22 سبتمبر، 2024 7:38 م
Search
Close this search box.

“بنات حواء الثلاث” .. تنازع دوامات الهوية في صحراء فوضى الشرق الأوسط !

“بنات حواء الثلاث” .. تنازع دوامات الهوية في صحراء فوضى الشرق الأوسط !

خاص: قراءة – سماح عادل :

في روايتها الجديدة (بنات حواء الثلاث)، ترجمة “محمد درويش”، إصدار دار الآداب 2017.. تتناول الكاتبة التركية “أليف شفاق” تناقضات الهوية، ليس في تركيا وحدها، وإنما في منطقة الشرق الأوسط بكاملها، وتتخذ نموذجاً من بلدان “مصر، وإيران، وتركيا”.

الرواية تحكي عن ثلاث فتيات من “مصر، وتركيا، وإيران”، يجتمعن في منزل بعد أن تجمعهن جامعة “أكسفورد” البريطانية، والفتيات الثلاث يتوزعن ما بين المؤمنة والمتمردة والمترددة.. تحكي الكاتبة من خلال البطلة التركية الرئيسة “بيري” عن تنازع الهوية، الذي بدأ منذ وقت بعيد، والذي أصبح سبباً رئيساً للفوضى التي أصبحت تسود في الشرق الأوسط.

الشخصيات..

“ناز پري نلبنت أوغلو”.. أو “بيري”: البطلة الرئيسة في الرواية.. امرأة في الأربعينات من عمرها، متزوجة ولديها ثلاثة أطفال، هي ربة منزل وتساعد زوجها في عمله.. تحكي عنها الرواية منذ كانت طفلة وترصد باقي حياتها إلى أن تصبح طالبة في جامعة “أكسفورد”.. هي فتاة حائرة بسبب التناقض الشديد بين أبيها وأمها، والذي خلف لديها حيرة وتردد ما بين الإيمان والإلحاد، ما بين النزعة التحررية العلمانية وما بين التشدد الديني، لم تحل هذا التردد والتوزع في الهوية إلا في نهاية الرواية.

سلمى: أم “بيري”.. امرأة مكتئبة محبطة تلجأ إلى الدين كوسيلة للتخلص من إحباطاتها الحياتية، تتقرب إلى الإله وتتحجب وتصبح بذلك نقيضاً لزوجها العلماني، ورغم ذلك تظل تعيش معه في حياة مليئة بالشجارات والخلافات اليومية.

منصور: والد “بيري”.. رجل علماني متفتح، يكره التشدد الديني ويرى أن هوية تركيا علمانية، استطاع “اتاتورك” أن يدشنها في فترة حكمة، ويكره اختلاف زوجته وتدينها.. يشرب الكحول بشكل يومي، ويشجع ابنته على أن تتفوق في دراستها وأن تنمي شخصيتها.

شيرين: فتاة متمردة إيرانية.. هاجرت أسرتها بعد ثورة إيران الإسلامية وكانت وقتها طفلة صغيرة، فعاشت طفولتها في تنقل ما بين الدول الأوروبية “السويد وبريطانيا”، وكرهت التشدد الديني بما جعلها تكره الدين بمجمله وتأخذ موقفاً معادياً من المؤمنين.. هي طالبة في “أكسفورد” حاولت التخلص من عدائيتها والتعايش مع أنماط مختلفة من البشر بإيعاز من أستاذها، لذا سعت إلى السكن مع “بيري” و”منى” والتعايش معهما.

منى: فتاة من أصول مصرية لكنها ولدت في أميركا.. حاولت أسرتها العودة إلى مصر لكنها لم تتحمل العيش فيها وعادت إلى أميركا، أبوها متحرر وأمها متدينة، واختارت هي أن تكون مؤمنة وترتدي الحجاب وتدافع عن دينها.

