خاص : حاورته – سماح عادل :
“حسن جودة” روائي عراقي متميز.. من مواليد بغداد 1969، خريج كلية الزراعة جامعة الموصل، بدأ بكتابة الرواية الأولى عام 1997, ولكن وللظروف الصعبة في العراق لم تتم طباعتها إلا في عام 2014 وكانت بعنوان (مسلحون أبرياء) صدرت عن دار عدنان، وفي روايته الثانية (سفن فضية) الصادرة 2016 عن دار سطور، يتناول موضوع شائك، وهو الأفارقة الذين جلبوا في عصور سابقة وتم استعبادهم في البلاد العربية، كما أشار لـ”ثورة الزنوج”, التي حققت العدالة والمساواة لهؤلاء وجمعتهم في مكان آمن عاشوا فيه بسلام إلى أن تمت هزيمتهم في عهد الخلافة العباسية بالدهاء والحيلة.. يتخيل الكاتب في الرواية أن يستطيع بعض الأبطال تحقيق هذا الحلم مرة أخرى، حيث يتجمعون في منطقة يسمونها “مختارة السلام” ويأسسون مجتمعهم الجديد الذي يقوم على الإخاء والعدالة، لكن السلطات لا ترضى بذلك فيعودون إلى إحدى الدول الإفريقية ليحققوا حلمهم ويسافرون في سفن فضية.
رواية (سفن فضية) لاقت نجاح كبير في الوسط الثقافي العراقي، ومن قبل القراء، وصورت المعاناة التي عاشها “الزنوج” حتى بعد تحريرهم, لأنهم ظلوا في أدنى الطبقات الاجتماعية، ولم يتخلصوا من الوصمة التي لحقت بهم، كما تناولت في جرأة ظواهر اجتماعية سرية مثل “ممارسة السحاق، وشرب الخمر، والبغاء”، فهي ممارسات موجودة رغم تخفيها وراء التدين الظاهري لدى بعض الناس.. حرصت (كتابات) على محاورته والتقرب أكثر من فكره ورؤاه الأدبية والفكرية…
(كتابات): كيف بدأت طريق الكتابة.. ولما اخترت أن تعبر من خلال الرواية ؟
- بدأت الكتابة عندما أخبرني أستاذ في كلية الزراعة، وهو يعلق على إجابة تهكمية تحريرية لي قائلاً: إن إجاباتك عميقة ومن المحزن أنك لا تتجه إلى كتابة الرواية.
(كتابات): في روايتك (سفن فضية).. لما تناولت قضية الأفارقة الذين استعبدوا في العصور القديمة ؟
- لأشير إلى أن المظلومية مستمرة, ولم توقفها لا أديان الأنبياء ولا مواعظ الحكماء.
(كتابات): رواية (سفن فضية) تحيل القارئ إلى “ثورة الزنوج”.. حدثنا عنها ؟
- اعتقد أن الدكتور “فيصل السامر” هو الكاتب الوحيد الذي أنصف الزنوج وثورتهم في كتابه الموسوم “ثورة الزنج”، ولكن لا بأس من التحدث عن بعض جوانبها، ففي العصر العباسي أصبحت الأراضي الزراعية شاسعة وحدث هناك شحة في الأيدي العاملة القادرة على استصلاح هذه الأراضي أو زراعتها، لذلك عمد التجار العرب وبتشجيع من السلطة العباسية إلى جلب الزنوج من إفريقيا، ومن ضمنها من ولاية “زنجبار” والتي ستكون السبب في تسميتهم بالزنوج، كان التجار إما يشاركون في معارك تحدث مع القبائل الإفريقية ليحصلوا على الأسرى الزنوج، أو يشتروهم، أو يجلبوهم بطريقة صيدهم في غابات إفريقيا ليأتوا بهم مكبلين بالأغلال إلى شواطئ البصرة، حيث يعملون في الأراضي السبخة، وذلك بإزالة الملح عنها، يعملون حتى الموت وهم يصنعون جبال من ملح، وبعضهم يتم إخصائهم جنسياً ليأخذوهم كخدم في بيوت سادتهم، كل هذه الظروف أدت بثورة عارمة سنة 550 هجرية، حتى قال بعض المؤرخون أن الزنوج اقتسموا الأرض مع الدولة العباسية، واستمرت الثورة عقداً من الزمن، وانتهت بمجزرة دموية وانتهت “ثورة الزنج” بعد تأسيسهم لمدينة عظيمة في البصرة اسمها “المختارة”.
(كتابات): في روايتك (سفن فضية) حلم بمجتمع عادل يخلو من العنف والعنصرية والظلم.. هل يمكن أن يتحقق ذلك ؟
- لن تتحقق جمهورية أفلاطون على أرض الواقع، ولكن حين نتجاوز الإقصاء والتهميش فبالتأكيد سيتحقق الإبداع، وربما ما حققته الدول الإسكندنافية مثال حي على تحقيق الرفاهية والسلام والأمان.
(كتابات): الجرأة في الرواية عند الحديث عن السحاق أو هروب الزوجة أو الخيانة الزوجية واحتساء الخمر هل تشي بمناخ من الحرية في العراق ؟
- في مجمل الرواية إشارة لأمراض اجتماعية تنخر في مجتمعنا الشرقي، ولا علاقة للسحاق أو الخيانة الزوجية وبالتالي الهروب بالحرية، بل هي أمراض اجتماعية مسكوت عنها، ولكن لو سألتني هل هناك حرية للتعبير في العراق ؟.. سأجيبك بنعم, ولكن ضمن حدود وخطوط حمراء.
(كتابات): ما رأيك في التطور الذي تشهده الرواية في العراق ؟
- اعتقد أنها ثورة روائية, رغم الانتقادات التي تتعرض لها بعض الروايات، ولكن الكم ينتج النوع حسب اعتقادي، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح.
(كتابات): هل النشر مواكب للإنتاج الأدبي الغزير ؟
- النشر غير مواكب بالتأكيد، ولكن في العراق أمر النشر يتعدى ذلك، ويسبب مشكلة بكل معنى الكلمة، فدور النشر تحاول استغلال الكاتب بشكل لا يمكن تصوره، وخاصة الكاتب الذي لا يمتلك اسماً لامعاً، وإن كان مبدعاً لحد الإبهار.
(كتابات): ما رأيك في حال النقد في العراق والعالم العربي ؟
- لدينا نقاد رائعون, ولكن الأضواء لا تسلط عليهم.
(كتابات): في رأيك هل تجد الرواية العراقية التقدير الذي تستحقه في البلدان العربية الأخرى ؟
- سؤال من الصعب الإجابة عليه بشكل دقيق، لأن الكاتب العراقي مازال محاصر، ومازال قانون مجلس قيادة الثورة يحاصره لحد هذه اللحظة، وبالتأكيد فإن هذا القرار يلاءم الإسلام السياسي الحاكم الذي أبقى على القرار لسبب بسيط عدم نشر أفكار تطيح بالخرافة المنتشرة.
(كتابات): ما رأيك في الجوائز العربية وهل ساعدت على ازدهار الرواية ؟
- نعم الجوائز العربية ساهمت في انتشار الرواية وتسليط الضوء على الكاتب العربي، ولكن هناك مشكلة كبيرة ربما ستتفاقم وتؤثر سلباً على الرواية بصورة عامة، وهي أن تصبح هناك موجة من الكتابات تلاءم ذوق لجان التحكيم ولا تهتم بذوق القارئ بصورة عامة، وهذا بالتأكيد يؤثر سلباً على الرواية.