خاص: كتبت – سماح عادل :
“يوسف إدريس”.. قاص، وروائي، ومسرحي مصري.. ولد عام 1927 في قرية “البيروم” التابعة لمحافظة الشرقية بمصر, حصل على بكالوريوس الطب عام 1947 وتخصص في فرع الطب النفسي 1951.. كان والده يعمل في استصلاح الأراضي، وكان كثير التنقل، وقد أرسل ابنه الكبير “يوسف” ليعيش مع جدته في القرية.
حياته..
خلال سنوات دراسة “يوسف إدريس” في كلية الطب, كان يشارك الاحتجاجات الطلابية ضد الاحتلال الانكليزي والملك فاروق، وفي 1951 أصبح السكرتير التنفيذي لـ”الجنة الدفاع عند الطلبة”، ثم سكرتيراً للجنة الطلبة، وكان ينشر مجلات ثورية، وسجن عدة أشهر.
عمل بمستشفى “القصر العيني” المصرية، كطبيب في الفترة من 1951 : 1960، وحاول ممارسة الطب النفسي عام 1956، لكنه تخلى عن ذلك وعاد للطب، ثم عمل مفتش صحة، ثم صحافي محرر بصحيفة “الجمهورية” 1960. في 1961 انضم إلى المناضلين الجزائريين داخل الجبال وحارب في معارك الاستقلال ستة أشهر وأصيب بجرح، وأهداه الجزائريون وساماً.
أًصبح كاتب بجريدة “الأهرام” القاهرية، في 1973 حتى 1982، وكان عضواً في كل من “نادي القصة” و”جمعية الأدباء” و”اتحاد الكتاب” و”نادي القلم الدولي”، وسافر عدة مرات إلى بلدان مختلفة، ففي الفترة بين 1953 : 1980 سافر إلى “فرنسا، إنكلترا، أميركا واليابان وتايلندا وسنغافورة وبلاد جنوب شرق آسيا”.
الكتابة..
أثناء دراسته كتب قصته القصيرة الأولى، وقد لاقت قبولاً من زملائه، وبدأت قصصه القصيرة تظهر في صحف “المصري” و”روز اليوسف”، وفي 1954 ظهرت أولى مجموعاته القصصية (أرخص الليالي)، ومدحها الأديب الكبير “طه حسين”، عام 1963 حصل على وسام الجمهورية تقديراً لأعماله الإبداعية. وخلال 1969 ألف مسرحية (المخططين), منتقداً فيها نظام الرئيس المصري الراحل “جمال عبد الناصر” ومنعت المسرحية، وفي 1972 انعزل تاركاً الساحة العامة بسبب آراءه العلنية ضد الرئيس “أنور السادات” وممارساته السياسية, لكنه عاد بعد حرب أكتوبر 1973, وكان وقتها قد أصبح من كبار كتّاب جريدة “الأهرام”.
تميز “يوسف إدريس” بسعة الثقافة, فقد كان قارئاً نهماً للأدب العالمي وخاصة الروسي، كما قرأ لبعض الكتاب الفرنسيين والإنكليز، واهتم أيضاً بالأدب الآسيوي وقرأ لبعض الكتاب الصينيين والكوريين واليابانيين.
وكان غزير الإنتاج الأدبي أيضاً, فقد كتب عشرين مجموعة قصصية، وخمس روايات، وعشر مسرحيات، وترجمت أعماله إلى 24 لغة عالمية, منها 65 قصة ترجمت إلى الروسية، وقد كتب عدة مقالات هامة في الثمانينيات بجريدة “الأهرام”, جمعت في كتاب (فقر الفكر وفكر القصة).
اهتمت السينما المصرية بأعماله الإبداعية، ولقد استعانت بأعماله في 11 فيلماً, منها: “لا وقت للحب” 1963، و”الحرام” 1965، و”العيب” 1967، و”حادثة شرف” 1971، و”النداهة” عام 1975، و”ورق سيلوفان” 1975.
إبداع يوسف إدريس..
