خاص : قراءة – سماح عادل :
في رواية (قصة حب إيرانية تحت مقص الرقيب) للكاتب الإيراني “شهريار مندني”، ترجمة “خالد الجبيلي”، إصدار منشورات الجمل.. نتعرف على كيفية قمع الشعب الإيراني، وكيف تمنع عنهم أبسط أساسيات الحياة، حيث تفاقمت الأوضاع بعد الثورة الإسلامية 1979، وإن لم تكن الحياة أيام الشاه مرضية تماماً.
تشير الرواية إلى لعنة النفط، التي أصابت بعض بلدان الشرق الأوسط، فبدلاً من أن يوفر لهم النفط رخاء ورفاهية، أصبحت تلك البلدان مطمعاً للدول الاستعمارية، تتدخل في شؤونها وتحدد مصيرها، وتحكم عليها بالتبعية والصراعات والحروب.. الأمر في إيران كان في مساندة أميركا لنظام الشاه، الذي مارس القمع والتنكيل بخصومه، وكان نظاماً ديكتاتورياً بحق، حيث سجن الشيوعيين والإسلاميين، وكان محظوراً على الشعب التعبير عن آرائهم، حتى التشبه بالدول الغربية، فيما عرف بالعصرية والحداثة، فرض جبراً، حيث منعت النساء من ارتداء “الشادور” والحجاب بالقوة، وكان رد الفعل بنفس القسوة والقوة حيث قامت حركة احتجاجية قوية أسقطت الشاه أكثر من مرة، وفي المرة الأخيرة استطاع الإسلاميون أن يستولوا على السلطة ويحولوا إيران إلى بلدة إسلامية متشددة.
الشخصيات..
الراوي: يعتبر شخصية داخل الرواية.. فالكاتب يظهر طوال الوقت، يتحدث إلى القراء مباشرة، ويرسم الشخصيات على مرأى منهم، يتحرك هو أيضاً في الرواية، ويقابل حتى بعض الشخصيات ويوحي لهم ببعض الأفعال ليخرجوا من أزماتهم.
دارا: شاب يقع في حب فتاة بالصدفة، يلتحق بالجامعة ويصل في دراسته إلى الماجستير، لكن يقبض عليه ويدخل السجن ويخسر كل شيء، حيث يطردوه من الجامعة دون شهادة، ويفقد أية فرصة حقيقية في عمل جيد، ويضطر إلى العمل في دهن الحوائط ليعيل أبوه وأمه.. كان أبوه شيوعياً وكان موظفاً حكومياً كبيراً أيام الملكية، لكن قبض عليه بسبب انتماؤه السياسي ونكل به في السجن، وبعد خروجه طرد من الوظيفة وظل نفسياً مرهوناً بفترة السجن، فعاش باقي عمره في حجرة صغيرة تشبه السجن لا يفعل شيء سوى سماع المذياع.
سارا: فتاة رقيقة، طالبة في الجامعة، تتعرف بالصدفة على “دارا” وتبادله العشق، أبوها موظف حكومي، يتقدم لخطبتها رجل غني لكنها تفضل عليه “دارا”، الذي لا تستطيع مقابلته بحرية بسبب اضطهاد المجتمع.
سندباد: رجل فقير، توفى والده وهو صغير، واضطرت والدته إلى أن تعمل بالخدمة لتربيته، يصبح موظف في الحكومة، يسجل أسماء المواليد، وبعد قيام الثورة يشعر بالتهديد، حيث كان الإسلاميون يطردون أي موظف لا يبين ولاءه لأفكارهم، فيقرر أن يصبح منهم، ولكي يثبت ولاءه يقترح على رؤسائه أن تكون أسماء المواليد عربية وإسلامية، وأن يحظر تسمية الأطفال بأسماء فارسية قديمة، أو أسماء شيوعية، ومن يطلب ذلك يقدم لجهات التحقيق، ثم يتقرب أكثر لهم ويسمحون له باستيراد سلع هامة، ويصبح رجل أعمال غني بسبب تقربه من طبقة الحكام، يتقدم لخطبة “سارا” لكنه ينسحب حين يكتشف أنها تحب فتى آخر.
