19 ديسمبر، 2024 12:49 ص

ما أحوجنا الى بشائر سارة

ما أحوجنا الى بشائر سارة

منذ عقود والعراقيون بأمس الحاجة الى عيد حقيقي يدخل السرور الى نفوسهم، عيد خالٍ من المنغصات والمفجعات، عيد لا يشوبه صنف من أصناف المكدرات، وقطعا لم تكن الأخيرات تأتي من السماء، أو تنشق الأرض فتلفظها عليهم، إذ هي نتاج حاكميهم وجلاديهم المتعاقبين على التسلط وتنسنم مفاصل إدارة بلدهم.
ولما كان العيد المعهود لايأتي إلا مرتين في العام، فهم إذن، يفتقدون خبرا يفرحهم، أو بشرى تنتشلهم من بحر اليأس الذي غرقوا في لجه حد القنوط، إذ ما نفذوا من مصيبة إلا ولجوا في أخريات أشد وطأة وأقسى وقعا، وما انفكوا -حتى ساعة صياغة هذي السطور- يعانون من مفاجآت أيامهم غير السارة، فضلا عن لياليهم الحبلى، بما تلد لهم من بنيات الدهر ومصائبه، وبات لسان حالهم يردد قول الشاعر:
حتامَ أخرج من ياس الى ياس
وكم أذوق وأبقى طافح الكاس؟
لا أبلغ الذروة العليا على قدمي
حتى أنكَس للوادي على راسي
إذ لايخفى على القاصي والداني مدى تدني كثير من جوانب حياتهم، في بلدهم العائم على بحر من نفط، فضلا عن باقي الخيرات والثروات التي تملأ أرضه ظهرا وباطنا. وقد غدت البشائر السارة بالنسبة للعراقيين حلما غير قابل للتحقيق، أو هي قدح معلى نأى عن متناول أيديهم، وصار مستقره في عنان السماء، أو هو في “جبهة الليث أو في قبة الفلك”. وقطعا لم يصل الوضع الى هذا الحد إلا بسبب السياسات المتبعة من قبل قادته، ونهجهم السائرون عليه، والذي يجترون منه ديمومة حكمهم كل أربع سنوات، ليعيدوا الكرة بعدها بأربع أخريات، تعقبها مثلها عجاف.
في الأسابيع الأخيرة الماضية، وسط ثقل اليأس الشديد، لاحت في أفق العراقيين بشرى سرتهم كثيرا، وتأملوا أن تكون فاتحة خير لبشائر تعقبها، تعيد إليهم أملهم بالحياة الهانئة والعيش الرغيد، بعد أن طالت عليهم أعوام، كان شبح الموت هو المتسيد في الساحة، كذلك بعد ان عم الخراب مدنا ومحافظات، هي للمواطن العراقي بيته وشرفه وعرضه.
وقد كانت قبل أيام بشرى تحرير قضاء تلعفر، هذا القضاء الذي طاله عدوان التنظيم الإرهابي داعش، وصار في غفلة من الزمن موطئ قدم له، واستحل حلاله، وهو الذي لايعرف في الحل والترحال إلا الخراب والدمار والقتل وإراقة الدماء.
بالأمس، شعر العراقيون بغبطة وبصيص أمل يشرق من بين ظلمات الساسة ودهاليز أقبيتهم، ومن تحت قبب مجالسهم المشبوهة التي تعج بالخلافات والمماحكات والصراعات، ولا تفارقها مخاضات معسرة، لا تلد للعراقيين غير المسوخ المتعطشة للنهب والسرقة ما استطاعت، في وقت تشردت فيه عوائل آمنة، وقتل رجالها وأطفالها، وسبيت نساؤها وبيعت في أسواق الرقيق، على أيدي نفر ضال من عصابات تترية، أتت مسخرة من قبل دول لها في تأخر العراق تقدم، ولها في انكسار العراق انتصار، كما لها في ضياع العراق وجود وشموخ.
بالأمس، بزغ نور من أواخر مواطئ القدم التي تمكن منها تنظيم داعش، في ظرف لم يكن لأرباب الكتل والأحزاب هم غير هم المناصب والمكاسب، إذ ما برحوا منذ أربعة عشر عاما يقضمون من أعمار العراقيين، غير آبهين بما يضيع من بلدهم أرضا وإرثا وحضارة وتأريخا، فضلا عن حاضرهم ومستقبلهم.
بالأمس، تولّد للعراقيين أمل أن الصفحة الأخيرة من مآسيهم أوشكت على الطي، لاسيما أن ذريعة إخفاق القائمين على مراكز السلطة والتحكم بمقدرات العراق هي “داعش”، ومن المفترض أن بزواله تزول الحجج والمسوّغات والمبررات لإخفاقاتهم، فهل سينفضون عنهم رداء التحايل والتمسك بالأعذار السمجة؟ أم أن حليمة عصية على التغيير ولن تترك عادتها القديمة!.
قد يكون نداءً سابقا لأوانه، وقد أكون متفائلا أكثر من اللازم، إلا أن استقراءً بسيطا للأحداث يحتم على المستطلع النظر اليه بجدية، ذاك أن “داعش” الى زوال حتما، سواء أكان عاجلا أم آجلا؟ فهل دار بخلد ساستنا أن العراقيين تمرسوا بألاعيبهم وكشفوا خدعهم، ولم يعد خافيا عليهم مغزى ما يصرح به سياسي هنا، أو مقصد مايفعله مسؤول هناك، بل حتى أضحوا يفقهون مايفكرون به ويخططون له، فالقناعة أمست تامة لدى العراقيين أن زيدا ليس أفضل من عمرو، ولا الثاني أحسن من الأول، وإن كان هناك تفاضل أو تفاوت بينهما، فهو بالسيئات لا بالحسنات، وبهما يتباريان، وقد صح بيت الدارمي بحق كل منهما حيث يقول:
لا ابن زنا ولا دون دگ دگتك هاي
عالجسر لو مريت اتنگس الماي