التحذيرات ، ان صح التعبير، التهديدات التي اطلقها الزعيم الكوردي مسعود برزاني حول استقلال اقليم كردستان العراق ليست جديدة بل هي قديمة , الا انها تعتمد في كل مرة في التصعيد او التخفيض على موقفه الشخصي من حكومة المركز في بغداد و ردود افعالها ، في الكثير من الاحيان تنتهي هذه التحذيرات الى وعود ومكاسب سياسية واقتصادية تقدمها الحكومة المركزية الى السيد برزاني او حزبه وعائلته .
لكن ” استفتاء الاستقلال ” في الخامس والعشرين من ايلول (سبتمبر ) الجاري اتخذ شكلا ومضمونا اخر ، يبدو سقف مطالب الزعيم برزاني هذه المرة جدا عالية ، كشف عنها وفد اقليم كردستان الذي زار حكومة المركز في بغداد ، وفد اقليم جاء يحمل معه قرار اتخذه الزعيم برزاني لابلاغ المركز وليس للتفاوض على شكل ومضمون ( استفتاء الاستقلال ) او التفاهم على مراحله ونتائجه واثاره .
وفد الاقليم الذي امتنعت عن المشاركة فيه احزاب كردية قوية ومؤثرة في الساحة السياسية الكردستانية ( التغيير والاسلاميون) زار حكومة المركز في بغداد بسبب الضغوط الدولية والاقليمية التي طلب قسم منها تأجيل الاستفتاء والاخر رفض اجراء مثل هذه الاستفتاء معتقدين انه سوف يؤدي الى عدم استقرار المنطقة .
الموقف الرسمي الامريكي واضح ضد توقيت الاستفتاء بسبب المعارك الجارية ضد تنظيم داعش الارهابي ، حسب الاتصال الهاتفي الذي اجراه وزير الخارجية الامريكي السيد تيلرسون في شهر اب ، مع السيد برزاني زعيم الاقليم ، والذي طلب الاخير ضمانات امريكية تلبية لتاجيل الاستفتاء . بينما الموقفان التركي والايراني اكثر وضوحا من الدبلوماسية الامريكية حيث الرفض القاطع لمثل هذا الاستفتاء وان كان استفتاءا غير ملزم ولا يعني الاستقلال الفوري حسب تصريحات قادة الاقليم .
يعتقد السيد بكري المسئول في دائرة العلاقات الخارجية في اقليم كوردستان الذي زار واشنطن مؤخرا (ان استقلال كردستان هو الحل وليس المشكلة ) ويضف في مقابلة مع فورن بولسي ( تستطيع الولايات المتحدة الامريكية ان تلعب دورا مهما …. لجلب بغداد واربيل الى المفاوضات ) ، لكن الوفد اقليم كردستان الذي زار بغداد مؤخرا لم يطرح اي فكرة عن مفاوضات حول استقلال كردستان ، بل ان السيد برزاني اعلن عن الاستفتاء دون اي تنسيق او تفاوض مع المركز بغداد . بالتالي الوفد حمل اعلان ( استفتاء الاستقلال ) الى بغداد , كلاهما بغداد واربيل قد اعلنت مواقفها من الاستفتاء قبل وصول الوفد الى بغداد ، بمعنى ان هذه الزيارة واللقاءات التي اجريت مع المركز فاشلة من حيث النتائج ، بل هي محاولة لاستغلال موقف ” ضعف ” حكومة بغداد خاصة وهي تحارب في اكثر من جبهة لتحرير الاراضي العراقية من داعش الارهابي ، وهذه الحرب مع الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به الحكومة الفيدرالية يكشف بكل تأكيد ان توقيت استفتاء الاستقلال وزيارة الوفد ليست سوى تضييع وقت ووسيلة استغلال واضحة .
يعتقد بعض الكورد ان التعاطف الاسرائيلي مع استقلال كردستان سوف يؤتر على الموقف الرسمي الامريكي لما تملكه اسرائيل من قوة ضغظ على البيت الابيض ، لكنه فات هولاء الكورد ان التعاطف شيئ والمصالح شيئ اخر ، ليس من مصلحة الادارة الامريكية الحالية اعلان استقلال كردستان العراق وضم كركوك النفطية للاقليم ، هذه العملية سوف تؤدي الى عدم الاستقرار في العراق والمنطقة ، وعدم الاستقرار هذا سوف يؤدي الى ارتفاع اسعار النفط ، وبكل بساطة سوف يؤثر على المواطن العادي والاقتصاد الامريكي ، من غير المعقول رئيس مثل السيد ترامب بعقلية اقتصادية او مثل السيد بريت ماكورك الموفد الخاص للتحالف الدولي في محاربة داعش في العراق والشرق الاوسط ، سوف يوافقان على تقديم شعور التعاطف على المصالح الامريكية . مهما صرح بعض المحللين الامريكان حول اهمية العلاقة الامريكية مع كردستان العراق ( الديمقراطية ) والتحالف معها ضد التنظيمات الارهابية ( داعش واخواتها ) الا انهم جميعا يعترفون ان دعم استقلال كردستان العراق سوف يؤثر سلبا على المصالح الامريكية في المنطقة عموما وفي العراق خصوصا .
خلاصة القول ، ان اجراء الاستفتاء والقصد منه هو عملية سياسية ( استغلالية ) لا تمت بصلة الى مفهوم الاستقلال وحق تقرير المصير ، قراءة بسيطة لوضع الاقليم يكشف لنا بلا عناء ان الاقليم لا يخضع للحكومة الفيدرالية العراقية بل انه يتصرف خارج نطاق الدستور العراقي الفيدرالي الاتحادي بعقلية الحكم الكونفيدرالي .