خاص : كتبت – سماح عادل :
“زكريا تامر” قاص سوري.. ولد في 1931 بدمشق، ترك الدراسة عام 1944 وكان عمره وقتها 13 عاماً بسبب ظروف أسرته المادية، وعمل في مهن يدوية عديدة منها مهنة الحدادة، ثم استقر في بريطانيا منذ عام 1981.
الكتابة..
بدأ “زكريا تامر” كتابة القصة عام 1958، وكتب أيضاً المقالة القصيرة وقصص الأطفال.. وتولى عدة وظائف، منها رئيس تحرير لمجلة (الموقف الأدبي) السورية، ومدير تحرير لمجلة (الدستور) بلندن، ومدير تحرير لمجلة (الناقد).. صدرت أولى مجموعاته عام 1960، وكانت بعنوان (صهيل الجواد الأبيض).. وتعتبر مجموعة (النمور في اليوم العاشر) ذروة إبداعه القصصي.. وقد خرجت عن قصصه دراسات ورسائل ماجستير ودكتوراه في العديد من الجامعات العربية والأوروبية، كما ترجمت أعماله إلى اللغة الإنكليزية والفرنسية والألمانية والروسية والبلغارية والإيطالية والإسبانية والصربية.
كتب 27 قصة للأطفال صدرت في كتيبات مصورة، وفي عام 1985 كان يعد صفحتين أسبوعيتين للأطفال في جريدة (القبس) الكويتية، وكذلك كان يقوم بالإشراف على صفحات الأطفال لمدة سنتين بجريدة (الأخبار) الأردنية، بالإضافة إلى مقالاته التي كانت تنشر في عدد من المجلات السورية والعربية.
يقول القاص السوري “ياسين رفاعية”: “زكريا تامر وأنا بدأنا معاً، كنا أبناء حي واحد، هو حداد عند خاله في صنع الموازين، وأنا، عند أبي، فرّان وصانع كعك، شيطانان من شياطين الحي. نسهر حتى الخيوط الأولى من الفجر، نلتقي في مقبرة الدحداح المقابلة لحينا، ونقرأ على بعضنا ما كتبناه من شعر، ثم انتقلنا إلى القصة، مررنا زكريا وأنا بحالات يائسة منذ بداية حياتنا. دخلنا السجن مراراً، لا كمجرمين بل كسياسيين، وكنا – في زهوة الشباب – نتصور أننا قادران على التغيير، ولكن كم غدر بنا أصدقاء، كنا نتصورهم أصدقاء. لقد كانت خيباتنا كبيرة، كم كنا خبثاء وطيبين في آن واحد، أبرياء وملعونين في وقت واحد. كنا نعيش التجربة، ونكتبها بصدق وإلا ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن”.
في عام 1960 ترك ” زكريا تامر” عمله اليدوي لظروف اقتصادية مرت بها بلاده، حيث انتشرت البطالة، وأقفلت محال ومصانع كثيرة.. عن دخوله الوسط الأدبي تقول الباحثة “هناء علي إسماعيل” في أطروحتها: “وصل صوت زكريا تامر الأدبي إلى مكانه المناسب، إذ كان قد لفت انتباه الشاعر يوسف الخال الذي عرف برقته وشاعريته، فكان أن أطلق صوته في الساحة الثقافية العربية على أوسع مدى، مؤمناً بالإمكانات الخلاّقة لهذا الكاتب القادم من دمشق مستتراً بشراسته وقصاصات ورقه، مما جعله فيما بعد يحتل المكانة التي عرف من خلالها شهرته، صداقاته وعداواته”. أيضاً، يقول “محمد يوسف برهان”: “في بيروت، لم تثن يوسف الخال شاعريته الرقيقة وروحه الشفافة عن تبني هذا النص الجارح، والقاسي، والمصنوع بيدي حداد، فقد أسعفته رؤيته النافذة، وألهمته يومها أن هذا القادم الذي يتأبط شراسته وقصاصات الورق، سيفتح أفقاً آخر في القصة العربية وستكون له الخطوة في الارتقاء بالقصّ العربي، إلى حداثة كان يتبناها يوسف الخال أصلاً في الشعر. هكذا خرجت (صهيل الجواد الأبيض) أولى مجموعات زكريا تامر القصصية وكان لمجلة (شعر) وصاحبها، الفضل في اكتشاف القاص الجديد وتقديمه، والذي سرعان ما احتل مكاناً بارزاً ومفارقاً في الشارع الأدبي”.
