23 نوفمبر، 2024 3:08 ص
Search
Close this search box.

مذهب السياسة الخارجية الامريكية الجديد لـ جورج فريدمان / مترجم

مذهب السياسة الخارجية الامريكية الجديد لـ جورج فريدمان / مترجم

انتشرت اشاعات في نهاية الاسبوع الماضي مفادها ان المعارضة السورية مستعدة لقبول بقاء عناصر من نظام الاسد في في سوريا والمشاركة في الحكومة الجديدة
خاصة وان الاشاعات اضحت صادرات سوريا الاساسية هذه الايام ولانها كذلك فلم تاخذ على محمل الجد
ورغم ذلك فان مايجري في سوريا  يكتسب اهمية لانه يكشف عن  تبلور مفهوم جديد في السياسة الخارجية الامريكية وطبقا لهذا النهج الجديد فان الولايات المتحدة الامريكية لاتلعب دور اساسي في الاحداث وانما تترك الازمة الاقليمية بالتفاعل حتى يتبلور توازن اقليمي جديد ان هذا سواء كان جيدا او سيئا فانه بات جزء من السباق الرئاسي الامريكي ان هذا المفهوم الجديد هو حقيقة وانه جاء من تعلم امريكا من دروسها
اذ تواجه امريكا تهديدات وتحديات معقدةولكن من اولويات واشنطن ان لاتشكل هذه التهديدات اي تحدي لمصالحها الاساسية الحيوية
هذه المصالح تتجسد على بساطتها بعدم تهديد السيطرة البحرية الامريكية عالمياولذلك فهي تمنع نشوء اي قوة اسيوية -اوربية تعمل على حشد الموارد واستخدامها لتتحدى النفوذ البحري الامريكي عالميا
وهي ايضا تمنع تشكل قوة نووية قارية تهدد الولايات المتحدة الامريكية وهذه القوة لسبب او اخر تكون  بمنىءعن  قوة الردع الامريكية ومن الواضح ان هناك مصالح اخرى لكن هذه اهم مصالح الولايات المتحدة الامريكية
ولذلك فان مصالح امريكا  فيما يجري غرب المحيط الهادي مفهومة رغم ان امريكا على الاقل حاليا تسمح للقوى الاقليمية بالاشتباك فيما بينها في صراع لايبدو انه يهدد توازن القوى في المنطقة حيث ينهمك حلفاء ووكلاء امريكا في المنطقة بمافيهم الفلبين وفيتنام وااليبان بخوض صراع بحري اشبه مايكون بلعبة الشطرنج من غير املاء مباشرمن القوة البحرية الامريكية وحتى هذا فانه ممكن
جذور هذه السياسة تكمن في العراق ,فتاريخيا العراق وايران هم خصمين وخاضو حرب طويلة في الثمانينات ولحقت بهم خسائر بشرية جسيمة وابضا بعدذلك كله تولد ميزان قوى بين الاثنيين لم يكن مريحا لهما ولكن لااحدا منها يستطيع تغير ذلك لدرجة ان احدهما احتوى الاخر بتدخل خارجي في حدوده الدنيا
ان التدخل في العراق وغزوه  يرجع لعدة اسباب ولكن ابرز عواقبه كان الاطاحة بنظام صدام حسين ورغم ان نظام صدام حسين لايقل وحشية عن نظام معمر القذافي او بشار الاسد لكن الولايات المتحدة دمرت  التوازن في ميزان القوى مع ايران وان امريكا اخطأت في عدم حساب غزوها للعراق وواجهة مقاومة كبيرة وعندما وجدت امريكا ان الانسحاب هو قرار ومخرج عقلاني لها ذلك القرار الذي اتخذ في عهد ادارة بوش واستمر ت ادارة اوباما بتنفيذه وكان من جراء ذلك ان تكسب ايران قوة وشعور كبير بالامن وهذه ربما تكون نتيجة متوقعة ولكن الانسحاب الامريكي والذي جاء تحت القوة لم يكن متوقعا فان عواقبه لم تكن مستوعبة بوضوح ولذلك فقد ذهبت التحذيرات ادراج الرباح.