آزور: أستاذ في جامعة “أكسفورد”.. يدرس مادة علمية عن الرب، يستخدم طريقة تعليم مغايرة ومختلفة، يحاول فيه تحرير الطلاب من انتماءاتهم الدينية العنصرية وتفتيح عقولهم لتتقبل الآخر، مهما كان مختلفاً ومعادياً، مؤكداً على المعنى الأكبر والأرحب لفكرة الإله، بعيداً عن التصنيفات المعروفة عالمياً بين الأديان المختلفة، ورغم هدفه النبيل يصبح له أعداء من بعض الطلاب، الذين لا يتخلون عن عنصريتهم ويتعمدون آذيته، كان أستاذاً للفتيات الثلاث وأعجبن بطريقته واستطاع أن يغير في طريقة تفكيرهن.

الراوي..

راوي عليم.. يركز حكيه على شخصية واحدة هي “بيري”، ويحكي عن باقي الشخصيات في تقاطعها مع “بيري” وعلاقتهم بها.

السرد..

الرواية مقسمة إلى أربعة أقسام.. يتنقل السرد ما بين الوقت الحاضر 2016، الذي يثبت على أحداث يوم واحد تعيشه “بيري”، حيث تحضر حفلة في قصر أحد الأغنياء الفاسدين بصحبة زوجها وابنتها المراهقة، وما بين الماضي الذي يبدأ من أوائل الثمانينيات، ويظل يسير في خط تصاعدي حتى عام 2002.. السرد ثري ومشوق يكسبه التقسيم والتنقل في الزمن جاذبية، يسير ببطء في الحاضر في حين يتسارع إيقاعه في الماضي.

تنازع الهوية..

تناقش “أليف شفاق” في أثناء حكيها مسألة تنازع الهوية وتمزقها بين اتجاهين رئيسيين في تركيا، الهوية الدينية الإسلامية والهوية العلمانية، كانت الهوية العلمانية هي السائدة في الماضي إلى أن صعد الاتجاه الديني وقوي، ليس في تركيا وحدها، وإنما في منطقة الشرق الأوسط ككل، تتناول هذا التنازع في الهوية من خلال تأثيره على الشخصيات، فـ”بيري” حائرة مترددة ما بين تدين أمها الشديد وما بين إلحاد أبيها وعلمانيته، أحياناً تنجذب لأمها ثم تعود وتأخذ صف أبيها.. أخوها الأكبر أصبح ماركسياً وانضم لجماعة ماركسية، لكنه احتجز من قبل الشرطة، وتم تعذيبه بوحشية وسجن سبع سنوات حتى أصبح إنساناً منطوياً ميالاً إلى الانتحار وخسر حياته، في حين أن أخوها الآخر انتمى إلى التيار الديني وأصبح أحد رجاله، وتزوج من عائلة إسلامية، وبقيت “بيري” لا تعرف لها هوية محددة تنتمي إليها، حتى عندما سافرت إلى “أكسفورد” وكان هذا التوزع في الهوية مشكلة حياتها.

ترجع الكاتبة هذا التوزع إلى ضعف طبقة البرجوازية نفسها في تركيا والشرق الأوسط، والتي نشأت في ظل الدولة القوية ولم تجد لها متنفساً تعبر فيه عن تحررها، مما جعلها طبقة مشوهة وضعيفة وتابعة، على خلاف طبقة البرجوازية في الغرب التي قادت في أول صعودها حركة تحرر قوية، واستطاعت أن تتحرر من قيود الدين وأن تتقدم علمياً.

فوضى الشرق الأوسط..

كما تناقش “أليف شفاق” مشكلة الفوضى في منطقة الشرق الأوسط، جازمة بأن هذه الفوضى قد استفحلت وتزايدت، لكنها رغم ذلك لم توضح السبب الحقيقي لهذه الفوضى، والذي في رأيي سعي الدول الغربية الاستعمارية إلى استغلال ثروات الشرق الأوسط وإلهائه في حروب وصراعات داخلية، حتى يظل تابعاً ومهزوماً.. “أليف شفاق” ترجع الفوضى إلى التنازع في الهوية، وإلى ضعف البرجوازية، وإلى تصاعد التيار الديني المتشدد دون أن تشير إلى اليد المحركة لكل ذلك، وكأن سكان الشرق الأوسط هم الذين تسببوا في هذه الفوضى وحدهم بثباتهم ورجعيتهم.