السخرية من الواقع..
من جانبه يقول الكاتب السوري “عمر عبده”: “تُعد قصة (رجال) من أهم ما ترك زكريا تامر من إرث أدبيّ.. العنوان (رجال) أتى بصيغة الجمع مع أن البطل واحد هو عبد الحليم المُر، الذي يشكل ضمنيًا مثالًا على كل الرجال؛ فهو شرقيّ، مسلم.. أصبح مفهوم الرجولة عنده متقزم حدّ التلاشي، لم يعد له دور يعتد به، أو إضافة يشكلها حضوره؛ ليجد عبد الحليم نفسه وقد جرد من كل أسلحة الرجل العربي المتعارف عليها، ولم يبق له منها إلّا “يمين الطلاق”، إلى جانب دلالة العنوان جاءت دلالة اسم عبد الحليم المر؛ الحليم الذي لا يرضى بالدنية أو الرذائل بعكس الشخصية الرئيسة التي حملت الاسم، والتي لم يكن لها نصيب منه؛ لم يستطع عبد الحليم مواجهة المآزق التي وضعت أمامه أو وضع أمامها، زكريا تامر الساخر، انحاز للمرأة في مواجهة عقلية الرجل الشرقي، فقد هاجم المجتمع الذكوري السطحي الساذج الذي يكثر فيه التلويح بيمين الطلاق ووقوع الطلاق على أتفه الأسباب”.
ويضيف “عمر عبده”: “أما قصته (يوم أشهب) فهي تعتمد على اللمح والتكثيف والتركيز دون تعدد الشخصيات، بدء من شخصية شكري المبيض، التي أجاد زكريا تامر في رسم ووصف ملامح العنف التي تعرض إليها دون ذكرها بشكل مباشر، فهذه الشخصية تمثل المعادل الموضوعي للشخصية المتحركة، السائق هو الشخصية الثابتة في القصة ومن سماتها أن تكون مغايرة لشخصية شكري المبيض.. لقد رسم زكريا تامر الصراع في القصة بصورة ساخرة عن طريق حركة الشخصية الأولى فشخصية شكري تميزت لوجود شخصية السائق والتي تمثل السلطة، عمد زكريا تامر في هذا النصّ إلى تصوير طباع السلطة المستبدة في تلك الفترة، وما يتعرض له السجناء داخل السجون، هادفاً من وراء ذلك إلى وصف المجتمع والحياة الاجتماعية ومعالجة آفة الجهل، والسخرية من ذلك الواقع الذي قُلبت فيه الموازين ولم يعد يُنظر إلى الحقيقة بالصورة السليمة، تقوم طريقة زكريا تامر على مراعاة تسلسل العرض والتدرج بالقصص حتى يرسم ملامح الشخصية التي آثر اختيارها لتكون محوراً لموضوعه الأساسي، صانعاً بذلك أداء فنياً يميزه عن غيره”.
حداد في وطن من فخار..
يوضح عنه أقرب أصدقائه، الشاعر والمسرحي السوري، “محمد الماغوط”: “زكريا حداد يعمل في الكتابة، حداد في وطن من فخار، أكثر من 10 مجموعات قصصية، وهو يطرق بالمطرقة على نفس القضية: الاستبداد والحرية”.
يقول “زكريا تامر”، خلال أحد حواراته مع صحيفة سورية: “الناس تعرف واقعها جيداً، فهي تعيشه.. الكاتب اعتماداً على المخيلة يخلق واقعاً آخر، لذلك لا يوجد شيء اسمه القصة الواقعية، توجد قدرة الكاتب – عن طريق المخيلة – على إقناع القارئ بأن ما يقرؤه واقع، أقدم في عملي المحتوى دون المظهر، لا توجد في أغلب كتاباتي أسماء مدن أو أماكن أو شخصيات، المهم هو الوصول إلى التعبير – بصدق – عن أوجاع الناس، وراء الكتابة مغزى، ولكنها بعيدة عن الوعظ، لم أتعمد التجديد بل كنت أبحث عن الصدق في نقل الصوت الداخلي، هذا يحتاج إلى ميزان الذهب”.