عبر دراسة بعنوان: (إبداع يوسف إدريس في القصة القصيرة، تحليل ونقد), للباحث الإيراني “حسن مجيدي”, يقول عن أدب “أدريس”: أن “طريقته الفنية في القصة القصيرة أو رواياته تقوم أساساً على عرض حركي لحدوتة أو موقف، وقد يبدأ من السكون ثم تتحرك أحداثه شيئاً فشيئاً، فكأنه يقف بك علي بركة آسنة سرعان ما يبعث فيها الحياة الغريبة الشائقة.. ويعمد في عرضه إلى طريقة الشخص الثالث الذي يراقب الأحداث ويرويها، أو قد يعمد إلى الإعتراف بلسان المتكلم فترى أحداث القصة في صور متتابعة كالذكر والخواطر، وقد تكون القصة رجعة للماضي دون تمهيد.. ربما كان ذلك مطلوباً في القصة القصيرة، وغير مستحب في الرواية، يرسم يوسف إدريس الإطار الخارجي لقصته، لكنه لا يحدد خطاه بذلك الإطار المادي بل يهتم بإيحاءاته وما يخفيه، ويستخدم الصور الاستطرادية، فينتقل من الواقع إلى الخيال، ويرتفع من دقائق التفصيل في الصورة إلى ظلالها الجانبية التي تلقى على الموقف كله كثيراً من المشاعر والأحاسيس لإضافة الواقعية على أسلوب القصص عنده”.
وعن لغة “إدريس”, يقول الباحث: “لجأ يوسف إدريس إلى اللغة المزدوجة أو التعددية اللغوية، حيث يستخدم الفصحى في لغة السرد، الحوار غير المباشر، والعامية في المشاهد، الحوار الحر المباشر، وأحياناً يراوح بينهما, فهو يقول في العدد الثاني من مجلة (فصول) 1982: “كنت أحاول اكتشاف أسلوب مصري، له رائحة الأرض والطين.. كنت أحاول الوصول إلى طريقة الراوي المصري، هذا موضوع نقاش خطير دخلت فيه مع طه حسين، لأنه كان يرى ضرورة أن أكتب بالفصحى، وقلت له إن افتعال اللغة، أو كوني أسيطر على اللغة سيطرة عقلية سوف يؤدي إلى سيطرتي على الأفكار التي تخرج من داخلي سيطرة عقلية, وعندئذ فإني أختلق ولا أخلق”.
ويضيف الباحث: “هذا يتوافر لمن تكون الكتابة عنده بمثابة عمل آلي, ما هو إلا أن يدير آلتها ويوجه دفتها بخبرة مكتسبة عنده حتى تأخذ مجراها الطبيعي والتلقائي، وليس يوسف إدريس ممن يرضى لنفسه هذا النوع من الكتابة، فهو يكتب ببدنه وليس بقلمه، حيث تصبح الكتابة عنده إنشاء يحتشد له البدن بكل طاقته، كانت عملية الكتابة عنده، بما هي فعل أو حدث، غير خاضعة لمقتضيات الكتابة المألوفة والمعترف بها، ولأن اللغة عند يوسف إدريس كانت فاعلة وليست ناقلة للفعل لم يكن ليسلم نفسه للغة صنعها الآخرون، بل يصنع لغته الخاصة لتصبح الكلمة عنده بديلاً من الفعل ومحققة له في آن واحد”.
منهج يوسف إدريس الأدبي..
عن منهجه الأدبي يفصل الباحث “حسن مجيدي”: “قدم إدريس في قصصه عالماً متكاملاً للحياة المصرية، من خلال تحويل الواقع العادي إلى واقع محلل بتشكيل خامة هذا الواقع والربط بين عناصره المبعثرة، على نحو يجعل النظرة إلى الواقع أبعد عن حالة الإدراك الفوري، خاصة فيما تعكسه من ارتباط نظرة الكاتب إلى مجتمعه بهموم وقضايا هذا المجتمع، وعرض ذلك في بساطة تخفي فهماً ووعياً عميقاً لكل من الفرد والمجتمع.. عاصر يوسف إدريس وعايش فترة التحولات السياسية والوطنية والاجتماعية في مصر منذ الخمسينيات، وشاهد تبلور الطبقة الشعبية وبروزها عنصراً فعالاً مؤثراً في الحياة الاجتماعية والسياسية, وعكست أعماله هذا التبلور.. لقد قدم يوسف إدريس في قصصه القصيرة مفهوماً واضحاً للواقعية عنده، منذ أول مجموعة نشرها، وتابع تأكيد وتعميق هذا المفهوم خلال مجموعاته التي توالت بعد ذلك”.
