لا أَحَدَ لا مِنْ الكرد و لا مِنْ العرب ينكر حقيقة و واقع أستقلال اقليم كردستان في أدارة شوؤنه و ممارسة سلطاته الممنوحة اليه بموجب الدستور الاتحادي بل وتجاوزه عليها و ذلك منذ تسعينيات القرن الماضي . و سوء ممارسة تلك السلطات ( وخاصة في مجال النفط و الحدود و الأمن ) و أرادة و ممارسة التجاوز على السلطات و القوانين الاتحادية و قوانين الإقليم أفعال لم تتجرّدْ من اهداف سياسية استراتيجية اهمّها إضعاف العراق سياسياً و أقتصادياً و عسكرياً و النيل من مكانته و هيبته . أَوَلمْ يرجوا قادة الإقليم الادارة الامريكية في عهد الرئيس اوباما عدم إبرام اتفاق بيع او تسليم الطائرات الامريكية العسكرية الى العراق ؟ لم يحفظ الإقليم تجاه المركز أمانة والتزام التعاون الأمني بل عّوضها و جَزى المركز بضغينة الابتزاز و التناكف الأمني حين استقبل و رحّبَ واستضافَ و حمى الهاربين من العدالة والمحكومين من قبل القضاء الاتحادي و مِن بينهم ارهابيين و مطلوبين للعدالة الدولية و الإنتربول الدولي .
اليوم لسنا بحاجة الى مزيد من شواهد الامس للدلالة على أنٌَ مسيرة بعض قادة الإقليم تجاه العراق وشعبه سَعَتْ ليس للانفصال و حَسبْ و إنما الى اضعافه ، و تحقيق الانفصال يستوجب ويستلزم عراقاً مُنهكاً و ضعيفا. و فقاً لهذه المعادلة على القارئ الكريم أنْ يستنتج و يعللّ أسباب و مخرجات ما مّرَّ به العراق من ظواهر ( الارهاب و داعش و احتلال الموصل الخ … ) و ما واجهه العراق من تحديات ومن بينها استراتيجية الإقليم للانفصال و أضعاف العراق . و مَنْ يتبنى و يرعى استراتيجية الانفصال و الاضِعافْ ويتعامل مع الحكومة الاتحادية بأسلوب الابتزاز و الافتراء و التناكف الأمني و بأسم الشراكة في الوطن لا يجد في مصلحته بناء القدرات العسكرية والأمنية للعراق و يصطف مع المتأمرين على العراق دولاً و افرادً ومن قنوات الاصطفاف والتآمر الوقوف بالضّد من الحشد الشعبي مثلاً والسعي للنيّل من شرعيته و تشويه أهدافه .
مُبتغى ما تّقدمْ هو القول بأن الإقليم عاش وترعرع و ازدهر وهو كيان مستقل توافقياً و شرعياً لاتنقصّه الأموال و الواردات ولا العلم والنشيد و لا الجيش والمعدات ولا الحدود و العلاقات الخارجية ، ولم يك العراق بغافل عن استبداد او تجاوزات الاقليم في ممارسة سلطاته و سكوته لم يك رضا او ضعف و إنما وكما قالها صراحة السيد ر الوزراء في كلمته امام مجلس النواب يوم أمس ٢٠١٧/٩/٢٧ إرادة حرص على وحدة العراق وسيادته و اولوية معالجة تحدي داعش و الارهاب . اذاً كيف يمكن تفسير اقدام السيد مسعود برزاني على خطوة كهذه للانتقال بالإقليم من حالة استقلال او انفصال واقعي و فعلي و أسميتها بالفدراكردية الى حالة اقليم يواجه استحقاقات سيادية عراقية وسياسية إقليمية و دولية و يستعدي العراق و تركيا و ايران و سوريا و العالم باجمعه ؟. هل نحسبه إقداماً بخطوات سياسي مُحّنك و ذو حكمة كما وصَفه بيان وزارة الخارجية السعودية الصادر بتاريخ ٢٠١٧/٩/٢١( مداخلتنا في ذات التاريخ )، و اقدمَ ليترجم إرادة وطموح الإخوة الكرد مستنجداً بقول الشاعر ( وما استعصى على قوم منال
اذا الأقدام كان لهم ركابا؛ ؟ أم نحسبه مشروع ذو اجندات لايخص العراق فقط و إنما المنطقة ؟
مشروع لنقل الاقليم من حالة استقلال توافقي الى اقليم في حالة خصام و عداء مع العراق والمنطقة . مشروع لخلق فوضى وإدارتها في المنطقة بعد احتضار و فشل مشروع داعش .
للإجابة علينا بمعاينة مُعطيات تُعيننا و تقودنا اليها :
جاء او وُلِدَ المشروع في موسم انفتاح خليجي إسرائيلي وتبادل زيارات و إطلاق تصريحات تصّبُ في صالح المعنيين كما يَرَوْن هُم وفِي صالح الكيان الصهيوني ، تزامن مشروع الانفصال مع فشل مشروع داعش في العراق وفِي سوريا و من المؤكد بان من اهداف الارهاب وداعش في العراق هو تقسيمه ولان فشله (اي فشل مشروع داعش ) حال دون ذلك ،لم يعُدْ الانتظار ممكناً و مجزياً لمن يعنيهم تقسيم العراق وفِي مقدمتهم اسرائيل بطبيعة الحال وبعض قادة اقليم كردستان .
