22 سبتمبر، 2024 7:27 م
Search
Close this search box.

“فروغ فرخزاد” .. شاعرة إيرانية نحت الغضب والمعاناة النفسية شخصيتها الأدبية !

“فروغ فرخزاد” .. شاعرة إيرانية نحت الغضب والمعاناة النفسية شخصيتها الأدبية !

خاص : كتبت – سماح عادل :

“فروغ فرخزاد” شاعرة إيرانية تعتبر علامة في الشعر الفارسي وفي الأدب النسوي، فضلاً عن كونها مخرجة سينمائية متميزة، وكاتبة سيناريو، وفنانة تشكيلية.. اسمها “فروغ الزمان فرخزاد”، ولدت سنة 1935 في طهران ولها ستة أشقاء، كانت الابنة الرابعة في أسرتها.. تكبرها أختها “بوران فرخزاد”، الكاتبة والمترجمة التي صدر لها ثلاثون كتاباً، وأخوها “فريدون فرخزاد” كان شاعراً ومطرباً، درس في ألمانيا وعاد إلى إيران وعمل أعواماً في الإذاعة والتلفاز، وقتل في ألمانيا لاتهامه بمعارضة الدولة الإسلامية.

استكملت دراستها حتى الصف التاسع، وحين أتمت عامها السادس عشر تزوجت من “برويز شابور”، رسام كاريكاتير شهير، عاشت معه ثلاث سنوات وانتهى زواجها بالطلاق عام 1956 وعادت إلى طهران، وظلت لفترة في مستشفى للأمراض النفسية بسبب حرمانها من طفلها، حيث لا يعطي القانون الإيراني للأم الحق في حضانة أطفالها ويعطيها للأب، وقد أثرت فيها العادات والتقاليد المحافظة والتي اضطهدتها بعد طلاقها، كما كان لحرمانها من طفلها أثر كبير عليها فكتبت قائلة: “أردت أن أكون امرأة، أي أن أكون – كائناً بشرياً – أردت أن أقول إنني أنا أيضاً لي الحق في أن أتنفس وأن أصرخ، لكن الآخرين أرادوا أن يخنقوا ويخرسوا صراخي على شفتي، وأنفاسي في رئتي”.

مواهب مختلفة..

في 1952 نشرت “فروغ” عدد من قصائدها في مجلات معروفة، مثل مجلة (روشنفكر)، وفي 1953 أصدرت أول ديوان لها بعنوان: (الأسيرة)، حيث صدر طبعتين منه.

ليأتي عام 1956 وقد نشرت ثاني ديوان لها بعنوان: (الجدار)، ثم بدأت تتدرب على التمثيل المسرحيّ، وسافرت إلى إيطاليا وشاركت في أفلام قصيرة بأدوار ثانوية، وعملت في دبلجة الأفلام باللغة الفارسية، وفى 1957 صدر ديوانها الثالث بعنوان: (تمرد)، وصدر الديوان الرابع (ولادة أخرى) في 1964، وفي 1958 ترجمت أشعارها إلى اللغة الألمانية بمساعدة أخيها “أمير مسعود”، ثم عادت في نهاية ذلك العام إلى إيران.

أما في عام 1959، عملت في “مؤسسة كلستان للأفلام”، حيث تعرفت على القاص والفنان الإيراني الشهير “إبراهيم كلستان”، وفي 1960 أُرسلت إلى إنكلترا من قِبل “إبراهيم كلستان” للمشاركة في دورات تدريبيّة لصناعة الأفلام، ثم عادت في ذلك العام لتدخل تجربة الإخراج السينمائي للأفلام الوثائقيّة.

في1961 بدأت التمثيل في الأفلام القصيرة بالتعاون مع “المؤسسة الدوليّة الكندية”، وأعدت فيلم (الخطوبة) المنتج من قبل نفس المؤسسة، وشاركت في صناعة فيلم بعنوان (الماء والنار)، وفي 1962 سافرت ثانية إلى ألمانيا للمشاركة في دورات تدريب سينمائية، وبعد رجوعها تعاونت مع الشاعر “سهراب سبهري” في فيلم قصير تابع لمؤسسة “كيهان الثقافية”.

وخلال 1963 سافرت إلى شمال غرب إيران لعمل فيلم وثائقي عن حياة المصابين بالجذام، باسم (البيت أسود) بالتعاون مع “جمعية إغاثة المصابين بالجذام”، وتبنت “حسين منصوري”، الطفل الذي كان والداه من المصابين هناك، كما شاركت في نهاية العام بترجمة مسرحية (القديسة جان) من تأليف “جورج برناردشو”.

