في عالم متغير القوى والأقطاب، تهيمن عليه نظريات القوة والغلبة، ولغة الموت أهم خياراته، لفرض الإرادة والهيمنة، والتي توفرها أهم عناصر تفوقه “سلاح القوة الجوية”.
مقتل طيارين عراقيين في فترة وجيزة نسبيا، يجعلنا نعود إلى عام 1965، لنؤمن بنظرية المؤامرة التي كانت من “شماعات” القرن العشرين.
بعد احتلال 2003 حل الجيش العراقي بجرة قلم من قبل “بريمر”، فأضحى أغلب ضباطه عرضة لاختراق المخابرات العالمية، نظرا لظروفهم المعيشية السيئة، وتعرض عشرات الطيارين منهم لتصفية جسدية ممنهجة، بدأت عام 2004، والإعلام العراقي والعالمي يتحدث عن يد إيران الطولى في العراق، ولا غير.
نعم ذلك صحيح؛ إذا كان النظام الجديد يعاديها، “أي ايران”، أو ربما غلبت على مسؤوليها “المحنكين” نظرية الثأر من حرب الثمان سنوات الماضية، بعيدا عن مصالحهم الإستراتيجية العليا، لكن علينا أولا أن نكشف كل الأوراق.
بدأت أول حادثة اغتيال لطيار عراقي عام 1965، حينما أصبح العراق أول دولة خارج حلف وارشو تقتني طائرة “ميغ” 21 السوفيتية، وهذه الطائرة تشكل عنصرا راجحا ومتفوقا على مثيلاتها “ميراج” الفرنسية التي تشكل عمود سلاح الجو الإسرائيلي.
شكلت إسرائيل خلية عمل ضخمة، لغرض الحصول على الطائرة، يقودها رئيس الموساد الجنرال “مائير عاميت” أطلقت عليها الكود “007” وكان هدفها الأول النقيب حامد عبد المنعم الضاحي، الذي التحق لتوه بدورة في “تكساس”، فوتح بالأمر بعد عرض المغريات عليه، لكنه رفض وجرت تصفيته في نهاية الدورة، وتمت “طمطمة” الموضوع على انه انتحار…!
الهدف الثاني كان النقيب شاكر محمود يوسف في الدورة الثانية في تكساس ايضا، بواسطة العميلة “كروثر هلكر” التي تعلقت به، وأصرت على مرافقته إلى لندن، وجالا في معظم الدول الأوربية في اجازة مفتوحة، حتى وصلا الى العراق، وغادرت بعد مدة الى بلدها الولايات المتحدة.
بعد شهر تقريبا “هزها” الشوق لصديقها “كما يذكر الحادثة” د.حميد السعدون في كتابه عناقيد النار، وعادت إلى بغداد وفاتحته بالهروب بطائرة الميغ الى اسرائيل، لكنه رفض، فقتلته بمساعدة عميل آخر داخل شقة في منطقة المسبح، واستقلت أول طائرة خارج العراق، وسجلت الحادثة على انها انتحار أيضا…!
النقيب محمد غلوب طيار الميغ في قاعدة كركوك كان الهدف التالي، وتم استدراجه للقاء قادة الموساد في المانيا وفرنسا، عن طريق علاقة مشبوهة بواسطة احد عميلات الموساد، ” فدائيات نجمة داوود” او “حارسات الهيكل”، كما كان يطلق عليهن.
حاول خداعهم حين وافق على طلبهم، بعد أن يضعوا مليون دولار في حسابه البنكي، لكنهم اكتشفوا أمره، ورموه اثناء سير قطار (باريس- فرانكفورت)، وعزى تقرير الحادث على انه فتح باب العربة وسقط، فمزقته عجلات القطار المندفع بسرعة.
بعد كل عمليات القتل هذه، وغفلة القوة الجوية، ولا مبالات جهاز الاستخبارات العراقي، تشجعت إسرائيل واقتنصت الفرصة، وفي 16 آب 1966 تمكنت من إغواء الطيار “منير روفا” بواسطة العميلة “باربرا”.
وبعد هروبه بصيده الثمين، واستقباله الكبير بمطار “عتليت”، في إسرائيل، صرح بأن هروبه جاء بسبب معاناته من الاضطهاد الديني، “لكونه مسيحي” وهي كذبه أراد بها أن يبرر فعله الخياني، الذي ضل يطارده لأخر يوم في حياته.
قبل أيام قتل الرائد الطيار نور الخزعلي، وقبله بسنة ونصف قتل العميد الطيار راصد محمد صديق في ولاية أريزونا، بدلا من تكساس هذه المرة، وبطائرات F16 التي قد يخسر كلفتها العراق، خلافا لكل عقود التدريب العالمية، وبغفلة من كل مؤسسات الدولة العراقية ذات الشأن، سيتم نسيان الحادثتين، لتبقى عاهرات المخابرات العالمية، تخير طيارينا بين الموت أو خيانة الوطن