16 نوفمبر، 2024 1:50 م
Search
Close this search box.

الأمن القومي والدبلوماسية النووية

الأمن القومي والدبلوماسية النووية

عرض فاطمة الصمادي
ليس هناك شك في أن القضية النووية الإيرانية هي القضية الأكثر أهمية بالنسبة للجمهورية الإسلامية، ويأتي ذلك من جوانب وأبعاد مختلفة. يزيد من أهمية وحساسية هذه المسألة استمرار المفاوضات دون أفق حل واضح. ولعل الارتباط الوثيق بين الأمن والمصالح الوطنية يعطي كتاب “امنيت ملي وديپلماسي هسته‌اي” (الأمن القومي والدبلوماسية النووية) -الذي يوثق فيه الدكتور حسن روحاني لعامين من المحادثات النووية بشأن ملف إيران النووي- أهمية مضاعفة. تأتي الطبعة الرابعة من الكتاب وسط قلق المسؤولين والجهات المعنية من التطورات التي تشهدها إيران من جهة، واستخدام هذه القضية في الصراع بين الأجنحة السياسية وتعاظم الحديث عن المؤامرات الخارجية من جهة أخرى ليكشف عن حساسية الرأي العام الإيراني البالغة بشأن قضية بلادهم النووية.

وُلِد حسن روحاني في 1948 ويحمل شهادة الدكتوراه في القانون وتلقى تعليمًا دينيًا في حوزة قم، وشغل منصب ممثل آية الله علي خامنئي في مجلس الأمن القومي، وهو عضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام، وممثل عن مجلس الخبراء في طهران، ونائب في مجلس الشورى الإسلامي عن خمس دورات برلمانية. يرأس حاليًا منصب رئيس مركز الأبحاث الإستراتيجية التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام .وبقي روحاني أمينًا عامًا لمجلس الأمن القومي على مدى 16 سنة بقرار من هاشمي رفسنجاني ثم من محمد خاتمي.

ومنذ صدور الطبعة الأولى من الكتاب تعرض روحاني لمهاجمة عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية، ورأى بعض المعلقين أن الكتاب يفشي أسرارًا أمنية مما يستوجب محاكمة المؤلف. ودافعت عن روحاني أصوات عديدة كانت حجتها: “أن الرجل الذي شغل منصب الأمين العام لمجلس الأمن الوطني لمدة 16 سنة، قادر على وزن وفهم خطورة القضايا الأمنية، ولن يصدر كتابًا يتعارض مع هذا الفهم”.

يتضمن الكتاب مذكرات الدكتور حسن روحاني فيما يتعلق بالمفاوضات النووية، وتغطي المذكرات 678 يومًا من وظيفته كرئيس لفريق المفاوضين الإيرانيين في المحادثات الفترة من (الأحد 4 مايو/أيار 2003) إلى (الاثنين 15 أغسطس/آب 2005).

وهذا الكتاب ليس الوحيد على هذا الصعيد؛ فهناك مذكرات محمد البرادعي (The Age of Deception: Nuclear Diplomacy in Treacherous Times. Metropolitan Books) ، وكتاب آخر نشره وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر وكذلك مذكرات حسين موسويان عضو فريق التفاوض.

يوثق روحاني في كتابه لنشأة التكنولوجيا النووية في إيران، والسعي الدؤوب لتحقيق دورة الوقود النووي. ويشير روحاني -في إطار استعراضه التاريخي لنشأة البرنامج النووي- إلى وجود ضعف في النظام على صعيد إدارة الأزمة وفشل المسؤولين في اتخاذ القرارات والتصدي للمشكلات، ويقدم أمثلة على ذلك أبرزها قضية اقتحام السفارة الأميركية واحتجاز الرهائن من قبل الطلبة الإيرانيين حيث أوجد الخلاف بشأن مصير المحتجزين لغطًا واسعًا دفع الإمام الخميني إلى تفويض مجلس الشورى بحل القضية والخروج بقرار بشأنها، وكذلك الحال بالنسبة للحرب مع العراق؛ حيث وصلت الأمور إلى درجة بات يصعب معها القرار مما أجبر آية الله الخميني على قرار اتُّخذ في ظروف صعبة.

جاء الكتاب الصادر عن مركز الأبحاث التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام في 1012 صفحة، و12 فصلاً إضافة إلى ملحق وفهرست للشخصيات. وهذا الكتاب هو أول مرجع من الممكن أن يُطلق عليه صفة المرجع الشامل الذي يتناول الملف النووي الإيراني. ومن الممكن اعتباره من المذكرات الشفاهية للتاريخ المعاصر للثورة الإسلامية.