في 1964 شاركت في مسرحية (ست شخصيات تبحث عن مؤلف)، من أعمال الكاتب “لويغي بيرانديلو” وإخراج “برى صالحي”، كما تم تكريمها عن الفيلم الوثائقي (البيت أسود) من قبل مهرجان “أوبر هاوزن” في ألمانيّا، وفي 1965 نشرت مختارات من أعمالها في دار (مرواريد)، شاركت في التمثيل في فيلم من إخراج “إبراهيم كلستان” باسم (آجُرَّة ومرآة)، وشاركت في كتاب (مختارات من الشعراء المعاصرين)، كما سافرت في نفس العام إلى إيطاليا وألمانيا وفرنسا، وتعلمت الألمانية والإيطالية وتعاونت مع منظمة “اليونيسكو”، لإعداد فيلم لمدة نصف ساعة عن مسيرتها، وأنجز المخرج الإيطالي “برناردو برتولوشي” فيلماً مدته ربع ساعة عن حياتها.

سافرت إلى إيطاليا عام 1966، وشاركت في الدورة الثانية لمهرجان “بيزارو” للتأليف السينمائي وتم تكريمها، وفى نفس العام سافرت إلى السويد وتلقت عرضاً لعمل فيلم هناك، ووافقت على ترجمة وطبع أشعارها باللغات الألمانية، الإنكليزية، الفرنسية والسويدية.

ماتت في 1967 في حادث سير ودُفنت في طهران، في 1974 نُشر ديوانها الخامس “فلنؤمن بطليعة الموسم البارد”.

الحزن واليأس..

ظهرت دراسة بعنوان: (الحزن والقنوط في أشعار فروغ فرخزاد)، للباحث الإيراني “مقصود عباسي”، الذي رأى: “إنها تعاني من آلام حیاتها وتفرش ذکریات الطفولة أمام عینها، قلقة إزاء لحظة الحاضر وخائفة من الغد المجهول، وتعتقد الشاعرة أنها لا تستطیع الهروب من الآلام والأحزان، یوجد الحزن، القنوط، اليأس والاضطراب في بعض أشعارها، دوافع الحزن کثیرة عندها، منها: (اليأس العاطفي) ووجودها في الأسرة أيام طفولتها، و(فشلها في الزواج). إذاً روح الحزن والقنوط واليأس تغلب علی شعرها، وقد صار الحزن محوراً أساسياً في أشعارها”.

يضيف “مقصود عباسي”: “جاءت فروغ فرخزاد إلى الشعر حاملة رقة العواطف وقوة الموهبة وثقافة عالية أخذتها من جهات عدة في الشرق والغرب، واتسمت كتابتها منذ البدء بنبرة جديدة, مغايرة, تكتنز رؤية ذاتية فريدة. بدأت بالتمرد والعصيان على ما هو قائم فأصدرت على التوالي, وفي شكل سريع, كما لو كانت في عجلة من أمرها, دواوين: (الأسير), (الجدار), (العصيان). ثم صدر ديوانها الشهير (ولادة أخرى), فكان بمثابة ولادة جديدة للشعر الفارسي عامة والشعر النسائي على وجه الخصوص. كانت قصائد الديوان مثل أناشيد صارخة تصور السلوك الإنساني الحائر وسط كومة من الحصارات. وفي ما بعد كتبت ديوانها الأخير, قبل موتها, والذي صدر بعنوان (فلنؤمن بشروع الفصل البارد), وفيه وضعت نفسها وسط اللجة وبدت مثل طائر صغير يرفرف عالياً بعيداً قليلاً عن أسراب الطير. هذا الديوان يعد واحداً من أكثر كتابات فروغ فرخزاد حزناً, حيث تمتلئ القصائد بصور وتعابير مغلفة بثوب المأساة. مأساة الإنسان, الوحيد, الضعيف في هذا العالم المخيف. فالعلاقات المتصدعة وصلات الحب الفاشلة، والزيجات المفككة تملأ صفحات دواوين فرخزاد. فكل من العاشق والمعشوق، الظالم والمظلوم، العصفور والسجّان، أثبتَ أنه يعاني من تبني الدور المفروض عليه. وكل من السيد والعبد، الظافر والضحية، المفترس والفريسة، الرجل والمرأة يقاسي نار خيبة أمله واستيائه،فإن الشاعرة الإيرانية تعاني من آلام حياتها وأشعار فروغ فرخزاد، تشبه أشعار تويوتاما تسوند، إضافة إلى الشعرية العالية الآسرة في الكلمات، فإنها تعبر عن أزمة الإنسان في مجتمع يعاني من نقص الحريات، ويحرم الأشخاص من التعبير بدقة وصراحة عن أحاسيسهم وأفكارهم”.

المعاناة والألم النفسي..