وتؤكد الدراسة: “لعل امتياز يوسف إدريس الأساسي، هو قدرته الخاصة التي ابتعدت به عن ذلك العيب الخطير في الأدب الواقعي، بل العيب الخطير في تشويه معنى الواقعية، على أنه، مع ذلك، لم ينج من الإطار العام الذي حدده النقاد من جهة، والذي أوحت به تطورات المجتمع في شقيها الاجتماعي والفكري من جهة أخرى.. فقد بدأت الطبقات الشعبية تعتلي منبر الأحداث، ثم رافقتها الفلسفات المؤيدة لهذا الاعتلاء، المدعمة له في كافة مجالات المعرفة، وكان الأدب هو المجال الأول، في مجال الأدب برز يوسف إدريس وقتئذ، كأديب واقعي ممتاز ذلك أنه، بفهم عميق لفن القصة القصيرة، أنقذ الاتجاه من الاتهام الذي وجه إليه من الاتجاهات التقليدية الأخرى، وهو تغليب الجانب السياسي على بقية الجوانب الفنية في العمل الأدبي، وظل يوسف إدريس منقذاً أمداً طويلاً… إلى أن أصبح تفرده بالامتياز الفني دون بقية الأدباء الواقعيين ظاهرة مرضية، أوقعت الحركة النقدية المصاحبة للاتجاه في مأزق حرج”.
وعن تعمقه في بنية المجتمع, يقول “مجيدي”: “قدم يوسف إدريس في مجموعاته القصصية تجارب عديدة متنوعة، تلمس فيها أعماق البنية التحتية للمجتمع المصري، في القرية والمدينة، وذلك من خلال رؤية واقعية متمايزة وذات طابع خاص، ربما كان أقرب تعريف لها أنها واقعية إنسانية تعرفت على الصور المتعددة للواقعية، من نقدية، ورمزية، وتحليلية وغيرها، قد مرت هذه الواقعية عند يوسف إدريس بمراحل استتبعتها طبيعة التجربة في كل مرحلة، فقد بدأت الرؤية الواقعية من إنتاج الكاتب مختلطة ببعض المشاعر والأفكار الرومانسية، ومن ثم كانت الواقعية الرومانسية السمة التي سيطرت على قصص المرحلة التي نشر فيها الكاتب مجموعات (أرخص ليالي)، و(أليس كذلك)، و(جمهورية فرحات) و(البطل).
مراحل أدبه..
يقول الباحث الإيراني عن مراحل أدب يوسف إدريس: “عندما تبلورت تجربة الكاتب وازداد وعيه بحركة الواقع والمجتمع، كانت الرؤية أقرب إلى الواقعية النقدية في سعيها إلى الكشف عن الجوانب السلبية في حركة الواقع الاجتماعي، ومن ثم سيحاول الكاتب في هذه المرحلة أن يضع عدة قواعد تنظيرية لإقامة مجتمع إنساني يقوم على المشاركة التي تؤمن باستقلال الفرد، وقد قادته الرؤية النقدية هنا إلى محاولة تعمق الداخل لدى الفرد استظهاراً لفاعلياته وقدراته على العطاء، فتوصل إلى السر الكامن في لغة الداخل والأعماق في مرحلة إنسانية قامت على تقديم رؤية مركبة للواقع تقوم على الإحساس المشترك بالمسؤولية وتحتفي بالتعاطف والمشاركة في علاقة الفرد بالفرد وفي علاقة الفرد بالجماعة، لقد كانت الفرصة هنا مهيأة لتجريب استخدام الرمز خاصة, وأن الكاتب قد انشغل بتقديم عالم الداخل، وهو عالم يحتل الرمز فيه مكانة ملحوظة، إذا كانت المرحلة الإنسانية والمرحلة الرمزية لم تستمرا كثيراً في رحلة إبداع الكاتب، فقد عاد مرة أخرى إلى الواقعية النقدية ليقدم من خلالها تصوراً لمفهوم مصري للقصة القصيرة، هكذا مرت الواقعية في القصة القصيرة عند يوسف إدريس بمراحل متطورة, كانت في كل مرحلة ذات سمات معينة ومفهوم خاص على النحو التالي:
- المرحلة الواقعية الرومانسية.