يتحدث الفصل الأول من الكتاب عن الثورة الإسلامية والطاقة النووية، وتحت سبعة عناوين رئيسية يقدم روحاني توثيقًا تاريخيًا للبرنامج النووي الإيراني منذ انتصار الثورة وحتى توليه منصب مسؤول الملف النووي في مجلس الأمن القومي (1979-2003).
ويتضمن الفصل الثاني 18 عنوانًا تقدم تعريفًا بالمؤسسات التابعة لمجلس الأمن القومي ويقدم روحاني نقدًا لطريقة اتخاذ وصناعة القرار داخل هذه المؤسسات وطبيعة علاقاتها مع المؤسسات الأخرى.

يتناول الفصل الثالث إزالة التوتر فيما يتعلق بالموضوع النووي والضرورات الجديدة، وجاءت محتويات هذا الفصل تحت سبعة عناوين لتبين كيفية دخول الملف النووي الإيراني في تعقيدات العلاقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومع الدول الأوروبية.

في الفصل الرابع يتحدث روحاني عن التهديد للأمن القومي ويغطي الفصل الفترة (أكتوبر 2003- نوفمبر 2003)، ويضم الفصل 18 قسمًا تتحدث عن مذكرات روحاني عندما بدأ عمله كرئيس لفريق المفاوضين، ويركز بصورة كبيرة على الجهود التي بذلها الفريق الإيراني للتهدئة ونزع فتيل التهديد وإقامة العلاقات مع الوكالة والبرادعي وشخصيات أوروبية أخرى. وترصد المذكرات الأجواء التي سادت في إيران وخارجها قبل وبعد المفاوضات.

يعنون روحاني الفصل الخامس بـ”أزمة جديدة وجهود مضاعفة”، وفي سبعة أقسام يتحدث عن التراجع الليبي أمام أميركا والرضوخ لمطالبها، وكيف أن دلاّلاً باع معلومات نووية باعها في الوقت ذاته لإيران، وأن أميركا باتت على علم بتفاصيلها لأن الليبيين قاموا بإفشائها. ويتحدث روحاني أيضًا عن ضعف فريق التفاوض الغربي. يؤرخ الفصل السادس من الكتاب والمعنون بـ”دبلوماسية الأزمة” للفترة من أغسطس/آب 2004 إلى ديسمبر/كانون الأول 2004؛ حيث نجح الإيرانيون في سبتمبر/أيلول 2004 في منع السعي الأميركي لإعادة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، ويفصّل في سبعة عناوين الجهود التي بذلها الفريق الإيراني.

يحمل الفصل السابع عنوان “اتفاق باريس”، ويفصّل في تسعة أقسام الظروف الداخلية والدولية التي سبقت ورافقت الوصول إلى اتفاق باريس الذي أخرج الملف النووي الإيراني من وضعية “الطارئ” مما حال دون إعادته إلى مجلس الأمن.

يشرح الكتاب في الفصل الثامن طبيعة المحادثات مع رؤساء فرنسا وألمانيا وطبيعة أداء مجموعات العمل الثلاث التي تشكّلت بعد اتفاق باريس.

ويبين المؤلف ضمن ستة عناوين فرعية بدء المفاوضات والسعي لإيجاد الفرص. ويبين الظروف التي أحاطت بخروج إيران من المفاوضات، ويرى أن الانتخابات شكّلت تحديًا أساسيًا في ملف إيران النووي.

ويحمل الفصل التاسع عنوان “آمال” واحتوى على ستة عناوين. يقدم هذا الفصل تحليلاً لقيام أوروبا بوضع سقف زمني للمفاوضات، وتقديم إيران لخطة من أربع مراحل من بينها التخصيب الصناعي في الشهور الأولى من العام 2005. ويتوقف روحاني عند الضغوطات التي مارستها الولايات المتحدة ويرى أنها مع الاستعداد الأوروبي لقبول الضغط الأميركي والتغيرات الداخلية التي شهدتها إيران مع الانتخابات الرئاسية كلها تضافرت لتُحدث تغييرًا إستراتيجيًا متسارعًا في مسار الملف النووي الإيراني.

ويرصد روحاني في الفصل العاشر -وضمن عشرة عناوين فرعية- ردود الفعل الدولية على إعلان إيران البدء ببناء مصنع أصفهان للوقود النووي، ويفيد الكتاب أن وزراء أوروبيين وكذلك الصين وروسيا وكوفي عنان قدموا لإيران توصية بتأخير إطلاق المشروع إلى حين استلام الخطة الأوروبية بشكلها النهائي.

