لم تمر محّنة على العراق مثل اليوم، لان جميع المحن في تاريخه، كان لبغداد قولا وللعراق فصلا، اما الخوف الان حينما يعمُّ ببغداد النزق السياسي، ويغرّد على منابرها الحديث الصبّياني فتلك هي المعضلة.
نبدأ قراءة المشهد بزيارة رئيس الوزراء العبادي يوم امس للناصرية، اراد ان يبعث رسالة لمسعود البرزاني ان اولاد الناصرية قرابين حزب الدعوة ممكن دغدغة مشاعرهم تارة بالمنبر العاشورائي السياسي واُخرى بالنخوة القبلية لنجعلهم حطب الحرب القادمة، بين احزاب الاسلام السياسي المؤتمرة لطهران وبين الفرعون المتنمّر مسعود البرزاني الذي استمرئ التمثيل حتى اراد ان يكون صداما كرديا ولكن بفارق، وهو نهم الاستحواذ على المال العام.
حين يرى براهما الشيعة من تصدّر مشهد التحالف الشيعي بغفلة الزمن، ان الناصرية بيادق جند يحركونهم الى محارق الموت .. لأنهم لا يعرفوا الناصرية وتاريخها، ومن يعرفها منهم فهو يعيش عقدة التاريخ .. الناصرية يا صبيّة السياسة .. فهي في تاريخ العراق الحديث، العمق السياسي لصالح جبر ورئاسة وزراء العراق باعتدال ناجي طالب وقيادة المد القومي ب فؤاد الركابي وقيادة التأسيس الماركسي ب يوسف سلمان يوسف (فهد)،والناصرية قيادة الجنوب في اخر إمارات العراق في بلاد المنتفق، الناصرية لا تنتظر بركاتكم أيها الجوعى للوجاهة والتاريخ .. الناصرية المدينة التي اختلفت مع صدام حسين كثيرا لكن لم يتجاهلها ابدا لانه يعرف .. ماذا يعني عمق بلاد المنتفق؟ .. واذا كانت قيادة البعث في العراق خمسة عشر عضوا كان على مدى تاريخ حكم البعثيين الاخير، للناصرية من أربعة الى خمسة مقاعد اعضاء في قيادته، تلك نقطة ليست جميلا صداميا على الناصرية بل انه واقع مفروض ان الناصرية معادلة صعبة في تاريخ العراق السياسي رغم ما لحق بها من الجور والاضطهاد … واخرها تهميش حزب الدعوة في ثلاث مراحل لتسلمه القيادة السياسية للعراق على مدى اثنى عشر عاما، لم يكن للناصرية تمثيل الا بواحدة منها خجولة.
اليوم اختلف الشركاء من احزاب الاسلام السياسي الشيعي وأرادوا افساد رسالة العبادي، حيث ترنحت الناصرية بانفجار فظيع وانكسار أمني مريع، يا لهول رسائل الجبناء حين تكون السلطة اداة طيّعة بايديهم، ليكون اقرب ردودهم هي اصابع الديناميت والعبوات والسيارات المتفجرة والمسدسات الكاتمة .. والا كيف تصل السيارات المتفجرة لموقع الحادث اذا لم يكن لمتنفذيّ ازلام السلطة بوصولها ورعايتها وتوقيتاتها، لتفتك بطشا في الناصرية.
نعود لكركوك مدينة التآخي وعنوان تحضر العراق، كركوك التسعين وصاري كهية، ودروب التاريخ، وعفّة التسامح، كركوك شرقا اوسطيا مصغّر تعيش فيه القوميات والأجناس بزهو الحضارة والتمدّن، لكن صاحب القرار المهيّمن في بغداد، جعل من كركوك منطقة للصراع لتكون قنبلة موقوتة مثلما نعيش أحداثها اليوم، غضّ الطرف عن تغييرها الديمغرافي حتى ضاقت كركوك باهلها الاصلاء، وبات العبث السياسي سيد الموقف لدرة التاريخ، وشعلتها الأزلية الفاعلة في اقتصاد العراق، وحتى نشخص ما وصلت اليه كركوك كان بوعد سابق من التحالف الشيعي بالتنازل عن كركوك لشريكه الأزلي التحالف الكردي، ولكن حين صارت تبعية كركوك الى أربيل تشكل تهديدا للامن القومي الايراني تراجع قادة الاحزاب الشيعية عن وعودهم.
اليوم بغداد ثكلى تأن، وطبقتها السياسية تتوسل البيت الأبيض ان يضمد جراحها لكنها لا تريد الطلاق من طهران زوجة وجارية مطيعة، نعم انها محنة العراق اليوم.
اليوم لا سبيل لخروج العراق من أزمته الا بحلّ البرلمان العراقي، وإعلان حكومة الإنقاذ الوطني برعاية دولية، هو الخيار الوحيد لإيقاف تقسيم العراق وسحب البساط من تحت اقدام المتنمّر مسعود البرزاني، وإيقاف التغول السلطوي لاحزاب ايران وميليشياتها الفاعلة في مصادرة المشهد السياسي في بغداد، وتحديد سقف زمني لحكومة الإنقاذ الوطني بقيادة وطنية عراقية للتهيأ لموعد انتخابات قادمة أمدها سنتان، يكون للمجتمع الدولي والامم المتحدة حضورا جليا وواضحا .. بغية تحرير العراق من الاحتلال الايراني سياسيا واقتصاديا وميليشياويا .. وليتحمل الأمريكان هذه المرة مسؤولية اخطائهم التاريخية الجسيمة في تسليم العراق للغول الايراني الذي عبث بمقدراته وفك نسيجه وأهان وطنيته.