16 نوفمبر، 2024 2:06 م
Search
Close this search box.

“شوق الدرويش” .. تكشف زيف المقدس المراوغ وتبتهل بالعشق المأساوي !

“شوق الدرويش” .. تكشف زيف المقدس المراوغ وتبتهل بالعشق المأساوي !

خاص : قراءة – سماح عادل :

في رواية (شوق الدرويش), للكاتب السوداني “حمور زيادة”.. يتجسد العشق الذي تمنع اكتماله وحشية الإنسان، فالرواية تحكي عن قصة عشق مأساوية تنتهي بموت الحبيب، الذي تجرع الألم طوال فترة عشقه، لكنه انتقم لموت حبيبته.. كما ترصد الرواية جنون الإنسان وصراعاته التي تكتسب صفات مقدسة في حين أن هذه الصراعات أهدافها الوحيدة مادية ونفعية.

من خلال, 468 صفحة من القطع المتوسط, تتعرض الرواية لفترة “الثورة المهدية” بالسودان، في أواخر القرن التاسع عشر (1881 – 1899)، تحكي عن “الخرطوم” المدينة التي حكمها الإنكليز، وكيف خربت على يد “جيش المهدي”، وقتل حاكمها الإنكليزي “غوردون”، واختار “المهدي” عاصمته على الضفة المقابلة من النهر حيث تزدهر “أم درمان” لزمن, حتى يدخلها الجيش المناوئ من مصريين يعاونهم الاحتلال الإنكليزي.

الشخصيات..

“بخيت منديل”: البطل، فتى من منطقة جبلية في السودان يتم أسره منذ طفولته, ويعيش كعبد معظم فترات حياته، يتم استغلاله جنسياً من قبل سيد أوروبي، ثم يعمل كعبد خادم, وحين يموت سيده مصادفة يذهب لينشر دعوة “المهدي” في مصر، مؤمناً أن دعوة “المهدي” لابد وأن تنتشر في باقي البلاد، لكنه يؤسر ويصبح عبداً مرة أخرى ويتعلم أشياء كثيرة في حياته في مصر، ليعود إلى السودان بعد أن يحرره سيده المصري, ويقع في غرام إحدى الراهبات اليونانيات لتأخذ حياته مساراً آخر مأساوياً.

“ثيودورا – حواء”: راهبة كاثوليكية يونانية كانت تعيش في مصر، وجائت إلى السودان في بعثة تبشير، ونتيجة للصراعات يتم أسرها وتصبح خادمة لأحد التجار، يفرض عليها اعتناق الإسلام ويتغير اسمها إلى “حواء”، ثم تقتل حين تفكر في الهروب والرجوع إلى مصر، وهي الفتاة التي توله في عشقها “بخيت منديل”, لكنها لم تبادله نفس العشق لأنها ظلت على تعاليها، فهي تعتبر “السودانيين” أقل درجة منها.

“الحسن الجريفاوي”: أحد الشيوخ الذي تعلم القرآن على يد شيخ صوفي، ذهب في جيش المهدي يدفعه إيمانه وترك زوجته وحياته، ثم بعد القتل، والعنف، والوحشية، وهزيمة “المهدي” فقد إيمانه بفكرة “المهدي” وتوجه إلى العمل بالتجارة، وهو من سيمسك بـ”بخيت منديل”, بعد قتله لخمسة رجال وسيسلمه إلى حتفه.

“مريسيلة”: فتاة سودانية أنجبتها أمها من “جني”، ثم أصيبت أمها بالجنون، وتحولت إلى ساحرة تصلح أمور الناس في أحوال العشق والمرض وتعالج الناس، وحين تقع الكوارث يحمي بيتها النساء المشردات من الأسر.

“جوهر”: صديق “بخيت منديل”, قابله في السجن وتعاطف معه وكان يدعمه، ثم اختفى فجأة دون أي دليل, وقيل أن “الجن” قد خطفه.

“يونس ود جابر”: حارس سوداني خائن، هو من أوهم “ثيودورا” أنه سيساعدها في الهرب من السودان, لكنه سلمها لسيدها مقابل مبلغ من المال.

الراوي..

الراوي عليم.. يحكي عن كل الشخصيات، يعرف دواخلهم مشاعرهم وأفكارهم، كما يوضح مدى الاختلاف بين الشخصيات في نظرتهم للآخرين.. “الراهبات” يتعالين على “السودانيين” ويرون أنهم بشر جاهلين، ويتقززون من لون بشرتهم ورائحتهم، وفي المقابل “السودانيون” أيضاً يتقززون من “البيض” ويرون أنهم كالمسلوخين بجلودهم البيضاء التي تشي بأن الدماء ستفر منها.

السرد..

يتنقل السرد ما بين الأزمنة المختلفة دون نظام واضح.. يرجع سنوات ثم يتقدم ثم يرجع لسنوات أقدم, مما يجعل القارئ يتشوش أحياناً، يهتم بشخصية ما فيحكي عنها مطولاً ثم يعود لشخصية أخرى دون نظام لتقسيم السرد يفهمه القارئ، لكنه رغم ذلك لم يترك فراغات، فقد استطاعت الرواية تصوير الشخصيات بما يشبع ذهن القارئ، إيقاع الرواية بطيء وقد يحدث بعض التكرار في الحكي.