تقول “فروغ” في إحدى رسائلها: “أحسّ أني خسرت عمري كله، كان علي أن أعرف أقل بكثير من خبرة السبعة والعشرين عاماً، لعل السبب يكمن في أن حياتي لم تكن مضيئة، فالحب، وزواجي المضحك في السادسة عشرة زلزلاً أركان حياتي. على الدوام لم يكن لي مرشد، لم يربني أحد فكرياً وروحياً. كل ما لدي هو مني، وكل ما لم أحصل عليه كان بمقدوري امتلاكه لولا انحرافي وعدم معرفتي لنفسي. عراقيل الحياة منعتني من الوصول لكنني أريد أن‏ أبدأ”.. ‏

وفي رسالة أخرى تعبر عن معاناتها: “أريد تمزيق كل شيء.. أريد أن أتقوقع في ذاتي ما أمكنني. أريد الانطواء في أعماق الأرض، فهناك حبي، هناك عندما تخضر البذور وتتواشج الجذور يلتقي التفسخ والانبعاث، وجود ما قبل الولادة وما بعد الولادة، كأنما جسدي شكل مؤقت سرعان ما سيزول. أريد الوصول إلى‏ الأصل، أرغب في تعليق قلبي على الأغصان مثل‏ فاكهة طازجة”.

وعبر رسالة إلى صديقها القاص الإيراني “إبراهيم كلستاني” تقول: “سعيدة أنا، لأن شعري صار أبيض وجبيني تغضن وانعقدت بين حاجبي تجعيدتان كبيرتان رسختا على بشرتي، سعادتي هي أني لم أعد حالمة. قريباً سأبلغ الثانية والثلاثين، صحيح أن الـ32 عاماً هي حياتي التي تركتها خلفي وأتممتها، لكن ما يشفع لي هو أنني وجدت فيها نفسي”.

“فروغ” في عيون الآخرين..

يقول عنها الناقد الإيراني “عبد العلي دستغيب”: “دائماً تفرش ذكريات الطفولة أمام عينيها على خط مليء بالتمرد، قلقة إزاء لحظة الحاضر وخائفة من الغد المجهول الذي يجبرها على اللجوء إلى ذكريات الطفولة”.

ويوضح الباحث “مايكل هلمان”، في كتابه (امرأة وحيدة: فروغ فرخزاد وأشعارها)، قائلاً: “يروي عارفوها أنها كانت عدائية، جامحة، تهين الآخرين في مناسبات اجتماعية كثيرة”.

يرى “مايكل هلمان”، في كتابه، كيف أن العديد من الكتّاب والشعراء الإيرانيين ضربوا على صدورهم وقاموا بقراءة المراثي وأظهروا الكثير من الحزن على زميلتهم الراحلة، في حين أن هؤلاء أنفسهم هم الذين آذوا “فروغ” في حياتها، وشهّروا بها وبسلوكها المتحرر إلى أقصى حدود التشهير. وينقل “هلمان” عن “بوران”، شقيقة الشاعرة الراحلة: “لم يكن أصدقاؤها ليتعدوا أصابع اليد الواحدة، لكن بعد مماتها، أي شخص كنت تلتقيه كان يخبرك عن علاقته بها. في كل جريدة كنت تتصفحها تقرأ يميناً وشمالاً مقالات تتذكر “فروغ” ومراثي وتنهدات وندماً، كل هذا كان يصدر عن أشخاص لم يؤدوا أي دور في حياتها، بل قاموا بمضايقتها قدر الإمكان ودفعوا بها تدريجياً نحو الدمار”.

وتقول الكاتبة الإيرانية “فرزانة ميلاني”: “حصر التحليل النقدي لشعر فرخزاد في استغراق وحيد بجانب واحد، للحب، ألا وهو الجنسي بصورة رئيسة، ليس إلا تتفيها لشعرها وإهمالاً ميزاته الأخرى الكثيرة.‏ وإحدى النتائج الدقيقة لهذا الإفراط في تصوير الحب الجنسي هو رفض شعرها من البعض بوصفه (عاطفياً وشهوانياً) وبالتالي (غير مهم). فعندما اخترت دراسة (نسوية) لشعرها كموضوع لأطروحتي في منتصف السبعينيات، دهشت تماماً لرد فعل الناس. وقد تراوح الجدل ضد ذاك الخيار بين السلطوي المحض والجنساني”.

وقال “محمد رضا شفيعي الكدكني”، الشاعر الأكثر شهرة في  إيران ممن ما زالوا على قيد الحياة، في حديث لصحيفة “الغارديان” البريطانية من طهران، “أنها شاعرة محدثة  حقاً”، كانت طبيعية جداً. و كانت مثالاً للشاعر الحقيقي في زمنها، لم تكن ترتدي الأقنعة، وهذا هو السبب في أننا لازلنا إلى اليوم نقرأ شعرها، وسنقرأه في المستقبل أيضاً”.