- المرحلة الواقعية النقدية الأولى.
- المرحلة الواقعية الإنسانية.
- المرحلة الواقعية الرمزية.
- المرحلة النقدية الثانية (نحو واقعية مصرية).
تنطلق كل مرحلة من هذه المراحل, من أرضية واقعية، ولكنها تضيف إلى الواقعية المذاق المرحلي الخاص بالكاتب في كل مرحلة إبداعية”.
ويصف “مجيدي” تأثير السنوات الأخيرة في أدب أدريس: “هناك أزمة فنية وإبداعية سيطرت علي حياة يوسف إدريس الأدبية وغلفت أعماله، حتى إنها بدت شكلاً من أشكال الانهيار الفني والفكري مر به الكاتب الكبير، وذلك في أواخر مرحلة السبعينيات وأوائل الثمانينيات إذ صمت يوسف إدريس عن الإبداع والعطاء صمتاً طويلاً مريباً.. فقد كتب في أواخر السبعينيات بعض المحاولات القصصية، لا يكاد القارئ يصدق أنها من إبداع يوسف إدريس، حيث جاءت القصة بعيدة عن الإشراق الباهر, الذي ضجت به قصصه القصيرة السابقة.. فاضطرب عالمه القصصي على الرغم من النجاح الكبير الذي بلغه، والشأن الرفيع الذي ناله، ودليل هذا الاضطراب التداخل في عالم يوسف إدريس القصصي، بين أجناس أدبية مختلفة، كالمسرح، وكتابة المقالة، فكان ارتداده لكتابة المقالة السياسية والاجتماعية, أحد جوانب الانجراف لمعالجة هذه الأزمة الحضارية والإنسانية”.
أعماله..
قصص:
أرخص ليالي، 1954.
جمهورية فرحات، 1957.
البطل، 1957.
حادثة شرف، 1958.
أليس كذلك ؟، 1958.
آخر الدنيا، 1961.
العسكري الأسود، 1962.
قاع المدينة، 1964.
لغة الآي آي، 1965.
النداهة..
بيت من لحم، 1971.
أنا سلطان قانون الوجود، 1980.
أقتلها، 1982.
العتب على النظر، 1987.
روايات:
الحرام، 1959.
العيب، 1962.
رجال وثيران، 1964.
البيضاء، 1970.
السيدة فيينا، 1977.
نيويورك 80، 1980.
(نظرة) حارة في القاهرة.
أكان لابد يا لى لى أن تضيء النور ؟.
مسرحيات:
1 – ملك القطن و جمهورية فرحات، 1957 مسرحيتان.
2 – اللحظة الحرجة، 1958.
3 – الفرافير، 1964.
4 – المهزلة الأرضية، 1966.
5 – المخططين، 1969.
6 – الجنس الثالث، 1971.
8 – البهلوان، 1983.
9 – أصابعنا التي تحترق
وقد حصل “يوسف إدريس” على وسام الجزائر 1961، ووسام الجمهورية 1963 و1967، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1980، وتوفى في 1 آب/أغسطس 1991.
لقاء مع يوسف إدريس
https://www.youtube.com/watch?v=Cc8ICzBepxM
لقاء أخر مع يوسف إدريس
جزء من مسرحية “المخططين” ليوسف إدريس الممنوعة من العرض
https://www.youtube.com/watch?v=gbbiPcVr0WY
يوسف إدريس يحاور فاتن حمامة