الذين وقفوا خلف داعش لدعمه و إسناده بالمال والسلاح والدعاية والإعلام هم ذاتهم او أغلبهم يقفون الآن مع مشروع السيد مسعود برزاني و سيدخِلون المنطقة في عبث و فوضى تحت عباءة التفرقة الاثنية (كردي ،عربي ، إسرائيلي ،عربي ) بدلا من سني ،شيعي ، و سيزداد اصحاب المشروع فرحاً و سرورا عندما يضاف الى السبب الاثني للنزاع والاحتراب والفوضى السبب الطائفي !
اضف الى ذلك مُعطى اخر وهو الحضور والدعم العلني الاسرائيلي البرزاني (حتى لا اقول الكردي ) المتبادل فيما بينهما فدعم اسرائيل وتصريحات قادة الكيان قابلها رفع اعلام اسرائيل والهتاف بأسمها وللأمر دلالات معنوية ونفسية وسياسية و دولية تدركها جيدا اسرائيل . هذه الإرهاصات ليست تلقائية او عفوية او تّمتْ دون تنظيم و رعاية رسمية من الاقليم و اسرائيل . هذه الإرهاصات تجد اسبابها و مصدرها و تكتسب رسميتها في تصريحات السيد برزاني وفِي مقارباته التي لجأ اليها وهو يبرر نفاذ صبرهم ككرد وطول انتظارهم و عجز العرب عن الإتيان بإنجاز تجاه اسرائيل التي حاربوها وانتصرت و توسّعتْ.
أحتلت اسرائيل موقع النموذج والقدوة في خطاب ومقاربات السيد مسعود البرزاني وهي رسائل موجه ليس فقط الى اسرائيل وانما الى اللوبيات الاسرائيلة و الصهيونية في امريكا و العالم .
الحضور الاسرائيلي في مشروع الانفصال و تعمّد السيد مسعود بإشهاره اعلاميا لم يرق لا لإيران و لا لتركيا ناهيك عن العراق شعباً و حكومةً، رأته تركياً استفزازاً و جاء وصف السيد اوردغان للسيد مسعود برزاني بالخائن بعد التمادي برفع الاعلام الاسرائيلية و التباهي بالعلاقة الاسرائيلية ،علاقة حسبوها الأتراك بانها على حساب العلاقة مع تركيا او دون التشاور مع تركيا . ايران هي الاخرى ترى الحضور الاسرائيلي في مشروع الانفصال الكردي تهديداً وجودي لها ولأمنها و ذا دلالة بهذا الشأن وصف السيد علي اكبر ولايتي للسيد مسعود برزاني حين نعته بتاجر الصهيونية لتقسيم المنطقة .
مُعطى اخر يضفي على السعي للانفصال صفة مشروع استراتيجي بهدف تقسيم العراق و المنطقة وإدخالهما في الفوضى هو الحضور الميداني في أربيل خلال ايام الاستفتاء لشخصيات صهيونية في فكرها وجهدها و مواقفها مثل المفكر الفرنسي ليفي واخرون.
سؤال اخر و اخير في هذه المداخلة تفرضه المرؤه و الأخلاق ؛هل أطمئنتْ نفوس بعض قادة الكرد الى وعود و عهود بني صهيون ومن يقف معهم وقد عرفهم التاريخ بنكث العهود و عراّهم الحاضر بالاحتلال والاغتصاب والجرائم وبث الفتن وتبنيها و دعم الارهاب واستخدامه ؟ أَ وَ لا يتعظون ( و اقصد بعض القادة الكرد ) من الماضي القريب و دروسه في ما آلت اليه مصير تحركاتهم في القرن الماضي و خذلان من دفعوهم وناصروهم ثم تخلوا عنهم !
ارادة العراق شعباً و حكومة – وهذا ما تجلى في كلمة السيد ر الوزراء واجراءات الحكومة – هو ليس العقاب و الانتقام وانما انتشال الاقليم من دواّر التآمر و التدويل باعتباره جزءاً من العراق . العراق عبر التاريخ كان و لايزال عراق بجغرافيته السياسية والتضاريسية لم يك لا كردستان و لا شيعيتان ولا سنستان . لاتتتغيّر الجغرافية والتضاريس وحدود وخرائط الدول والبلدان وفقاً للغة ساكنيها او قوميتهم او مذهبهم . إِنْ حدثَ إمر كهذا في افريقيا وكُتب عليه الفشل لن يحدث لا في العراق ولا في سوريا . وٓمٓنْ عٓرِفَ صفة التنوع الحضاري والاثني والقومي والديني وتعايش معها منذ آلاف السنين لا يهون عليه و لا بجوز له فقدانها .