أتساءل في عقلي ، ويأتيني كثيرا عندما اهجع الى فراشي هذا التساؤل ، وحيدا في خلوتي ؟ حيث الذكريات والتأويلات و تفاصيل صغرى للحياة تأوي معي تحت الغطاء الملفوف اسفل سريري القديم ، اتقلبه يمنيا ويسارا ؟؟ اين انتِ؟ ايتها الغفوة الحنونة ، متى تشعريني بالألفة والحنان ؟!… متى؟ اركب معكِ الى اخر الدنيا مسافرا بأشواط طويلة دون ان تميزني شمس او قمر او نجم ، دون ان يعرفني احد ، خذيني الى بحر من الحب والسعادة ؟ خذيني الى ابعد نقطة سافر اليها مارد او عفريت كان؟!!… لا تخجلي مني فهذه فرصتي لأكون بين الجميع الاول ، لأكون اول من يحمل رايات العشق الى سفراء الجمال والمتعة والاثارة ( هن ) وما اجمل تسمياتهن بـ( هن ) ، ايتها النساء لا تلوذا بالفرار مني ، فانا قادم من ارض بالكاد تعرفونها او حتى سمعتٌ بها ؟ ارض يملئها الخوف ويسكنها اشباح الموت ، ويراسهم طاعون الطغاة اجمع .. لا ترتعبن فاني ما زال في صدري شيئا من الحنين ، شيئا يبعدني عن كل تلك السنين ؟ عن الذكرى والهم الحزين ، عنكن وعن ايام السلاطين ، ما زلت احمل في طيات كتبي لمسة لفنان لقارورة العشق الاليم ، عنهن وهن في احلى ساعات الشروق واجمل من لحظات الغروب ، انتن ما زلتَ تحملَ مصباح علاء الدين ، فدعكةً من يدا بيضاء ، تجعل المارد الحزين في حضرة الفقير الرحيم ، الذي لا يرمي شيئا سوى الظفر بحب امرأة من العصر القديم ، من عصر جولييت لا بل اقدم من عصر ليلى وربما ابعد من عصر افروديت ، ايتها الالها دعني اقبل عينيك ، فمن دونهما انت لن تريني ، وفيهما ستعرفين اني قد طلقت الدنيا لأجل جمالك اللاهب ، فلا تتردي يوما في قبولي ، وقولِ لي .. انك تمسك قلبي ، وبه ستعيش يا حبي ، هكذا جاءت وراحت تقلبات سعيد على الفراش ، ليأتي يوما اخر صباح ثاني ، طريق غير معبد ، وعمل اقدم من ان يولد سعيد ، ليمر بهن كل يوم / باحث عن امل في ان يجد الحياة؟ واي حياة يناضل لأجلها هذا المعتوه ، فهو يسير على حافة البركان وبجانبيه الهلاك منزوع منه رحمة الانتظار ، فتارة وادي سحيق يسقطهُ وتارة اخرى بركان غاضب باحث عن حطب لناره المشتعلة ، وهو ما زال كل يوم يسير معانقا الاثنين معا اي ، الموت والهلاك ، وهو في مخيلته اشياء اخر مثل النساء والخمر العتيق ، ونزوة السفر ملتصقة به وكأنها ديدن حياته والمختصر ، رغم انه لم يفعل من هذا وذاك شيئا سوى كما يقال ( صيت الفكر ) واكثر .
في اقبال سعيد على محل بيع التمور ( الخمور )، وهذا لان بيع الخمور في قرية سعيد كان محرما ، والقصة قادمة بالذكر ، حيث ان احد الشيوخ الطاعنين في السن كان قد اكد الخرافة التي تقول ، اذا منعت شيئا كان مباح في بلدتك سيرزقك الرب بالأطفال ، ولما كان هذا الشيخ يعاني من مشكلة الانجاب من زوجاته الاربعة عشر ، قراء عليه احد متنوري البلدة وهو شاب اعمى لكنه يجيد القراءة حيث تعلمها في احد المساجد الدينية للمدينة الحصينة ، مبشرا الشيخ بمنع ما يباح وهو الخمر حينها ، ليرزقه الرب بالعيال ، وحيث ان هذا الشيخ كان متنفذ السلطة آمر بإغلاق المحل وصار جميع ممن كان يخمر يدعوا و يتمتم عليه ، بالذل والمهانة ، وبعد فترة غير طويلة ، تبين ان احد النساء الصغيرات كانت حبلى ، وتبين انها نفسها ممن كانت تكرم ضيفه الاعمى الذي بلغه بالخرافة (( النبوءة )) ، ففرح كثيرا ومن شدة فرحه اعتل فجاءة ، وكان الرب يعطي ويأخذ بنفس الوقت ، وهذا ما كرره على مسامعه الاعمى الشاب الصغير .
مازال صاحب الخمور يبيع ضعف السعر لمن يرغب ،والسبب معروف كون الشيخ المعلول امر بمنعها ، فبات يجلبها خلسة ويبيعها ، وحول لافتة المحل من الخمور الى التمور ، والمستفيد الاكبر من كل هذا هو البلدة الاخرة ، حيث ظلت تبيع الخمر بأغلى من سعرها لان الجميع تحول اليها ، و التي دَرست هذا الشاب الاعمى الذي استطاع ان يضحك على ذقن الشيخ المتسلط ويبيعه خرافة ، اكسبته النقود طبعا ، وتبين ان حمل زوجته الصغيرة كان بفعل هذا الشاب ايضا ، حيث في ليلة من ليالِ الضيافة قد اغواها عمدا فكشفت له سريرتها ، فتزوجها بزواج الدين وليس القانون وراح ينكحها حتى اصبحت حبلى ، وقد استطاع هذا الشاب الاعمى الصغير ان يضرب عصافير الكون كله بحجر واحد.
والفائدة كلها للمدينة الحصينة ترجع ، في تدريبها للشاب و وجود الثغرة الاجتماعية ، والرجعية التي كانوا يعيشونها وما الى ذلك ولكن ، اعتقد ان رأس المال في المدينة الاخرة اي الحصينة هو من استفاد في النهاية . ولا ننسى ان سعيد عندما اقدم للمحل ورأى ان السعر ارتفع ، تقبل الامر وذهب الى المشفى ليأخذ علاج لعدم نومه دون ان يشرب الخمر ، فبات المشفى مثقل بحالات مثل سعيد .