على الغلاف الخارجي لكتاب القاص والروائي المبدع احمد خلف “الرواق الطويل” الصادر عن دار المدى ـ عام 2012 شدت انتباهي العبارة التالية “متفرغ للكتابة منذ عام 2005″. وتساءلت مع نفسي ما المقصود هنا بالتفرغ للكتابة في بلد مثل العراق يمكن للمرء ان يتفرغ فيه لا للكتابة فقط وانما لكل الشؤون اذا قفز بقدرة قادر الى احد المناصب العليا ” مدير عام فما فوق”. ولان احمد خلف متقاعد وظيفيا و “الله يعلم كم يقبض راتبا تقاعديا على قانون موظفي الدولة من غير الدرجات الخاصة” فان ما قصده على صعيد التفرغ للكتابة هو التفرغ الابداعي بصرف النظر عما تدره الكتابة من ارباح في بلد لاتوزيع عادل فيه ليس للاموال فقط بل حتى للاصدارات بدء من الصحف وحتى الكتب.
واذا تذكرنا المقولة المشهورة في الستينيات من القرن الماضي “القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرا” فان هناك تراجعا واضحا في اعداد القراء ومستويات القراءة وهو ما يحتاج الى فحص ومراجعة معا. فالصحف التي كانت تطبع عندنا بعشرات الالاف باتت لاتتعدى الالفين او الثلاثة الاف الا من رحم ربي من هذه الصحف ولعلها واحدة او اثنتان. والامر نفسه ينطبق على كتب الشعر والقصة والرواية وحتى التاريخ والمذكرات حيث ان “خيرها” واكثرها “تناولا” للخصوصيات فيما يتصل بالوقائع والاحداث والشخصيات لاتوزع الا بضعة الاف من النسخ لاتسد الكلفة. والخلاصة ان الكاتب في العراق لايستطيع ان يعيش “من وراء الكتابة” الا اذا كان لديه مورد اخر. او يكتفي بما تدره عليه الوظيفة من راتب لايسد المتطلبات الجديدة للحياة وما اكثرها او مايحصل عليه من مكافات شحيحة.
وحيث ان “الرواق الطويل” يجمع بين السيرة الذاتية والدراسة الموضوعية للاشخاص والظواهر التي عايشها الكاتب طوال اكثر من اربعة عقود من الزمن وهو ما يحتاج الى وقفة اخرى فان ما اود التركيز عليه في هذا المقال هو مسالة التفرغ للكتابة فقط. والواقع ان القاص والروائي الكبير احمد خلف شد انتباهنا الى قضية بمنتهى الاهمية لاتخصه وحده وانما تخص سواه من كبار المبدعين في العراق الى هذه القضية التي لا احد يعيرها اهتماما . وفي هذه المسالة جانبان وهما المبدع والمجتمع. وحيث ان مسالة سن قانون خاص للتفرغ الابداعي مضى عليه عقود من الزمن فان الحاجة اصبحت ماسة اليوم لان يعاد طرح هذا الموضوع بقوة لكي يصار الى تشريع قانون خاص بالتفرغ يشمل فيه من يروم كتابة عمل روائئ او قصصي او بحثي يتطلب دراسات واطلاع وسفرات وما تحتاجه من نفقات. كما يشمل فيه عدد من الكتاب والشعراء ممن يتفق على قيمة منجزهم الابداعي في ضوء معايير معينة سواء من خلال ما اصدروه من اعمال وما نالوه من جوائز وتقييمات او حازوه من دراسات وابحاث.. وللحديث بقية.