ان كان العراق قد شكل احد اهم واشد دروس امريكا في تقدير عواقب  التدخل فان الدرس الذي تعلمته امريكا في ليبيا كان اصغر واقل استخراجا للعبر على مستوى الوضع الداخلي الامريكي
في ليبيا لم ترغب امريكا في التدخل بعد تبلور المنطق الجديد في سياستها الخارجية كون ليبيا لاتشكل تهديد لمصالح الولايات المتحدة ولكن  الاوربيين وبالتحديد الرئيس الفرنسي الذي كان يحث على التصدي لانتهاك نظام القذافي لحقوق الانسان وان هذه الانتهاكات و التهديدات يمكن التصدي لها وايقافها بصورة سريعة وفعالة عبر الجو وكان موقف واشنطن ان فرنسا وحلفائها احرار في التدخل بأنفسهم وان امريكا لاترغب في التدخل
وما ان شن الاوربيين حملتهم الجوية على ليبيا فلقد تغير موقفهم سريعا بعد ان اكتشفو ان نظام القذافي لم ينهار ويسقط لمجرد دخول المقاتلات الفرنسية الى الاجواء الليبية بل انهم ايضا اكتشفو ان الصراع سوف يطول وسيكون اقوى مما توقعو سابقا ومابين الالتزام والحفاظ على تحالفها مع الاوربيين او ادارة ظهرها عنهم وجدت امريكا ان المشاركة في الحملة الجوية هو التزام في نطاق ضيق وان دعم الحلفاء هو اعتبار ذو اولوية
لقد تعلمت امريكا من الدرس العراقي والليبي ان التدخل للاطاحة بالانظمة الوحشية لايجلب  انظمة افضل بل يترك الشعوب لوحشية الفوضى والطغاة الصغار ومن العراق تعلمت امريكا درسا اخر مفاده ان العالم لاتروق له الاطاحة بالانظمة المستبدة والوحشية من اجل حقوق الانسان
ولقد اكتشفت امريكا ايضا ان الرىء العام العالمي يتحول سريعا من دعوة امريكا وحثها للتدخل الى ادانتها لتدخلها
ومهما كان تدخل امريكا وحجمه فان العالم يحمل امريكا المسئولية اولا ويدين تدخلها
كذلك فان التدخل سوف يؤلب شعب البلد الذي تدخلت فيه امريكا  ومع حجم التدخل يزداد الكره كما في العراق
اضافة الى ان امريكا تعلمت ان تدخلها في اي بقعة من العالم سوف يطلق قوى تستهدف دبلوماسيها ومهما كان التدخل جزئيا ونطاقه صغير الا انه دائما يجلب مفاجاءات وعواقب غير متوقعة
رغم ان مايجري في سوريا يؤثر على بعض المصالح الامريكية لكن دروس التدخلات السابقة علّم صانع السياسية الخارجية الامريكية ان تدخلها في سوريا محتاج لبذل جهود كبيرة ومواجهة مخاطر وهذه التحديات لاتتناسب مع حجم هذه المصالح
اوربيا
بعد تدخلهم في ليبيا وجدت فرنسا والاوربيين ان تدخلهم في سوريا سوف لن يكون كافيا من غير التدخل الامريكي وهذا يفسر عدم تدخلهم وترددهم طبعا
كل هذا حدث قبل مقتل الدبلوماسيين الامريكان في بنغازي ولكنه لايسبق حقيقة انه بعد التدخل في ليبيا تفجأة المخططين بفترة طول الصراع ومن صعوبة تشكيل نظام اخر  اقل وحشية يحل محل النظام الذي اطيحه به
ولكن الولايات المتحدة غير مستعدة للتدخل بقدراتها العسكرية التقليدية في سوريا رغم اننا لانقول ان الولايات المتحدة ليست لها مصالح في سوريا
ذلك ان اقل مصالح واشنطن في سوريا هي رغبتها في ان لاتكون دمشق دمية في يد طهران تمكنها من الامتداد عبر العراق  لشواطىء البحر الابيض المتوسط كما ان امريكا كانت قانعة بلعب دمشق دور الشريك لايران وليس دور الخانع لها
الولايات المتحدة تنظر لسوريا على انها سوف تكون خانعة لطهران لو تمكن الاسد من البقاء ومع رغبة امريكا في محاصرة ايران وعزلها فان هذا يعني ان ذلك لن يتم الا برحيل الاسد
ان هذه  الرغبةالامريكية لايعني تدخل امريكا عسكريا في الصراع السوري ولكن لايمنع من مساعدات تدريبية تكلف بها قوات المهام الخاصة وهو سيكون تدخل اخف مما يدعوها الاخرين لذلك
ان خيار واشنطن الانسب اتجاه سوريا طبقا للعقيدة الجديدة للسياسة الخارجية الامريكة يتلخص في ان امريكا  اولاترى  نظام الاسد لايقل استبدادا عن نظام صدام حسين او نظام معمر القذافي ولاتقبل الولايات المتحدة بفكرة لاطاحة بالاسد كفيل بصعود نظام اخلاقيا ارقى من النظام الحالي وهي استعدت كي تسمح للقوى السورية الداخلية بمعالجةنظام الاسد على عاتقها وحدها وهي تراقب وتنتظر ماتؤول اليه الامور هناك
ثانيا هي تتوقع ان تتولى هذه المهمة على عاتقها القوى الاقليمية في المنطقة والدولة المعنية هنا تركيا بالدرجة الاولى وبمستوى ادنى المملكة العربية السعودية حيث من مصلحة هاتيين الدولتين محاصرة نطاق النفوذ الايراني في المنطقة طبقا لوجهة النظر الامريكية وهما يمتلكان  ادوات اكثر فعالية من الولايات المتحدة ليحددا نتيجة الصراع في سوريا
اما القوة الاقليمية الثالثة فهي اسرائيل ولكن لايمكن لاسرائيل ان تتدخل في الصراع السوري باي حال من الاحوال
وهي لاتمتللك قوة فرض حل للازمة السورية اضافة الى ان دعمها لاي فصيل سوري سوف يفقده شرعيته
من هنا تجد الولايات المتحدة بان التدخل في سوريا لابد ان يكون اقليميا وكل دولة تنطلق مما تمليه عليها مصالحها القومية
الاتراك يدركون تاثر مصالحهم في سوريا ولكنهم لايودون خوض غمار تدخل عسكري يصعب
تنفيذه وينطوي على عواقب لايمكن التكهن بها اماالسعوديين والقطريين فهم غير مؤهليين للتدخل العسكري ويتصرفون مثل مايفعلون كل مرة
عبر العمليات السرية بتقديم دعم مالي وتزويد الفرقاء بالاسلحة وحث المقاتلين  الاجانب وتجنيدهم عبر دواعي دينية
للتاثير في الشأن السوري من كل هذا نجد ان لا احد يود المغامرة كثيرا والتدخل بصورة مباشرة  للتاثير الفعال في الصراع السوري
الكل يحرص على التدخل بصورة غير مباشرة ولذلك فان لاحل للصراع في سوريا
وقد ادرك هذه الحقيقة  فرقاء الصراع في سوريا الذين باتومقتنعيين بانعدام  تحقيق انتصار عسكري ليكون مخرج من هذا النزاع
فا الدعم الايراني للنظام السوري ودعم الاطراف الاخرى للمعارضة السورية اثبت عدم فاعليتها في حسم الصراع عسكريا لذلك سوف نظل نسمع بين حين واخر عن اشاعات تتحدث عن التوصل  لحل سلمي للازمة السورية
هذ ا المفهوم الجديد في السياسة الخارجية الامريكيةايضا يبدو انه فاعلا اتجاه ايران التى تسعى لتطويرسلاح نووي يشكل تهديدا لاسرائيل
فلا امريكا مستعدة للذهاب للحرب مع ايران ولا تقبل بان تساعد اسرائيل عسكريا في اي هجوم تشنه اسرائيل على ايران
وهي تقوم باجراءات غير كافية  مثل الضغوط والعقوبات الاقتصادية التى سارعت في تدهور قيمة العملة الايرانية
فواشنطن غير معنية بايجاد حل للمسألة الايرانية ولاهي تاخذ على عاتقها مسئولية اساسية اللهم الا اذ شكلت ايران
تحدي للمصالح الحيوية والاساسية للولايات المتحدة الامريكية فامريكا تترك الامور تتفاعل ولن تتدخل الا في ظل عدم توفر اي خيار اخر امامها.