الطاغية والشعب..
أجمع كثير من النقاد على أن أهم وأبرز قصص “زكريا تامر” قصة (النمور في اليوم العاشر)، فهي قصة الطاغية والشعب، حيث يروض الطاغية الشعب عن طريق الجوع، يجعله ينهق كالحمار ويحاول الطيران ويأكل الحشائش، والنمر هو الحيوان الوحيد الذي يكون ترويضه صعباً ومؤقتاً، لذا يستعينون دوماً بحامل للسلاح أثناء التعامل مع النمر لأنه قد يعود إلى توحشه، ونهاية القصة معبرة جداً: “في اليوم العاشر، اختفى المروض وتلاميذه والنمر والقفص، فصار النمر مواطناً والقفص مدينة”.
النقد السطحي..
لم يحب “زكريا تامر” النقد والنقاد، فهو يصف الناقد الأدبي بأنه: “كائناً غريباً وطريفاً”، ويقول عن النقد: “معظم الذين يكتبون نقداً، ينطلقون من العواطف التي لا يقف وراءها رصيد فكري صلب وواضح، فيأتي نتاجهم تعابير سطحية عن انفعالات مائعة، وحتى المحاولات التي توهم القراء بأنها تملك الخلفية الفكرية المنشودة، هي محاولات سجينة لأطر جامدة، وكليشات جاهزة، ومخططات ذهنية، وتقع فريسة لآلية تتنافى وبديهيات الخلق الفني، آلية تشنق الفن باسم الفكر المتطور المتقدم”.
أوساط المثقفين..
يؤكد “زكريا تامر” قائلاً: “بدأت بكتابة القصة القصيرة العام 1957، ربما الآن أشتاق إلى مهنة الحدادة كثيراً وأحن إليها أكثر، والسبب أن إنسان المعمل له وجه واحد، الصديق صديق، والعدو عدو، ولكن اضطراري إلى الاختلاط بأوساط المثقفين، جعلني أكتشف أن الشخص الذي يمكن أن يُعتبَر تشي غيفارا في هذه الأوساط، له مئة وجه على الأقل. وأحار بين الوجوه وتصعب علي كيفية الاختيار، ففي مجتمع المثقفين لا صداقات ولا عداوات. من هنا أقول: إن حياة المعمل تمنح الإنسان ثقة أكثر، بينما العيش مع المثقفين يزعزع هذه الثقة بالإنسان، فإذا أردنا تصنيف شعبنا على أنه من المثقفين فحتماً سيكون رأيي فيه أكثر من سلبي”.
المهماز..
أنشأ “زكريا تامر” صفحة على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” اسمها (المهماز)، يساند فيها الثورة السورية، يقول عنها في حوار مع صحيفة سورية: “عندما خرج السوريون إلى الشوارع مطالبين بالحرية والتغيير لم تكن لي آنذاك أية صلة بأي وسيلة إعلامية، ولم تتصل بي جريدة أو مجلة أو إذاعة أو محطة تليفزيونية لمعرفة رأيي وموقفي مما يحدث، وتجاهلني مدمنو العرائض، ولم تعرض علي أية عريضة حتى أني اقتنعت أن ثمة تنفيذاً دقيقاً لمخطط مدروس غايته إلصاق أشخاص معينين بالثورة السورية، وليست غايته التعريف بمواقف الشخصيات السورية الأساسية في مجالات الثقافة والأدب والفن والسياسة، وجدت نفسي محروماً من كل فرصة للتعبير عن موقفي المؤيد للثورة السورية، وهو موقف بديهي بالنسبة إلي وامتداد لما كتبته طوال خمسين سنة، فلجأت إلى (فيس بوك)، وتلاءمت معه بسرعة إلا أني لم أستخدمه للحوار والنقاش بل استخدمته كوسيلة لنشر ما أكتبه من نصوص سواء أكان قصيراً أم طويلاً كأني أتعامل مع جريدة أو مجلة، وأشعر الآن في صباح كل يوم بأني أصدر جريدتي اليومية الصغيرة التي أنشر فيها ما أشاء من دون رقابة أي رقيب، ومن دون أن تستغلني أية جهة من الجهات، أما التعليقات حول ما أكتبه، فلا يزال معظمها متسرعاً يجلب إلي الإحساس بأني في مستشفى مجانين حقيقي، وثمة أمر يفرحني هو أن غالبية أصدقائي في صفحة (المهماز) هم من الشبان”.