وينقل روحاني عن البرادعي موجهًا حديثه للإيرانيين: أنتم اليوم تقفون على مفترق طرق: أن تقوم أوروبا بالإشراف على عمليات التخصيب وتقوم أميركا بالإشراف على باقي فعاليات البرنامج، وهناك طريق ثان بأن تقوم إيران بإجهاض المخطط الأميركي من خلال تسوية مع أوروبا. أما الطريق الثالثة فهي مفاوضات مباشرة مع واشنطن، وبدون واحدة من هذه الطرق ستجبر إيران على خسارة كل شيء.

يعيد روحاني في الفصل الحادي عشر الذي يتضمن ثمانية عناوين فرعية، التأكيد على الجهود التي بذلها هو وفريقه لنزع فتيل الأزمة، ويتحدث فيه عن إستراتيجية بثلاثة أوجه، كما يقدم تعريفًا للفريق المفاوض الجديد. ويتضمن هذا الفصل أيضًا مقارنة بين بدء عمل الفريق ونهاية مسؤوليته.

ويحمل الفصل الثاني عشر والأخير عنوانًا رئيسيًا “نتائج 678 يومًا من المحاولة”، ويقدم خلاصة للفصول السابقة. وضمن ثلاثة عناوين يشرح روحاني الأهداف والإستراتيجيات والنتائج التي حققتها إيران في الوقت الذي كان يدير فيه الملف النووي. ويجمل روحاني الأهداف في ثلاثة، هي: دفع الخطر، وتنمية مقدرة إيران من خلال إكمال مشروعها النووي والمحافظة عليه، وتبديل الأزمة بفرصة. أما الإستراتيجية فكانت تقوم على التحرك الدبلوماسي وإتقان ذلك ضمن الخطوط الحمراء الموجودة، والمبادرة إلى بعض الإجراءات دون تعهدات قانونية، والوفاء بالالتزامات التي جرى الاتفاق عليها، والبحث عن دول أوروبية بديلة للتعامل مع الأزمات التي من الممكن أن تنشأ مع الدول الثلاثة التي كانت تجري معها المفاوضات. وتضمنت إستراتيجية إيران في تلك الفترة أيضًا القدرة على إبداع طرق عمل تتواءم مع ظروف ومشكلات مختلفة والاستفادة من تجارب الدول الأخرى في التفاوض. ويعتقد روحاني أن أوروبا أضاعت من يدها فرصة كبيرة كانت ستمكّنها من استعادة دورها كقوة في العالم لو أنها اتخذت قرارًا جريئًا بشأن ملف إيران النووي.

يُرجع روحاني الإحجام الأوروبي إلى أسباب عدة، منها غياب الانسجام بين دول الاتحاد الأوروبي وارتباط قراره بالولايات المتحدة الأميركية، كما يُرجع ذلك إلى سعي الدول العربية الخليجية وكذلك الأردن ومصر والمغرب وتأثيرها على القرار الأوروبي للوقوف في وجه البرنامج الإيراني. ويشير روحاني إلى أنه طرح هذه المسألة في زيارات رسمية إلى الدول الخليجية؛ حيث إنها أنكرت المزاعم الأوروبية لكن في اللقاءات الخاصة التي عقدها روحاني في الكويت والإمارات والسعودية وعمان كان كل طرف خليجي ينسب ذلك إلى طرف آخر. ويتحدث روحاني عمّا يسميه بخطأ الحسابات لدي الجانب الأوروبي الذي كان يعتقد أن إيران سترضخ للضغوط، ويكشف عن قيام إيران عام 2004 بنقل تجهيزات نووية من خلال نفق إلى أسفل الجبل موضحًا أنه صرح للصحفيين الغربيين بأن إيران ستنقل تجهيزاتها النووية إلى منطقة تقوم تحت جبل لتحميها من أي عمل عسكري وهو ما قاد إلى حملة إعلامية تتهم إيران بالسعي لاقتناص الفرص لتكمل برنامجها النووي.

