خلال الأيام التي سبقت الإستفتاء في 25/9/2017، خرج الكثيرون في بغداد، دون أن يصارحوا الشعب بحقيقة أهدافهم، يوجهون رسائل صريحة لأربيل، يدعون فيها التغاضي عن الخروقات المستمرة للدستور والشراكة والتوافق والإتفاقات والعهود والاستفراد والتزوير، وعدم التوجه نحو تقرير المصير، وإلا فأن الحرب تضع أوزارها.
أربيل تجاهلت التهديدات وتوجهت نحو تعظيم آليات الديمقراطية والدستور وصناديق الإقتراع، وأجرت الإستفتاء، وشاهد الجميع الحماس والإقبال الشديدين للتعبير عن الرغبة في الإستقلال عن العراق.
بعدها، إجتاحت الساحة السياسية العراقية شعارات طائفية وقومية حاقدة تعزّز رؤية البحث عن بداية للتوجه نحو الحرب، وثمّةّ جانبان يمكن فهمهما من كلام الساسة العراقيين، طي صفحة الحقوق والقبول بالإذلال والإهانة والتهميش والإقصاء، أو الإستعداد لحرب لايمكن تسميتها بالأهلية لأنهم لايعتبروننا من أهليهم. يطلقون شراراتها الأولى، ليكمل الآخرون مشوارها، دون أن يعلموا أن سيناريوهات الدخول في الحروب، كثيرة، ويمكن الإشارة اليها بتوصيات شيطانية وخطوط عريضة، ودخولها من الأبواب المفتوحة والمغلقة بل حتى من النوافذ، ولكن سيناريو الخروج منها واحد يتدخل في حسم نتائجها عدد من العوامل المتغيرة والمصالح المتبادلة لغير المتحاربين.
الحرب تبدأ أحيانا من شرر صغير في نطاق ضيق، ولكن إن طالت وحصلت على الدعم الباطن والظاهر، من المؤيد القومي والحليف المذهبي ومن المصفق الديني والخبيث السياسي وبائعي السلاح، تختفي فيها القيم الإيجابية والإنسانية وتتحول الى آفة مدمرة للمدن والقرى والأرياف، وتتسم بالضراوة والعنف والقتل، وتخلف وراءها الكراهية والعداء والحقد والمرض والجوع، وأوضاعاً اقتصادية واجتماعية مأساوية، وأعداداً كبيرة من القتلى والجرحى، ومختفين ومهجرين ومشردين، وستساعد على ظهور جماعات منفلتة مسلحة ومبتزة قابلة للتأجير، وإستشراء الثأرات بين المنتصرين ضد المهزومين، أو من المهزومين ضد المنتصرين .
أما سيناريو الخروج منها (الحرب)، رغم إستحالة عودة الأمور الى أدراجها، فمرهون بإفرازات النتائج المتحققة والمحتملة ورضا أناس بيدهم قرارات السلام في العالم، وليست طهران أو أنقرة، وطبعاً ليست بغداد.
الذي سمعناه من السيد حيدر العبادي، خلال الأيام الماضية، لم نسمعه من صدام طوال سنوات حكمه. والذي سمعناه من بعض أعضاء حزب الدعوة لم نسمعه من حزب البعث. وما سمعناه من البرلمان العراقي ورئيسه سليم الجبوري لم نسمعه من المجلس الوطني البعثي ورئيسه المسكين سعدون حمادي. وما سمعناه من نواب الغفلة في البرلمان العراقي لم نسمعه من أعضاء القيادة القومية او القطرية للبعث. وما قرأناه في الإعلام من تحريض وكراهية مقيتة، لم نقرائها في صحف بابل والثورة، وبصراحة تامة شعرنا وكأننا نعيش حرب حقيقية بغيضة مستعرة .
مع ذلك ما زال رئيس حكومة الإقليم السيد نيجيرفان بارزاني يحتفظ بحلو الحديث، ويلوح بغصن الزيتون، لأنه عاقل لايريد الحرب، حيث أكد في مقابلة مع وكالة أنباء دوغان التركية على أن الحوار هي لغتنا، وأن السبيل الصحيح لحل المشكلات هو الدخول في مفاوضات قانونية ودستورية، حسب المواثيق والأعراف الدولية مع الحكومة العراقية على ضوء نتائج الاستفتاء. وقال: أن العقلية التي تدار بها العراق واللغة البعيدة عن الأخوة التي تتم مخاطبتنا عبرها الآن هي التي دفعتنا لإجراء الاستفتاء.