السيد بيتروفيتش: قاضي، وفي نفس الوقت هو الرقيب على نشر الكتب، يقرأ الكتب ويحدد هل سينشر الكتاب أم لا، وقد يختار بعض الجمل والكلمات التي لا تتناسب وسياسة الدولة الإسلامية، ويقرر حذفها من الكتاب، مع العلم أن الناشر يتقدم إلى الرقابة بكتب مطبوعة، والحذف يسبب خسارة مادية كبيرة للناشرين.. يستحضر الراوي “السيد بيتروفيتش” طوال الوقت في الرواية، ويغير من الأحداث وتفاصيل الشخصيات حينما يشعر أن “السيد بيتروفيتش” لن يرضى عن ما كتب، بل أنه يقابله أكثر من مرة أثناء تجواله، ويظل “السيد بيتروفيتش” يسأله أسئلة محرجة كمحقق ويحاول الراوي تحاشيه دوماً.
الراوي..
هو أحد شخصيات الرواية، وهو هنا مختلف فهو يكتب الرواية داخل الرواية، يتحدث مع القراء بشكل مباشر ويحكي عن بلاده، ويغير في أحداث الرواية وفي صفات الشخصيات.
السرد..
السرد يعتمد على إيقاف الإيهام.. فالكاتب لا يريد أن يشعل خيال القارئ أو يدمجه داخل الرواية، بل يسعى طوال الوقت إلى كسر حالة الإيهام، وإيقاف سير الأحداث ليحكي له أشياء عن إيران، قد تناسب هذه الطريقة بعض القراء وقد تنفر قراء آخرون.. فالقاريء لا يقرأ رواية يعيش فيها بكل حواسه، يتماهى مع الشخصيات ويدخل العالم الروائي، وإنما يستمع إلى راوي موجود، قلق وحائر، لا يعرف ماذا يكتب وماذا يشطب.. راوي خائف طوال الوقت من مقص الرقيب، يحور في قصة الحب الذي يريد كتابتها ويجعلها في النهاية قصة حزينة.. يتميز السرد بلغة ساخرة، لكنها سخرية مرة.
قمع ووحشية..
يصرح الراوي من البداية أنه يريد أن يكتب قصة حب رومانسية حالمة، لكن الظروف قد لا تسمح له بذلك، يرصد الاحتجاجات التي تقوم في بلاده على قمع السلطة، والتي غالباً تكون من الشيوعيين، والتي يتصدى لها أفراد “حزب الله”، ويقومون بإفشالها، بالإضافة إلى السلطة التي تضرب بوحشية المحتجين ثم تحتجزهم في السجون، ويرصد السجن الذي يتم فيه تعذيب المعارضين بأساليب وحشية.. حتى أن فتاة اتهمت بالشيوعية وضعوها في تابوت لمدة ثلاثة أشهر، و”دارا” عندما سجن لمجرد أنه يبيع أفلام سينمائية أميركية، تم سجنه في زنزانة انفرادية لعدة أشهر حتى كاد أن يصاب بالجنون.
كما يرصد الكاتب أجهزة الدولة التي تقوم بمراقبة وقمع الشعب، منها دورية مكافحة الفساد الاجتماعي، التي تقبض على أي شاب وفتاة يسيرون سوياً في الشارع دون أن تكون بينهما صلة قرابة، ومن يقبض عليه يذهب إلى السجن، والفتاة يتم الكشف عن عذريتها وتفضح وسط أهلها، وتظل حياتها بعد ذلك جحيماً، فالحب ليس ممنوعاً فقط في إيران بل يعتبر من المحرمات.. لا يسمح بالاختلاط بين الجنسين في أي مكان، حتى على الأرصفة تحدد أوقات لسير النساء وأوقات لسير الرجال، وفي حفلات الأفراح ممنوع الاختلاط ، كما حرمت الموسيقى والغناء وكل أشكال الترفيه، ومنعت كل الأفلام السينمائية، وأصبح مسموحاً فقط بإذاعة أفلام سينمائية ومسلسلات تافهة تروج للسلطة الإسلامية وتظهر فيها النساء محجبات دوماً.
عوز مادي..
بالإضافة إلى هذا التشدد والانغلاق، فإن الأحوال الاقتصادية سيئة، والأسعار كل يوم في ارتفاع، ولا توفر السلطة للشعب حياة كريمة.. كما ينخر الفساد في البلاد وتعيش الطبقة الحاكمة في الرفاهية، وتتحكم في اقتصاد البلاد وتسمح فقط لأتباعها بأن يغتنوا ويستفيدوا من الأعمال والتجارة، في حين تضيق على القطاع العريض من الشعب في حياتهم وتجعلهم دوماً في عوز مادي.
ذكاء الشعب..
كل شيء محرم.. المحال تغلق في وقت مبكر، الشوارع تبقى هادئة ومن يسير ليلاً عرضة للسجن، قنوات التليفزيون محددة فقط بما تبثه السلطات، وممنوع مشاهدة القنوات الخارجية، حيث يتم القبض على من يركب أطباقاً صناعية لالتقاط القنوات.. ورغم ذلك فإن الشعب الإيراني يستطيع التحايل على كل هذه المحرمات، حيث تنشط سوقاً سوداء يباع فيها كل شيء حرمته السلطة، أفلام سينمائية وكتب وروايات، وحتى الخمور والسلع المستوردة، وفي الأفراح تحاول العائلات عمل أفراح جميلة، بها موسيقى وغناء، ويسمح فيها للفتيات بارتداء ما يردن والتجول بين الفتيان، إلا أن يتم ملاحقة هذه الأفراح من قبل دائرة مكافحة الفساد الاجتماعي.
قصة حب محكومة بالموت..
يعجز الكاتب/الراوي في النهاية عن كتابة قصة حب رومانسية حالمة.. يستطيع فقط أن ينقل بشاعة العيش في إيران، وفداحة القمع والقهر هناك.. “دارا” و”سارا” لا يستطيعان أن يتواصلا وأن يستمتعا بحبهما، يظل شبح الموت يلاحقهما، متمثلاً في قزم اخترعه خيال الكاتب، ليكون رمزاً للموت ظلماً، هذا القزم مات أثناء فض السلطات لاحتجاجات الطلاب في جامعة طهران، وظلت جثته تتنقل بين أماكن عدة كعبء ثقيل ومصيبة، إلى أن تصل جثته في النهاية إلى بيت “دارا” في حديقة الياسمين، حين تزوره “سارا” بعد سفر والداه عدة أيام، فالموت هو مصير هذا الحب الذي لن يكتمل أبداً، ولن يستطيع التنفس بحرية في بلاد خربها التشدد الديني وما يصاحبه من فساد وطبقية وإفقار للشعب.
الكاتب..
“شهريار مندني بور”.. روائي إيراني، ولد في “شيراز” جنوب إيران سنة 1957، يعد من أهم الكتاب والروائيين في الأدب الفارسي الحديث، ترجمت وطبعت أول رواية له باللغة الإنكليزية عام 2009، وهي رواية (قصة حب إيرانية تحت مقص الرقيب).
حصل “شهريار مندني بور” على جوائز عدة عن الروايات والقصص القصيرة والأعمال غير الروائية التي نشرها في إيران، مع أنه لم يتمكن من نشر أعماله الروائية منذ 1992 وحتى 1997 بسبب الرقابة في إيران، وشهريار ناقد سينمائي معروف ترأس تحرير مجلة “مساء الخميس”، وهي مجلة أدبية صدرت في شيراز بين عامي 1999 وحتى أوائل 2008، ويعمل حالياً باحثاً زائراً في جامعة “هارفارد”، ويعيش في “كامبردغ”.