يوجه روحاني نقدًا لاذعًا لبعض الأطراف السياسية الإيرانية ويتهم مرشحين للرئاسة في الانتخابات التاسعة عام 2005 بإرسال رسائل إلى الغرب لخلق مسار تفاوض معها، والالتفاف على فريق التفاوض الرسمي. وتضمنت هذه الرسائل وعودًا بأن الحكومة القادمة ستتعامل مع الملف النووي بما يستجيب للمطالب الأوروبية بصورة أكبر. ويعتقد روحاني أن هذه الوعود كانت سببًا في منع التوقيع على اتفاق نهائي مع الدول الأوروبية الثلاثة حيث أصرت بريطانيا على انتظار نتائج الانتخابات والحكومة الجديدة.

يمتلئ هذا الكتاب بالاقتباس حيث ينقل حرفيًا جُملاً وتصريحات صدرت عن مسؤولين إيرانيين وغربيين في الجلسات التفاوضية التي عُقدت داخل وخارج إيران. لكن روحاني يتعمد عدم الإشارة إلى أسماء المسؤولين الإيرانيين وهو ينقل أحاديثهم. ويحاول روحاني -من خلال اقتباسات لما صدر عن رؤساء دول ومسؤولين أوروبيين منهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك- إيصال القارئ إلى نتيجة مفادها أن الغرب لا يريد أن يتصور إيران نووية من حيث المبدأ حتى وإن كان برنامجها موجهًا لأغراض سلمية، لكن روحاني في الوقت نفسه يأخذ على “بعض الأطراف تطرفها في النظر إلى الغرب بأنه معاد لإيران”. ويبدو ذلك واضحًا من خلال سعي الكتاب لبيان الجهود والمحاولات التي بُذلت لبناء الثقة وشرح أهمية وإلزامية الفتوى الصادرة عن الولي الفقيه بحرمة امتلاك واستخدام السلاح النووي، وكذلك الالتزام بالبرتوكول الملحق لمنظمة الطاقة الذرية.

يوجّه روحاني في كتابه هذا نقدًا مباشرًا وغير مباشر لأحمدي نجاد في أكثر من موضع؛ فيقول على سبيل المثال: “قد نرغب في إصلاح العالم لكن هل تمكنّا من حل مشكلات إيران؟ بل هل استطعنا حل مشكلات طهران”، ومعروف أن أحمدي نجاد شغل منصب عمدة طهران قبل أن يصبح رئيسًا للجمهورية. وفي مواضع عدة يصف روحاني أحمدي نجاد بأنه “واهم، وأن هذا الوهم تشكّل بفعل نرجسيته وقلة خبرته”. وفي المقابل يشيد بالرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني وقدرته على التعامل مع الأزمات. ويبدو واضحًا وجود انسجام فكري بينهما خاصة فيما يتعلق بالموقف من أحمدي نجاد. ويُرجع روحاني سبب استقالته من منصبه كأمين عام لمجلس الأمن القومي إلى غياب الثقة بينه وبين أحمدي نجاد بصورة غير مسبوقة، بعد أن كانت نسبة الثقة مع رفسنجاني وخاتمي تصل إلى 100%.

ويتهم روحاني أطرافًا يقول: إنها “يسارية متطرفة” و”يمينية متطرفة” بالسعي لوضع العراقيل أمام المفاوضات، ويصف هذه الأطراف بأنها “بلا تجربة، وتبحث عن السلطة والجاه”. ويكشف روحاني أيضًا عن تعمد بعض الجهات تقديم تقارير الخبراء بصورة ناقصة، وهو ما أوجد حالة من عدم الثقة مع الأطراف الغربية. ويعتقد أن تجذر “نظرية المؤامرة” ضد الجمهورية الإسلامية لدى بعض المسؤولين في إيران أوجد اضطرابًا وإحساسًا دائمًا بالخطر على مستقبل النظام.

تعرض روحاني للكثير من النقد بسبب كتابه هذا، وأبرزه ما جاء في ملف لموقع “ديدبان” وهو موقع إلكتروني تحليلي متخصص بالتيارات السياسية. في نقده للكتاب قال الموقع: إن روحاني قام بعملية إفشاء للإستراتيجيات ووجهات النظر والقضايا التي تشكّل قلقًا للمسؤولين، وقد يكون “أظهر نقاط ضعف النظام في فترة من تاريخ الثورة”. وقال الموقع في ملفه -الذي تجاوز الخمسين صفحة وفقًا لقاعدة “ليس كل ما هو صحيح يجب أن يقال”- بأن لا ضرورة لتناول وشرح موضوعات ومسائل أمنية بهذه الصورة. ورأى منتقدون آخرون بعضهم طالب بمحاكمة روحاني أن “مصلحة النظام والبلد توجب اجتناب الخوض في بعض الجزئيات والمسائل”. كما يأخذ ميلاد شايكان وهو باحث متخصص في العلاقات الدولية على روحاني قيامه بعملية ربط بين الموضوع الاقتصادي والقلق من العقوبات بالملف النووي مشيرًا إلى أن إثارة هذه القضية في هذا التوقيت لا يعد أمرًا صحيحًا.

