بمجاهدة الظالمين.
قُتل علي الأكبر مدافعاً عن دينه وعقيدته بعد أن أدى واجبه بكلّ صدقٍ وإخلاص وحصل على الشهادة التي هي نعمةٌ إلهية نادرة، نعمة تقتضي شروطاً لابدّ من تحقيقها، إنّها تمثل دفاعاً عن قضية عادلة، قضية بيع النفس لله سبحانه وتعالى.