بناءا على هذه العقيدة او النهج الجديد للسياسة الامريكية الخارجية فانه في ضل غياب المصالح الحيوية والجوهرية للولايات المتحدة
فان قضية بلد مثل سوريا يترك شانها للشعب السوري لحل مشكلتهم او توكل مهمة ايجاد حلها لدول الجوار
السوري  خاصة ان امريكا غير مستعدة لتحمل تكاليف انهاء الصراع و ان تكون عرضه للتشهيربها اانه شكل اقل من اشكال
العزلة  وانما الاعتراف بحدود القوة والمصالح وان ليس كل مايجري ويحدث في العالم يستدعي ويبرر تدخلا امريكيا
ولو التزمت امريكا بهذا المبدء فانه كفيل بأن يجبر العلم باعادة النظر في العديد من الامور
وفي زيارة لي مؤخرا لاوربا ومنطقة القوقاز سألت عدة اسئلة عما ستفعله امريكا في الكثير من القضايا
العالمية وكان جوابي لاتنتظرو من امريكا ان تفعل الكثير وان ذلك يعتمد عليهم في التحرك وكان هذا مدعاة للذعر
وحتى الذين كانو ينتقدون الهيمنة الامريكية باتو يطالبون فيها ويبدو ان التحولات التى بدات في عهد الرئيس اوباما قد مرت من غير ان ينتبه لها الكثير الا في ضل اي غياب امريكي فكانو يعزونه لاخفاق وفشل امريكا ورغم انني حاولت ايضاح هذه الحقائق لهم  باعتبارها اصبحت من اعراف السياسة الخارجية الامريكيةولكنني قد اخفقت في الكثير من الاوقات وقد اوضحت لهم اننا الان نخوض غمار انتخابات رئاسية امريكية وان الكثير من هذه الامور هي نقاط اختلاف بين اوباما  ووجهات نظر مت رومني  اني  ارى  ان السياسة الخارجية تصنعها الحقائق وليس الرئيس ولا الخارجية وقد دخلت امريكا مرحلة يتطلب منها ان تخرج من فكرة الهيمنة العسكرية الى ضرورة التحلي بالدهاء السياسي والاكثر اهمية ترك الامور تتفاعل الى غاياتها النهائية وارى ذلك هو نضوج السياسة الخارجية الامريكة وليس تراجعها واكثر اهمية ان ذلك يحدث وهومجرد من اي تاثيرات شخصية للقوى التى تحدد فوز الرئيس القادم وماذا يريد ان يفعل فيما اذا رغب في زيادة التاكيد على العمل وفقا للمصالح الامريكية او طبقا للدفاع عن حقوق الانسان
الولايات المتحدة تغير طريقة كيفية معالجتها للازمات وتعيد  تصميم  نظام معالجتها للاحداث وعليها القبول بان فقط جزء من العالم مهم للمصالح القومية الامريكية والجزء الاكبر منه غير مهم لها وليتشكل كيفما يكون.
هذا لايعني ان الولايات المتحدة ستعزل نفسها عن شؤون العالم فهي تسيطر على محيطات العالم وتنتج ربع معدل الناتج القومي المحلي للعالم ورغم ان الانعزال والانكفاء غير ممكن لكن الممكن ان تكون لديك قدرة على التحكم بدرجة تفاعلك مع العالم طبقا لفهم واقعي لمتطلبات مصالحك القومية
هذه السياسة سوف تقلق النظام الدولي وبالاخص حلفاء امريكا وسوف تثير توترات داخلية لليسار السياسي الامريكي
المطالب بسياسة خارجية اكثر انسانية واليميين السياسي الذي يريد الاهتمام اكثر بمصالح امريكا القومية
ولكن ضغوط العقد الماضي كان وقعها على الولايات المتحدة اشد وطـأة وهذه غيرت الية العمل الدولي
اهم نقطة ان هذا المبدء ظهر لذاته من غير ما يقره احدا وجاء كنتيجة للحقائق التى واجهتها الولايات المتحدة
وياله من مبدء سياسي قوي اذ فسر ذاته بذاته اولا قبل ان يعلن وليدرك كل واحد ان الامور تجري هكذا.

* مترجم وصحفي عراقي
جمهورية مصر العربية
القاهرة
http://www.stratfor.com/weekly/emerging-doctrine-united-states

أحدث المقالات

أحدث المقالات