مناصرة المرأة..

كعادتها تهتم “أليف شافاق” بالمرأة وقضاياها، فتشير إلى الضغوط التي تواجهها المرأة، ليس في دول الشرق الأوسط فقط، وإنما في الغرب أيضاً، حيث أشارت إلى التحرشات التي تتعرض لها “منى” بسبب حجابها وتمسكها بدينها، كما أشارت إلى الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في مصر، وإلى الاضطهاد الذي تتعرض له في تركيا من خلال تصويرها لضعف “سلمى” في مواجهة زوجها، الذي تحول فيما بعد لتدين حتى تعاديه على أسس قوية، وأشارت إلى تمجيد غشاء البكارة الذي لا زال سائد من خلال حادثة أخو “بيري”، الذي اتهم زوجته أنها ليست عذراء يوم الزفاف، وبعد مراجعة الطبيب تعود له الزوجة رغم أنه أهانها ونكل بها وتنجب منه أطفالاً بعد ذلك.

الرب..

اهتمت “أليف شفاق”، من خلال “الأستاذ آزور”، على تأكيد إنسانية فكرة الإله، ففكرة الإله تداعب الإنسان منذ بداية حياته على الأرض، تخيله في البداية في مكونات الطبيعة من حوله في صورة أشجار وحيوانات قوية، لكنه مع الوقت طور فكرة الإله، وحين تحولت فكرة الإله إلى فكرة مجردة بعيداً عن مكونات الطبيعة بدأت المشاكل، فالأستاذ يرفض التعصبات الدينية والتقسيمات الحادة التي تفرضها الأديان جميعاً، ويؤمن بأن الإله أكبر من تلك التصنيفات الضيقة، كما يؤمن بضرورة التعايش بين البشر على قاعدة أهم وأعمق وهي الإنسانية، بغض النظر عن الدين والعرق والجنس، لذا حاول التقريب بين طلابه وتفتيت العداء بينهم.

أذى الغيرة..

حين تشعر “بيري” أن “آزور” هو منقذها من حيرتها وترددها تحبه حباً كبيراً، لكنه لا يستجيب لها وتكتشف أنه في علاقة مع “شيرين” فتنتحر، وتؤثر محاولة انتحارها على “أستاذ آزور” حيث يستغله أحد الطلاب الكارهين له ويتهمه أنه يقيم علاقات مع طالباته، وحين تتعافي “بيري” من انتحارها لا تبريء “آزور” وإنما تتخلى عنه، ولا تدلي بشهادتها مما يتسبب في طرده من الجامعة، لكنه رغم ذلك يظل يكتب ويضيف إلى تخصصه ويصبح كاتباً مشهوراً ولا يخسر كثيراً، وتظل “بيري” تشعر بالندم بسبب جبنها وتخليها عن أستاذها، وغيرتها التي تسببت في إيذائه، وفي نهاية الرواية تهاتفه لتعتذر على فعلتها، ولتبين أنها أصبحت تفهم فكرة الإله فهما أفضل.

الكاتبة..

“أليف شفاق” مواليد 25 تشرين أول/أكتوبر 1971، في ستراسبورغ، فرنسا.. هي روائية تركية تكتب باللغتين التركية والإنكليزية، وقد ترجمت أعمالها إلى ما يزيد على ثلاثين لغة من أشهر روايتها (قواعد العشق الأربعون)، (شرف)، (لقيطة اسطنبول).

سميت رواية (بنات حواء الثلاث) بهذا الاسم في الترجمة التركية، في حين أن اسمها (ثلاث بنات في المنزل) وفقاً للنص الأصلي المكتوب باللغة الإنكليزية، والذي يقع في 424 صفحة من القطع المتوسط، والذي صدر عن دار نشر “دوغان” في حزيران/يونيو 2016.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة