لا شك ان اكثر ما يشغل الشارع العراقي هذه الايام هو الاستفتاء واسقاطاته وتاثيراته على مجمل الوضع في العراق ولا شك ايضا ان الحديث اللاعقلاني في ضل التصعيد الاعلامي بين الاكراد والعرب اخذ بعدا لا يحمد عقباه وكل منهم اخذه العنت والغطرسة لأبعد ما يكون ويستسهل الساسة العراقيون الدم العراقي اذا اهرق على ارض العراق بيد العراقيين ‘ ولم يجنح بشكل جاد كلا الطرفين لحل هذه الازمة بشكل مبكر .ولكي نضع القارئ بصورة الحدث علينا ان نعود الى الوراء ونستعيد المشهد والاشكاليات التي هيت لهذا الحدث وما سيؤل اليه من تغيرات. لا بد لنا قبل كل شيئ ان نقر بان الشعب الكردي في العراق قد ناضل نضالا مريرا في سبيل نيل حقوقه وقد قدم التضحيات الجسام في سبيل التغيير، وقد مرت مراحل وردية في سفر النضال الكردي ونيل هذه الحقوق في كنف الدولة العراقية كان اهمها وما زال هو بيان 11اذار سنة1970 وما نتج عنه من حكم ذاتي للشعب الكردي في العراق ‘ ورغم ان القيادات السياسية الكردية عدت هذا ( الحكم الذاتي) منجز دون مستوى الطموح وحملت السلاح ضد الحكومة العراقية وعادت لاسلوب الكفاح المسلح واستمر لغاية احداث حرب الخليج الثانية عام1991 وما نتج عنها من حماية دولية للمحافظات الكردية المشمولة بالحكم الذاتي والتي سميت فيما بعد باقليم كردستان وحاول في هذه الفترة ان يبني الاكراد بمساعدة الغرب نموذج الدولة التي يتمنون وتكون محط انظار المنطقة واعجابهم بيد ان هذا الامر كان يفتقر لعنصرين مهمين هما الاستقرار السياسي بين قطبي الاحزاب الكرديةوهما الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الكردستاني والثاني ضعف واردات الاقليم وهو على ما يبدو كان له الاثر الاساسي في عدم اعلان قيام الدولة الكردية‘ بعد هذا اشتد عود الاكراد من حيث زيادة التلاحم في سبيل المطالبة بالدولة الكردية وقد قامت قيادات كردستان ببناء جيلين من الشباب بعيدا عن تاثيرات العلم العراقي وقد استيقنت نفوسهم الدولة القومية والعمل الجاد في سبيل تحقيقها ولم يشعروا يوما بانتمائهم للعراق الا مضطرين من خلال الاوراق الرسمية التي يجب عليهم حملها ‘ وبعد هذا كله جائت الفرصة المناسبة باحتلال الامريكان وقوات التحالف للعراق واسقاط النظام السابق لتتحول بغداد الى عاصمة ضعيفة ذات قرار مرتبك وتعمل دونما ستراتيجية وطنية تهيمن عليها الاحزاب الطائفية ولتغرق في مستنقع الفساد والارهاب مما سهل لقوات البيشمركة التوسع في الاراضي العراقية خارج الاقليم مستغلة الظروف السابقة ومستغلة بعد ذلك سيطرة داعش على مساحات واسعة من العراق من ضمنها اراض متنازع عليها . واشتركت في عمليات تحرير هذه الاراضي من داعش دون ان تنسحب منهابعد تحريرها‘ ولكن القيادة السياسية الكردية اكدت ان العراق ما بعد داعش هو ليس العراق ما قبل داعش وان الخارطة السياسية والادارية سوف تتغير وكان هذا في ايام الاولى لسقوط المدن العراقية بيد داعش. بعد هذا الاستعراض المتواضع والسريع للمشهد من الزاوية الكردية نقف لنرى ان الدستور تضمن مواد لا دخل للدستور بها لتزيد الازمة وتحولها الى معضلة وهي بقاء وضع قوات البيشمركة على ما هو عليه قبل 2003 وعدم حسم الخارطة الادارية للاقليم واهمال التواجد الفدرالي في الاقليم وعدم غلق الملف الاقتصادي فبغداد كانت تتعامل مع الوضع الكردي على انه قنبلة موقوتة سوف تنفجر ولم تحرك ساكن في سبيل نزع فتيل الازمة بل كانت في بعض الاحيان تصب الزيت على النار في التعامل مع الشركاء الاكراد . هنا نورد ان ما من قائد سياسي عراقي تحرك بشكل جاد ووطني واخوي لانهاء الازمة والعمل بشكل عقلاني لوقف تداعيات التصريحات التي يطلقها الاخوة الاكراد حول العراق ما بعد داعش فعندما زال الخطر الى حد ما عن حدود كردستان قام الاكراد بالاستفتاء ليضعوا قدما في حلمهم . ولكن هنا يبرز سؤال مهم هل نحن نريد ان نتعايش مع الاكراد كابناء وطن واحد ام نحتاج مساحة اكبر لبلادنا؟! هل نحن لا نريد ان نفرط بشبر واحد من العراق ام هناك اسباب اقليمية اخرى تجعلنا نتخذ مثل هذا الموقف؟! الاكراد من جهتهم لم يكونوا يتصوروا هذا الرفض العالمي للاستفتاء وربما ولد خيبة امل كبيرة لديهم رغم انهم تعاملوا باساوب مسك العصى من النصف حيث اعلنوا اكثر من مرة ان الانفصال وارد ولكنه ليس الخيار الوحيد وليس الان ولم يشفع هذا لهم وهو ما شجع بغداد للتعامل بشكل اقوى مع الحدث . ولكننا نتسائل هل هذا التعامل سيولد نتائج ايجابية لحل الازمة الكردية ام سنزيد من نقمة الاكراد البسطاء على العراق ويكون موضوع الانفصال موضوع مؤجل فقد اثبتت التجارب مع الشعب الكردي وهو ديدن شعوب العالم انها ممكن ان تخسر مرحلة لكنها لن تستسلم ابدا عليه يجب الابتعاد عن الغطرسة والعنجهية الفارغة في التعامل مع المشكلة و العمل الجاد والوطني المسؤول مع جميع الملفات العالقة بين بغداد واربيل واغلاق المشكلات ينهما الى الابد.