ومن الملاحظات التي يمكن تسجيلها على الكتاب أن روحاني بالغ في تمجيد وترجيح كفة الطريقة التي أدار بها المحادثات مقارنة بما وصلت إليه في عهد أحمدي نجاد، واصفًا إياها بأنها كانت الأنجح، لكن الواقع السياسي يشير إلى عكس ذلك؛ إذ تعرض روحاني للكثير من النقد على هذا الصعيد ومن قبل أطراف من توجهات سياسية مختلفة، واتُهم مع فريقه بأنهم “جاملوا الغرب على حساب حقوق الشعب الإيراني”. وقد تأثرت مكانة روحاني بشكل كبير داخل إيران بعد تصريحات لجاك سترو أكد فيها أنه وعده بأن تقبل إيران بتعليق تخصيب اليورانيوم لمدة عشر سنوات، كما أن “اتفاقية سعد آباد” المتعلقة بالقبول بالتعليق ما زالت إلى اليوم توصف من قبل شريحة كبيرة في إيران بأنها “عار وإهانة”، وشهدت إيران مظاهرات طلابية تندد بالاتفاق. وسربت بعض الشخصيات التي حضرت “اجتماع سعد آباد” الذي جرى مع ثلاث شخصيات أوروبية أن الفريق الإيراني ناقش برحابة صدر مطلبًا بـ”تقنين تدريس تخصص الفيزياء”.

لم يستطع روحاني في كتابه إخفاء عدائه لأحمدي نجاد، ومن السهل أن يلمح القارئ أن هذا الموقف يرجع بصورة أساسية إلى الصداقة العميقة والإعجاب الشديد الذي يكنّه روحاني لشخصية هاشمي رفسنجاني المعروف بمناصبته العداء لأحمدي نجاد.

في حديثه عن موقف الدول الخليجية يظهر روحاني الأطراف العربية بأنها تنتقد البرنامج النووي الإيراني وتحرّض ضد إيران سرًا، لكن المخاوف العربية على هذا الصعيد كانت تظهر بوضوح في تصريحات المسؤولين العرب، وجرى مناقشتها مع إيران على أكثر من صعيد.

في الجانب الشكلي، يفتقد هذا الكتاب لملحق يشرح الكثير من المصطلحات المتعلقة بالموضوع النووي، وهي في معظمها تحتاج إلى تبيين ليتمكن القارئ من فهم المقصود بها. ومن الأمثلة على ذلك لجنة ((MNA، وكذلك مصطلحات (UF4 وUF6، وأجهزة الطرد المركزي P2 و LEU وUCF).

في صفحاته التي فاقت الألف يحمل الكتاب معلومات كثيرة لكنه ملئ بالتكرار في مواقع عديدة والتناقض في مواقع أخرى، ويبدو أن الكتاب لم يقم بتحريره شخص واحد؛ إذ إن وقائع تكررت في أكثر من فصل كان يمكن حذفها.

هذا الكتاب ليس كتاب مذكرات فقط، بل هو مذكرات مليئة بالتحليل والنقد والخبايا الأمنية وتفاصيل اجتماعات مجلس الأمن القومي الإيراني. ويكشف بشكل كبير عن غياب الإستراتيجية فيما يتعلق باتخاذ القرار داخل مؤسسة الحكم، وغلبة البُعد الشعاراتي مما أعاق فرصة الوصول إلى حلول.

يدافع روحاني بشكل واضح عن سياسة إدارة الملف النووي في عهد حكومة خاتمي ويرى أنها كانت الخيار الأفضل. وليس مبالغة القول بأن صانع القرار والمعنيين بالموضوع النووي في المنطقة العربية ملزمون بالاطلاع على هذا الكتاب؛ مما يجعل التوصية بترجمته إلى اللغة العربية مسألة في غاية الأهمية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معلومات الكتاب
اسم الكتاب: “امنيت ملي وديپلماسي هسته‌اي” (الأمن القومي والدبلوماسية النووية)
المؤلف: حسن روحاني
سنة الصدور: 2013
الناشر: مجمع تشخيص مصلحة النظام، مركز الأبحاث الاستراتيجية.
عرض: فاطمة الصمادي – باحثة متخصصة في الشأن الإيراني

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة