24 ديسمبر، 2024 4:00 ص

سهرة طربيّة في “الأوبرا السلطانية”

سهرة طربيّة في “الأوبرا السلطانية”

حين اتصل الناقد السينمائي الصديق عبدالله خميس ليدعوني لحضور حفل الفنانين القديرين اليمني أحمد فتحي والسوري صفوان بهلوان الذي أقامته دار الأوبرا السلطانية مساء الخميس الفائت ضمن موسمها الجديد استدعيت حفلا حضرته له بصنعاء العام1997 فعندما انتهت جلسة من جلسات مجلس د. عبدالعزيز المقالح الذي يقيمه بمركز البحوث والدراسات اليمني اتجه المقالح ناحيتي وهمس بأذني كعادته في الكلام: “هل تود مرافقتي لحضور حفل تكريمي تقيمه وزارة الثقافة لأحمد فتحي بالمركز الثقافي؟”، فقلت له: “بكل سرور” قال: “تفضل معي إذن”.
ركبنا سيارته وخلال الطريق حدّثني عن علاقته بالمطرب أحمد فتحي حيث أخذ بيده في بداياته وكتب له العديد من القصائد التي لحنها وأداها وقال إنه ظل على تواصل معه حتى عندما اختار فتحي الإقامة في القاهرة، وكلما يزور بلده اليمن يلتقي به لذا وجد حرجا في عدم تلبية دعوته، فذكرتني هذه العلاقة الفنية بعلاقة أمير الشعراء أحمد شوقي بالفنان محمد عبدالوهاب وكيف أثمرت تلك العلاقة عن أغانٍ رائعة من أبرزها “يا جارة الوادي”، فالكلمة بدون لحن تبقى حبيسة الأوراق، ولحن بلا كلمة لمبدع خلاق يتهاوى ويسقط في هوة النسيان، وحين يسند الكلمة لحن جميل وصوت شجي تحقق لها النجاح وتضمن الخلود، وهكذا ظلت أغاني أم كلثوم التي كتبها أحمد رامي وبيرم التونسي وجورج جردق وإبراهيم ناجي خالدة ترددها الأجيال، حين وصلنا القاعة كان الحفل لم يبدأ بعد رغم أن المحتفى به كان قد سبقنا إلى القاعة، وما أن دخل المقالح القاعة حتى ضجت بالتصفيق الحار، فالمقالح يمتلك حضورا وتقديرا من اليمنيين والعرب على حد سواء أينما يحل، وعلى الفور هرع أحمد فتحي لاحتضانه وأجلسه بالقرب منه.
كان ذلك اللقاء هو لقائي الأول بأحمد فتحي الذي سمعت عنه الكثير كونه من الفنانين الملتزمين الذين جعلوا الغناء وسيلة للارتقاء بالذوق والحس حيث درس الموسيقى ونال درجة الماجستير في العلوم الموسيقية وتعلم العزف على أيدي كبار العازفين وصقل موهبته بالعمل والدأب المستمرين ونهل من التراث الغنائي ووظفه في أغانيه، فقدم لونا يطرب الأسماع ويرتقي بالذائقة، وهذا ما رأيناه في العرض الذي أقيم تحت قيادة المايسترو صلاح غباشي، مدير فرقة عبد الحليم نويرة للموسيقى العربية.
حين دخل فتحي مرتديا بدلة بيضاء متأبطا عوده ليعزف على أوتاره موسيقى “ساكورا” و”بلقيس”، و”اروى”، و”ليالي سبأ”، وأغنية “حبيبي تعال” وهي من كلمات الشاعر محمود الحاج، وأغنية “سهرت الليل” وهي من كلمات هالة معتوق، وأغنية “جرب تجي” وهي من كلمات الأمير بندر بن فهد، وأغنية “ارجعي” للشاعر السعودي ساري، و”سيدي رفقًا” للشاعر محمود الحاج، وأغنية “صنعانية” لـ د.عبدالعزيز المقالح التي قال إنه استفاد بها من المزج بين التراث اليمني والغناء الهندي، هذه المزاوجة جعلت الجمهور يتفاعل ويصفق بحرارة لهذا الفنان اليمني الذي نقلنا إلى رموز حضارية يمنية هي جزء من رموزنا: بلقيس وأروى وسبأ.
وجاء دور المطرب السوري صفوان بهلوان ليضفي على السهرة نكهة “وهّابيّة”- نسبة إلى عبدالوهّاب من خلال أغانيه “يا مسافر وحدك”، “سهرت” و”أخي جاوز الظالمون المدى” لعلي محمود طه التي قاطعه الجمهور بالتصفيق و”كان أجمل يوم” للشاعر حسين السيد وموال “اللي انكتب لي” للشاعر إبراهيم عبدالله، وأغنية “ايه انكتب لي” للشاعر أمين عزت الهجين، وقصيدة “ثغر الأصيل” وهي من كلمات الشاعر مصطفى عثمان ومن ألحانه.
حين أنهى فقرته ظل الجمهور يصفق طويلا وكأنه لا يريد له أن يتوقف عن الغناء وهذا يؤكد أن الفن الأصيل له جمهوره ومحبوه، عندما خرجنا همست بأذن القاص محمود الرحبي: “لو سمع أصحاب النفوس المريضة هذا الغناء ألا يشفون من أمراضهم؟، “هز رأسه وأجاب: بالتأكيد، فهذه هي وظيفة الفن الارتقاء بالنفوس.