بدأت الحكومة في اعداد موازنة عام 2018 للبلاد، وعقدت اول اجتماع معلن مع الملاك المالي بشأنها، صرح بعده رئيس الوزراء حيدر العبادي بانه سيتم ضغط النفقات وترشيدها ورواتب موظفي الرئاسات الثلاث.
واكد العبادي تأمين النفقات الاساسية مثل الرواتب والاجور لكل العاملين في الدولة فضلاً على رواتب المتقاعدين وغيرها، الى جانب رواتب الحماية الاجتماعيىة والبطاقة التموينية وادامة متطلبات الأمن والدفاع.
وأكد التوجيه تأمين الالتزامات الدولية والوطنية في تسديد القروض وفوائدها والاستمرار في تأمين بعض المستحقات للافراد والشركات على الدولة.
ما يستشف من هذا التوجيه ان موازنة العام المقبل لن تكون افضل من العام الحالي، بل ستكون اكثر ضغطاً للنفقات وايقاف التعيينات لبقاء الاوضاع المالية للبلد حالها من دون تغيير حاسم، وما تزال الازمة مستمرة، وتكريس جزء كبير من الموارد لتطهير العراق من بقايا داعش الارهابي وتحقيق الاستقرار والأمن، هذا اذا لم تتطور الامور في نواح اخرى.
ما يهم الناس مع تحسن اسعار النفط ان تخفف عنهم الاعباء المالية المفروضة وايقاف الرسوم والضرائب المباشرة وغير المباشرة والكف عن تسليع الخدمات المجانية، والانعطاف بالسياسة نحو تفعيل القطاعات الاقتصادية غير النفطية المنتجة للدخل والخالقة لفرص عمل جديدة وتأهيل المعامل والمؤسسات ذات المردودات المالية للدولة وتحفيز القطاع الخاص على زيادة استثماراته.
وتقتضي الضرورة ان يأخذ التوجيه يضغط نفقات الرئاسات الثلاث طريقه للتطبيق، ولاسيما ان العاملين فيها ما يزالون يستهلكون اموالاً ضخمة من الموازنة تصل الى 5% منها، فضلاً على فارق شاسع في رواتب العاملين فيها وبين العاملين في مؤسسات الدولة الاخرى، وهم بنفس المؤهلات والكفاءات والظروف، سوى ان العاملين في الرئاسات هم من المقربين الى المسؤولين والاحزاب الحاكمة.
البون الشاسع بين الموظفين بدأ يثير الاستفزاز والتوتر والمطالبة المستمرة بان تتوجه الحكومة الى موظفي الرئاسات الثلاث لتخفيضها ومنحهم امتيازات معقولة برغم ان ذلك ليس من العدالة والمساواة بين المواطنين ويشكل ارهاقاً لموازنة الدولة.
فحسب موازنة عام 2017 خصصت مبالغ لرواتب موظفي مجلس النواب البالغ عددهم 1850 موظفاً 1ر361 مليار دينار، الى جانب رصد 42 مليار دينار رواتب الموظفين رئاسة الجمهورية، فضلاً على تخصيص 6ر2 ترليون دينار لموظفي رئاسة الوزارة البالغ عددهم 59256 موظفاً، وهؤلاء وغيرهم البالغ عددهم 62356 في الرئاسات الثلاث يستهلكون من الموازنة 3ر5 ترليون دينار ما يثقل الموازنة ويتم على حساب جميع ابناء شعبنا.
علماً ان مجموع رواتب كل الذين يعملون في الدولة بمن فيهم المتقاعدون يبلغ 40 ترليون دينار.
ان هذا التمايز الصارخ لا يقتصر على الموظفين في المنطقة الخضراء واقرانهم خارجها، وانما بين الدرجات الخاصة والمديرين العموميين الذي يتقاض كل واحد منهم راتباً يشكل رأسمالاً لافتتاح مشروع منتج يسهم في رفد الدخل الوطني والتخفيض من البطالة.
ان اعادة موازنة الرئاسات الثلاث مسألة مهمة لمعالجة الخلل بالفروقات الحاصلة بين الرواتب ومخصصات الرئاسات وباقي موظفي الدولة، وهو حري بالانتباه اليه في وقته، وعلى مجلس النواب الذي ستعرض عليه الموازنة نهاية العام التحضير الجيد لمناقشتها والبحث بالوثيقة والادلة على الاسراف والتمييز بين موظفي الدولة .. وهو احد الابواب الذي يمكن سد عجز الموازنة منه.
كما نحث المجلس على تدقيق المخصصات التي تمنح من دون وجه حق، فالمديرون العموميون والموظفون يتقاضون ملايين الدنانير شهرياً على انها مخصصات خطورة والان الوضع الامني مستقر، بل الاكثر من ذلك اعداد كبيرة منهم تسكن في المنطقة الخضراء المحصنة .. على الاقل يحتم الانصاف تخفيض الخطورة بمقدار النسبة التي تحسن بها الوضع الامني.
في بلادنا يعيش 30% من السكان تحت مستوى خط الفقر الاولى ان يتوجه هذا الانفاق الباذخ على موظفي المنطقة الخضراء لتحسين احوالهم الاقتصادية، واضافة المبالغ الى التأمينات الاجتماعية، وليس التوجه نحو تخفيض رواتب المتقاعدين وتحميلهم اعباء الازمة الاقتصادية، وهم اصلاً يعانون من العوز وانعدام الخدمات ما بعد الوظيفة.