الثورة السورية..
عن الثورة السورية يجيب “زكريا تامر”: “الثورة السورية أدهشتني، ولكنها في الوقت نفسه لم تدهشني البتة، وهذا التناقض يرجع سببه إلى أني مؤمن بأنه لا وجود لمواطن سوري يؤيد هذه السلطة الغاشمة، ولكن كل مواطن سوري هو شخصان، شخص خفي يكره النظام المهيمن الكره الأعمى ويزدريه ويتمنى زواله السريع، وشخص آخر علني يؤيد النظام الحاكم ويمدحه ويطيع كل توجيهاته، وقد نجحت الثورة في توحيد هذين الشخصين في شخص واحد شديد الصلابة، متأهب للموت في سبيل ما يؤمن به، ولا مطلب له إلا الحرية والخلاص من الاستبداد، ومن المؤكد أن علاقتي بسوريا سيطرأ عليها بعض التبدل غير المرئي بعد أن أثبت الشعب السوري بتضحياته أنه شعب خارق لا يلام المبدع إذا تفاخر بانتمائه إليه”.
وعن صعود التيارات الدينية، يقول “زكريا تامر”: “السبب الظاهري لتركي دمشق هو منعي من النشر في داخل سوريا وخارجها، ولكن السبب الأعمق والأساسي هو أن معركة دامية نشبت قرب بيتي بين رجال المخابرات وعضو مطلوب من الإخوان المسلمين، وعندما نفدت ذخيرته، أقدم على تفجير جسده بقنبلتين يدويتين، وظلت أشلاؤه أكثر من ساعتين مرمية على أرض الشارع، ورأيت أطفالاً يلعبون بقطع اللحم الممزق ويتقاذفونها بأقدامهم، عندها شعرت أني أعيش في عالم أعجز عن فهمه، ولا صلة لي به، وأفضل ما أفعله هو الفرار منه. وهذا ما أقدمت عليه غير آسف أو نادم، لابد أن تتحرر سوريا من هذا النظام الوحشي الذي شوه المخلوقات البشرية وأفسدها فساداً لا نظير له. أما التيارات الإسلامية، فلا أخشى صعودها ما دام الناس قد اختاروها، فإذا أخطئوا في الاختيار، فهم الذين سيدفعون ثمن خطئهم، وأنا في الحادي والثمانين من العمر أتمنى أن يتاح لسوريا أن تتحرر من الاستبداد والرعب اللذين تحكما بها طوال خمسين سنة.. أتمنى قبل رحيلي أن أقعد في مقهى دمشقي وأشتُم بصوت عالٍ كل المسؤولين السوريين مسؤولاً مسؤولاً من دون أن أشعر بالخوف أو أخشى الاعتقال”.
أهم أعماله..
ـ صهيل الجواد الأبيض، (قصص) 1960.
ـ ربيع في الرماد، (قصص) 1963.
ـ الرعد، (قصص) 1970.
ـ دمشق الحرائق، (قصص) 1973.
ـ لماذا سكت النهر، (53 قصة للأطفال) 1973.
ـ النمور في اليوم العاشر، (قصص) 1978.
ـ قالت الوردة للسنونو، (18 قصة للأطفال) 1978.
ـ نداء نوح، (قصص) 1994.
ـ سنضحك، (قصص) 1998م.
ـ أف!، (مختارات قصصية) 1998م.
ـ الحصرم، (قصص) 2000م.
وحاز “زكريا تامر” على:
1) جائزة العويس للقصة عام 2002.
2) جائزة ميتروبوليس الماجدي بن ظاهر للأدب العربي عام 2009.
3) جائزة ملتقى القاهرة الأول للقصة القصيرة عام 2009.