لقد نفذ صبر المجتمع الدولي ومؤسسات الامم المتحدة والبنك الدولي وكل من ساهم في اطفاء ديون العراق وتقديم المعونة المالية والمعرفية لحكومات العراق المتعاقبة بعد عام 2003 ولم يكن النتاج غير هدرا للمال العام وأمية في ادارة الموارد المالية وهذا ما تؤكده التقارير المعلنة للمؤسسات الدولية المراقبة والمقيمة للوضع الاقتصادي في العراق حيث تشير الى تصدره قائمة الدول الأكثر فسادا, ومن جانب اخر يمكننا القول ان العملية السياسية في العراق دخلت منعطفا خطيرا لتسارع الأحداث الإقليمية لمنطقة الشرق الاوسط وركود الرؤى السياسية وغياب النظرة الاقتصادية الثاقبة ,ويمكننا القول ان النظرة الحكومية للاقتصاد باتت متأرجحة بشكل انتقائي مابين النظام الاشتراكي الشمولي ودعم القطاع العام واقتصاد السوق وبذلك تؤكد مخالفتها الدستورية المثبتة لارساء نظام اقتصادي يعمل وفق المقاييس الحديثة,ناهيك عن الصراعات السياسية التي تمادت على الثوابت الوطنية.
ويمكننا تقسيم القوى السياسية المتناحرة المتقاسمة للسلطة بثلاث معسكرات تتحدث شكلا وتختلف مضمونا متوافقة على المحاصصة مختلفة على الحصة وهي كما يلي:
– التحالف الشيعي بقياداته المتعددة (الجعفري ,المالكي,عمار الحكيم ,مقتدى الصدر) اكبر كتلة نيابية لكنها لاتمتلك تطلعات تؤهلها قيادة العراق وسبب وهنها غياب الملكة القيادية والابداع في صنع المستقبل حيث بات شغلها الشاغل ترسيخ المضامين الطائفية في الشارع العراقي. – القائمة العراقية بقيادة علاوي , أسامة النجيفي, صالح المطلك وطارق الهاشمي(المدان بالمحاكمة الأخيرة) حيث حاول التحالف الشيعي وبكل ما يمتلك من قوة لجعلها قائمة سنية لغرض قبول جزء من قادتها لتعميق الهوة الطائفية وخير دليل هو تحييد صالح المطلك من مجلس الوزارء لانه اراد ان يلعب دورا وطنيا اكبر من حجمه السياسي ولكن عندما اراد الرجوع من البوابة الطائفية فان وضعه مرحب به وهذا ما حصل لجميع افراد هذا المعسكر وباتت طروحاتهم مضطربة مشوشة غير مستندة على رؤيا ناضجة وواضحة وباتت غالبية قراراتها مبنية على رد الفعل وآنية القرار. – التحاف الكردستاني هو خليط غير متجانس في الرؤى والمفاهيم وما يريد البارزاني صاحب القبضة الحديدية في كردستان هو ان يحكم الاكراد بعقلية قلعة كلالة ومصادرة رؤى الشعب الكردي وتطلعاته باسم حماية القضية الكردية ,ولكن علينا ان نكون منصفين في التقييم ان هنالك شعلة وضاءة متمثلة بالمعارضة الكردية على الرغم من محاصرتها من قبل الحزبين الحاكميين.
ونتاج المعسكرات الثلاث خصوما هم (المالكي وعلاوي والبارزاني) يمكننا القول ان رؤاهم السياسية قاصرة ولم يمتلكوا اي رؤيا اقتصادية تبشر بخير لتحسين الاقتصاد وارساء الدعائم لعملية اقتصادية واعدة والدليل على ذلك لغة الجميع نبيع النفط لنصرف ونرهن النفط للسنوات القادمة لنبني, مثلما حدث في المشروع الذي اعده المالكي لبناء البنى التحتية على زعمه دون ان يرد عليه خصومه باي رد منطقي يحمل رؤيا اقتصادية واضحة المعالم وكل ما يحدث هو ردود فعل انية مبنية على رؤى قاصرة تحمل في طياتها الردود الشخصية الغير ممنهجه.
وهنا يجدر بنا القول اننا بحاجة الى السيناريو التركي حينما اطاح الانقلاب العسكري عام 1980بالطبقة السياسية المتناحرة وايداع كبار الساسة المتصارعين في تركيا وهما الخصمان اللدودان سليمان ديمريل وبولند اجويد وكبار مساعديهم رهن الاقامة الجبرية وقد اطل رجل الاقتصاد اوزال الذي طرح برنامجا اقتصاديا حقق لتركيا جميع المكاسب التي تنعم بها تركيا الان حيث حول تركيا من دولة ضعيفة النمو في الستينات والسبعينات الى قوة اقليمية كبرى فيما بعد ,حيث دعوته للتخلي عن القطاع العام وجعل مهمته مقتصرة في التنسيق والترشيد مقابل اطلاق يد القطاع الخاص في جميع الميادين مما تمكن من ارساء نظام اقتصادي يعمل وفق قواعد السوق وضمن المقاييس الاقتصادية الحديثة حينما شرع اوزال في تعمير كامل البنى التحتية الضروري لاقتصاد السوق وكذلك الاسراع في تنفيذ مراحل مشروع الكاب GAP
وختاما اعلم علم اليقين ان لاوجود للانقلابات العسكرية بحكم المعاهدة الستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة الامريكية لحماية الديمقراطية في العراق ولكن نطالب المجتمع الدولي ومؤسساته الدولية ان يجعل من الغطاء القانوني للبند السابع امكانية تشكيل حكومة انقاذ وطنية ودعم شخصية عراقية لها برنامج اقتصادي واضح ومحدد الملامح ومرتب وفق جدول زمني مرسوم لتخرج البلاد من دوامة سيطرة الاميين على المفاصل الحيوية وقيادتها بتخبط واضح ينقل البلد الى نفق مظلم لمديونيات شبيهة بمديونيات النظام السابق وحينها هل نجد من يقف في باريس ينادي اطفاء ديون العراق؟
فمن هو اوزال العراق القادم؟
[email protected]