من الضباط اللامعين.. مقدام.. محترم.. مهيب الشخصية.. خلقٌ رفيع.. ثقافة عالية.. والحرص.. والإخلاص في العمل.. صادقٌ بآرائه وعقيدته بالمحافظة على العراق والملك والملكية.. محبوبٌ لمواقفه الصلبة.. إضافة الى إجادته خمس لغات..
تميزت حياته العسكرية: بالانضباط.. والشجاعة.. والنزاهة..كان من بين أبرز الضباط خبرة وكفاءة.. فهو شخصية عسكرية فذة.. ومن بيت أشتهر في مقاومته الإنكليز.. فقد استشهد والده في ميدان الشرف والجهاد.. وهو من الرجال المعروفين بمواقفهم الوطنية.. حارب الانكليز في الحرب العراقية ـ البريطانية العام 1941.. وحارب مع أخوته الضباط والجنود في حرب فلسطين العام 1948.. وحصل على أنواط وأوسمة كثيرة.. انه غازي الداغستاني..
ولد غازي الداغستاني في بغداد العام 1911.. أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية فيها.. ودرس في مدرسة الأليانس.. وكلية فكتوريا بالإسكندرية في مصر.. دخل المدرسة العسكرية في بغداد العام 1928.. وتخرج منها العام 1930 برتبة ملازم ثان..
ـ تدرج خلال خدمته العسكرية.. وشغل العديد من المواقع العسكرية المهمة.. ووصل الى رتبة أمير لواء العام 1954.. فأصبح معاون رئيس أركان الجيش.. وقائد الفرقة الثالثة في نفس الوقت..
بعض مواقفه الشجاعة:
1ـ الحصول على السلاح الأمريكي:
العام 1956 سافر وفد عراقي رفيع المستوى برئاسة الأمير عبد الإله (الوصي على العرش).. وعضوية ثلاث رؤساء وزارات الى أمريكا.. يرافقهم اللواء الركن غازي الداغستاني.. وجرت محادثات بشأن تسليح الجيش العراقي.. وقد قابل الوفد مستر دالاس وزير خارجية أمريكا.. وعندما تكلم الوصي وفاتحه بشأن الموضوع.. فاجأهم دالاس بكلام جاف.. وقال: (ماذا دهاكم يا عرب ؟.. كلكم تريدون السلاح.. لماذا تريدونه.. ومن تريدون أن تحاربوا ؟)..
استأذن الداغستاني من الوصي للإجابة على سؤال دالاس.. فقال الداغستاني: (أنت يا مستر دالاس صاحب فكرة الحزام الشمالي.. الذي تحول الى حلف بغداد ليكون سداً بوجه الخطر الشيوعي لحماية الشرق الأوسط كما تقولون.. وقد انضممنا نحن للحلف.. واختلفنا مع إخواننا العرب وعادانا بعضهم.. وجئنا هنا لتسليح العراق الذي وعدتم به.. فسكت دالاس ولم يجب.. وأصابه الوجوم .. وحصل العراق على السلاح..
2ـ التصدي لإقامة قاعدة ذرية أمريكية:
العام 1957 حضر الى العراق وفد عسكري.. لغرض أقامة قاعدة عسكرية ذرية أمريكية في شمال العراق..
ـ كان اللواء الداغستاني ضمن الوفد العراقي.. حيث تصدى الداغستاني للوفد الأمريكي.. ورفض العرض.. وقال لهم:
العراق بلد صغير.. وإقامة قاعدة عسكرية ذرية في الشمال.. سوف تعرضه للدمار.. إضافة الى عدم وجود ضرورة لذلك.. ما دمتم تملكون قاعدة عسكرية ذرية في تركيا قريبة من الحدود السوفيتية..
ـ وهكذا لم تقام قاعدة ذرية أمريكية على الأراضي العراقية..