اعتراف متأخر..

بعد خمسين عاماً على رحيل “فروغ فرخزاد” اعترف القاص الإيراني “إبراهيم كلستاني”، الذي يعيش في إنكلترا منذ زمن طويل، في حوار له لصحيفة “الغارديان”، بعلاقة حب متبادلة كانت بينه وبينها، ووصفها بالشاعرة التي كتبت بصدق عن أكثر المشاعر الإنسانية جوهرية. وقال: “أنا آسف أنها ليست موجودة كل هذه السنوات، كنا مقربين جداً، لكني لا أستطيع قياس مشاعري تجاهها، هل أستطيع ؟.. بالكيلومترات ؟.. بالأمتار ؟”.

يحكي “إبراهيم كلستاني” أن صديقين عرفاه على “فروغ” في أواخر الخمسينيات، وقد وظفها في مكتبه، ثم نشأت علاقة عشق بينهما، وقد أجمع عدد من الباحثين على تأثر “فروغ” بـ”كلستاني”، الذي عرّفها على الأدب الغربي الحديث، قبل أن تخرج معه فيلم (البيت أسود)، بعد سنوات من موت “فروغ” غادر “كلستاني” إيران، بسبب رفضه للمناخ السياسي تحت حكم الشاه، وعاش في إنكلترا منذ 1975، ولم يعد إلى بلاده أبداً.

يعترف “كلستاني” أنه أحب “فروغ” كما أحب زوجته، التي كانت تعلم بعلاقتهما، يقول: “تخيل أن لديك أربعة أبناء، هل ستتوقف عن حب أحدهما لأنك تحب الآخر ؟.. تستطيع أن تحمل مشاعر لكليهما، تستطيع أن تحب شخصين”.

ونشرت الباحثة الإيرانية، “فرزانه ميلاني”، كتاباً عن حياة “فروغ”، ضمنت فيه رسائل غير منشورة لها، منها رسائل عاطفية بعثتها إلى “كلستاني”، وفي إحدى تلك الرسائل التي يعتقد أنه كتب قبل عام من وفاتها، كتبت “فروغ”: “أنت أعز ما لدي في الدنيا، أنت الوحيد الذي أستطيع أن أحبه، شاهي، أحبك، أحبك إلى حد أنه يرعبني ماذا قد أفعل إن اختفيت فجأة.. سأصير بئراً فارغة”.

قصيدة في شوارع الليل الباردة..

فروغ فرخزاد

 

أنا لست نادمة‏

أنا أفكر بهذا الاستسلام‏

هذا الاستسلام المعفّر بالألم‏

أني قَبَّلتُ صليب قدري‏

على مرتفع تلال مقتلي.‏

في شوارع الليل الباردة‏

الأزواج دائما يهجرون بعضهم مترددين‏

في شوارع الليل الباردة‏

لا صوت سوى: الوداع…الوداع…‏

أنا لست نادمة‏

كأنما قلبي يجري في تلك الجهة من الزمن‏

الحياة ستكرر قلبي‏

وزهرة القاصد التي تجري على بحيرات الريح‏

هي التي ستكررني.‏

آه، هل ترى‏

كيف يتمزق جلدي ؟‏

وكيف حليب نهدي الباردين‏

يتجمّد في عروقي المزرقة ؟‏

والدم كيف يبدأ نموّه الغضروفي‏

في معصمي الصبور؟‏

أنك، أنا، أنت‏

والذي أحبه.‏

وكنتَ الذي يجد فجأة في داخله مرة أخرى‏

اتصالاً أبكم‏

مع آلاف الأشياء المحملة بغرابة مجهولة‏

وكل شهوة الأرض الحادة‏

التي تمتص كل المياه في داخلها‏

لتحبل كل السهول‏

اسمعْ‏

إلى صوتي بعيد المدى‏

في ضباب التهجّد الكثيف‏

للقائمين في السَحَرْ‏

وأبصرْني في صمت المرايا‏

كيف ألمس بما تبقى من يدي،‏

مرة أخرى، العمقَ المظلمَ لكل الأحلام‏

وأَوشمُ قلبي كالبقع الدامية‏

على سعادات الوجود البريئة.‏

أنا لست نادمة‏

مني أنا، يا حبيبي، تكلّمْ مع الأنا الأخرى‏

التي ستجدها أنت مرة أخرى بهاتين العينين العاشقتين‏

في شوارع الليل الباردة.‏

واذكرني في قبلتها الحزينة.‏

على الغضون التي تحت عينيك الرحيمتين.‏

ترجمة: ناطق عزيز – أحمد عبد الحسين

مخـتارات من كتاب: (عمدني بنبيذ الأمواج)

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة