اسس محمد مهدي الجواهري (شاعر العرب الاكبر) اول نقابة للصحفيين في العراق وتراسها وكان من بين اعضائها فخامة الرئيس “الزميل” جلال الطالباني. كما اسس الجواهري اتحاد الادباء في العراق وتراسه ايضا وكان من بين اعضائه رواد الشعر الحر بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي ونازك الملائكة. لم يزحف الزمن كثيرا على اتحاد الادباء بعكس نقابة الصحفيين. ولو لم تقوم وزارة الداخلية بين فترة واخرى بـ “صولة فرسان” على ناديه العتيد الذي اختزلوه بـ “العرق” فقط لما تذكر احد اتحاد الادباء الا في المناسبات الوطنية والقومية وابرزها الاجتماع السنوي لاتحاد الادباء والكتاب العرب.
هذا الاتحاد الذي (صار له) تسع سنين يطالب اتحادنا بادانة الاحتلال ولم يفعل علما انه لم يتبق احد على وجه المعمورة لم يدن الاحتلال بمن في ذلك زعيم الاحتلال نفسه الرئيس بوش الابن. بعد الاحتلال لم يعد الامر بحاجة الى احد بحجم الجواهري لكي يؤسس ليس نقابة واحدة او اتحادا واحدا او منظمة واحدة بل قل عشرة وعشرين وثلاثين والاسباب معروفة ومثلها الدوافع والاليات بمن في ذلك اليات التمويل.
ومع انه لايمكن اختزال الجواهري بقصيدة او قصيدتين الا ان قصيدته “اي طرا طرا تطرطري” تنطبق كثيرا على واقع حالنا في العديد من الميادين والمجالات ومنها الميادين النقابية والاتحادية والمنظماتية وكل ما يندرج تحت يافطة المجتمع المدني. ففي الوقت الذي كان يفترض فيه ان تكون قوى المجتمع المدني هي احدى القوى الرقابية على اداء المؤسسات الديمقراطية في البلاد فان الغالبية العظمى من النقابات والاتحادات باتت هي بحاجة الى من يراقب ليس ادائها بل سلوك و”اخلاقيات” بعض من ينتمي اليها او يراس بعضها بعد ان تحولوا الى ابواق في جوقات بعض كبار المسؤولين وحارقي بخور للبعض الاخر.
ومع حملة التمجيد التي يتولاها بعض ممن ينتسبون الى هذه النقابات بنقبائها مما حول بعضهم الى “قائد ضرورة” جديد فان ما اطلعنا عليه عن عزم بعض الزملاء والزميلات تاسيس نقابة جديدة للصحفيين تحت اسم “النقابة الوطنية للصحفيين” امر يدعو للتامل فعلا على اقل تقدير. وهنا لابد لي من فتح قوس بطول سور الصين لاقول ان منطق الزملاء الجدد ليس اقصائيا فقط بل تخوينيا بامتياز .. فنقابتهم التي يعملون على تاسيسها ونتمنى لهم كل الموفقية هي “وطنية” وهو ما يعني ان النقابات والاتحادات الاخرى التي تعمل الان باسم الصحفيين وبعضها يوزع سيارات وربما غرف نوم للعرسان “مو وطنية”.
اغلق قوس سور الصين واقول ان تاسيس نقابة جديدة و”فوكاها” وطنية امر يحتاج منا الى وقفة جادة ليس لاغراض الموافقة او الاعتراض. فالقصة باتت “اقمش واقمشين” بل لاغراض اخرى ذات طبيعة نفعية طالما القضية “بزنس ببزنس حتى لو كان بزنس سياسي”.. فبينما اتخمتنا نقابتنا الام والتي اصبح عدد اعضائها يضاهي اعضاء الجمعيات الفلاحية بقطع الاراضي والشقق السكنية والرواتب واجهزة الاي باد فاننا يمكن ان ننتمي الى “النقابة الوطنية” في حال وزعوا لنا سماد كيمياوي وعلف حيواني لـمزاعنا السعيدة على الفيس بوك. وعذرا ابو فرات لم يتبق مجال لقصيدتك .. اي طر طرا تطرطري.