ـ الداغستاني وثورة 14 تموز 1958:
عندما سمع الداغستاني بأنباء الثورة صبيحة 14 تموز 1958.. وعلم أن لوائي من فرقته هما من قاما بالثورة.. حضر إلى مطعم الضباط لتناول فطوره الصباحي كالمعتاد.. ومعه بعض ضباط مقر الفرقة..
عند وصول اللواء التاسع عشر بإمرة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم قرب مقر قيادة الفرقة.. متوجها إلى بغداد.. لاحظً الداغستاني حرج بعض الضباط في رغبتهم للخروج لتحية زعيم الثورة (عبد الكريم قاسم).. فسمح لهم بالخروج لتحيته الزعيم قاسم والسلام عليه..
أوقف الزعيم الركن عبد الكريم قاسم سيارته عند الباب النظامي لمعسكر سعد.. وترجلً منها وهو يصافح ويسلم على الضباط والمراتب الذين هبوا لتأييد الثورة ويهتفون باسمه.. وعندما سألهم عن قائد الفرقة أخبروه أنه موجود في مطعم الضباط يتناول طعام الإفطار.. فأوصاهم به خيراً.. وأن يبقى في موقعه قائداً للفرقة.. ويطيعوا أوامره لحين صدور الأوامر من قيادة الثورة.. قائلاً لهم: (هله هله بقائدكم لواء غازي خوش إزلمه)..
نزاهته :
غازي الداغستاني معروف بين الضباط بنزاهته واستقامته بشكل يبهر الجميع.. وإلى حد (الحنبلة).. كما يقال.. فهو مثلاً:
ـ يأبى استصحاب خاله معه بسيارة الدولة أذا زاره في دائرته نهاية الدوام.. وإنما يستخدم سيارة أجرة.. فيكلم شركة تأجير السيارات بنفسه تلفونياً.. ولا يكلف ضابط ركنه ما دامت القضية شخصية..
ـ وهو أن أحتاج لتقديم طلب أجازة مثلاً.. فورق الحكومة مقدس.. ولا يجوز استخدامه ألا للأغراض الرسمية.. فكان يشتري ورق من المكتبات القريبة من ماله الخاص…………… (يا عالم.. أضحك.. أم أبكي ؟… هل حقاً نحن في العراق؟!!)…. (أفتونا يرحمكم الله)..
ـ عفيف لدرجة أن دار سكناه الموروث من والده بيعت.. بواسطة دائرة الإجراء تسديداً لقرض العقاري.. الذي لم يقدر على تسديده..
ـ اتهمته دائرة التحقيقات الجنائية بأنه ينوي القيام بانقلاب عسكري.. وجرى معه التحقيق.. وأخيراً تقرر إبعاده الى لندن لأنه أصبح محلاً للشبهات.. وذهب الى لندن.. لتسلب الحكومة أرض زراعية كانت أسرته تتصرف بها زهاء نصف قرن.. ورغم الاعتراضات والعرائض التي قدمت لإثبات حقوقهم في هذه الأرض.. فأن الحكومة سجلتها أرض أميرية.. ولا يحق له أو لأحد من أسرته التصرف بها..
ـ وعندما أحيل بعد ثورة 14 تموز 1958 لمحكمة الشعب لمحاكمته.. أثبتت كل الوقائع وسيرته.. وإضبارته الشخصية انه.. لم يأخذ فلساً واحداً من أموال الدولة.. ولم يحدث أضرار في أموال الدولة بقصدٍ أو بغير قصد.. ولم يتسبب أضرارها.. وان صحيفته بيضاء حقاً وحقيقةً.. بنزاهته المتناهية.. وشجاعته.. وإخلاصه.. وحبه للعراق..
(أين أنتم المسؤولون في عراق اليوم؟ ماذا تقولون عن هذا العراقي البطل ؟ يمكنكم لا تصدقوا هذا الكلام؟ بالوثائق مثبت.. إنكم والله لن تشكلوا جميعكم جندياً عادياً واحداً من جنوده!!)..