ليس تأريخاً..

رغم أن الرواية تدور أثناء فترة “ثورة المهدي” وانهزامها وتستمر لسنوات بعدها, إلا أن الرواية لا تهتم بتأريخ تلك الفترة، وإنما تأتي هذه الأحداث التاريخية كخلفية زمنية فقط، فالحكاية الأساسية هي حكاية عشق “بخيت منديل” لـ”حواء”، وكيف أنه تعذب في هذا العشق، فهي لم تبادله نفس العشق وإنما استمتعت به فقط، وفي النهاية اختارت أن تهرب بدلاً من أن تتزوج “عبد أسود” على حد وصفها، لكنها رغم ذلك اعتبرته نموذج مختلف عن باقي السودانيين، وأن حكاية عشقه حكاية أسطورية.

عشق مأساوي..

كرس “بخيت منديل” باقي حياته للانتقام لمن قتل حبيبته.. لم يفكر أن يبدأ حياته من جديد رغم معرفته رأيها فيه، ورغم أنه قرأ دفترها, لكنه التمس لها العذر، مبرراً لنفسه أن العشق قدر ولا أحد يختار قدره. رغم أن “مريسيلة” تحبه وترعاه, وهي التي أنقذت حياته بعد سجن دام سبع سنوات، لكن “حواء” سكنت روحه لدرجة أنها بعدما ماتت كانت تظهر له كشبح في الليالي القاسية تحدثه وتواسيه.

المقدس المراوغ..

صورت الرواية أن “ثورة المهدي” لم تكن كلها خير، رغم إيمان السودانيين بها وخروجهم بالآلاف للجهاد فيها، وقتل الغازي التركي ومحاربة المصريين والأوروبيين، وحتى قتل المسحيين من الرهبان الذين لم يعتدوا على أحد، فقد استغلها التجار مثل “إبراهيم ود الشواك” الذي كان يفاوض الطرفين: أتباع “المهدي” وحكام البلاد المحتلين، فيما آمن آلاف من السودانيين أن قائدهم “المهدي” هو الذي اختاره الرسول ليدفع عنهم ظلم الأتراك والمصريين والأوروبيين, لم يشفع ذلك للثورة ويجعلها تنصف الفقراء، فقد ركبها التجار والمستغلين واستفادوا منها، حتى أن “إبراهيم ود الشواك” استطاع أن يختار الراهبة اليونانية الجميلة بالرشوة ليتمتع بها جنسياً، وغيره كثيرون حصدوا المكاسب في حين أن المجاهدين أنفسهم خسروا حياتهم وقتلوا الكثيرين، ولعل تردد “الحسن الجريفاوي”, في آخر الرواية, يعكس ذلك، فالإيمان الأعمى بمقدس ما وممارسة العنف من خلاله وبسببه  ليس شيئاً إنسانياً، فالعنف والقتل والوحشية أمور خارج الإنسانية، كما أن الاستعمار واستغلال الفقراء وغزو البلدان لنهب ثراواتها ضد الإنسانية.

يستشهد الكاتب بآيات من القرآن وبآيات من الإنجيل، وكل شخصية في الرواية لها معتقد ديني تؤمن به، ورغم أنه دين إنساني إلا أن أتباعه ينفون الآخر، ويتوقعون منه أن ينضم إلى صفوفهم وإلا يصبح عدو، أتباع “المهدي” يصفون النصارى بالكفار ويذبحونهم لذلك، والمسيحيين يريدون أن يهدوا الأغنام الضالة، هنا تكمن مراوغة المقدس الذي ينفى الآخر.

الكاتب..

(شوق الدرويش), صدرت عام 2014 في القاهرة.. حازت على “جائزة نجيب محفوظ للأدب” عام 2014، ودخلت في القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2015 “بوكر”.

“حمور زيادة” مدون، وكاتب صحافي، وروائي سوداني.. ولد بالخرطوم بمدينة “أم درمان” ونشأ بها، اشتغل بالمجتمع المدني لفترة, ثم اتجه للعمل العام والكتابة الصحافية، فكتب بصحف: “المستقلة”، و”الجريدة”، و”أجراس الحرية” و”اليوم التالي”.

تعرض لانتقادات من التيارات المحافظة والإسلامية بالسودان لنشره قصة عن الاعتداء الجنسي على الأطفال، بعد التحقيق معه تعرض منزله للاقتحام وأحرق في تشرين ثان/نوفمبر 2009, ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عما حدث بشكل رسمي.. بعدها ترك السودان في نهاية نفس العام واتجه للاقامة بمصر, حيث شارك بالكتابة في مجلة “روز اليوسف” وجريدة “الصباح”.

أعماله..

صدرت له بالقاهرة:

1 – سيرة أم درمانية، مجموعة قصصية، 2008.

2 – الكونج، رواية، 2010.

3 – النوم عند قدمي الجبل، مجموعة قصصية، 2014.

4 – شوق الدرويش، رواية، 2014.

ترجمت بعض أعماله القصصية إلى اللغة الإنكليزية في دوريات أدبية، وصدرت ترجمة إنكليزية عن روايته (شوق الدرويش) عن دار Hoopoe في 2016.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة