18 ديسمبر، 2024 10:06 م

نصر الله للدواعش : إذهبوا فأنتم الطلقاء

نصر الله للدواعش : إذهبوا فأنتم الطلقاء

منذ أن التمعت في رأس الخميني فكرة تصدير الثورة إلى العراق، في العام 1979، ومنه إلى دول المنطقة الأخرى لإقامة الإمبراطورية الفارسية الجديدة، بعباءة الإسلام، وعمامة الطائفة الشيعية، والدماءُ تسيل، والحروب تتلاحق، والنار تلتهم المدن والمنازل والمدارس والمصانع والمستشفيات والجسور، وأموال الحكومات والشعوب تتبعثر، وهي، لولا الخميني، لكانت كفيلة بجعل إيران والعراق والمنطقة كلها جنة الله الوارفة على أرضه.
وعلى مدى ثماني سنوات ظل يحاول احتلال العراق، وفشل، وتجرع كأس الهزيمة بعد أن أسقط مليون قتيل إيراني وعراقي، وخلَّف خرابا شاملا ما زالت تداعياته المدمرة تنفث الشر في كل مكان.
وبعد سقوط نظام صدام بدبابات أمريكية، وبمعونة إيرانية لا ينكرها الإيرانيون، أدخل الخمينيون العراق في عصر المفخخات والمتفجرات والحرائق وسطوة المليشيات والاعتقالات والإعدامات والاختطفات.
ثم يكتشف العالم، بعد كل ذلك، أن إيران ترعى القاعدة، وترسل عصاباتها، منها ومن سوريا الأسد، إلى مدن وقرى لا تقع في العراق السني وحده، بل في الشيعي كذلك، لتعميق الضغينة والفرقة والاقتتال.
وكما ظلت عجلة الإعدام والاعتقال والحرق والنسف والنفي تدور في إيران ذاتها، ضد كل من يعترض على سلطة الولي الفقيه، ففي سوريا، أيضا، جعل النظام الإيراني، بنفوذه وتمويله لنظام القاتل حافظ، ومن بعده الولد الوريث، سياسة القمع والقهر والقتل والاعتقال والاغتيال أساس الملك، وخيار الشعب السوري الوحيد.
وفي لبنان، وبرعاية الولي الفقيه، أيضا، من أيام قوات الردع السورية، إلى حماقات حزب الله واغتيالاته وحروبه الداخلية والخارجية، صارت مقابر الشهداء هي الأكبر والأوسع والأكثر انتشارا في هذا البلد الجميل.
وفي فلسطين، أيضا، تغلغلت الأصابع الإيرانية لتشعل نيران المذابح (الوطنية) الفلسطينية بين موالين لإيران ومعارضين.
وبعد كل هذا التاريخ المعمد بالدم تغير الحال فجأة، وأستفاقت الرحمة والرأفة والإنسانية في قلب الولي الفقيه، فقال لدواعش القلمون (إذهبوا فأنتم الطلقاء).
وأكثر من ذلك، صارت حوامل نساء الدواعش اللواتي لم يقلَّ إجرامُهن وتفخيخُهن وتفجيرُهن وذبحُهن للأسرى بالخناجر والسكاكين مبعثا لرقة قلب الولي الفقيه وعطفه الأبوي الرحيم.
حدث هذا بعد أن كان الخمينيون ووكلاؤهم العراقيون واللبنانيون والسوريون، يبالغون في شتم الدواعش، ونعتهم بالإرهابيين التكفيرين المجرمين (السنة) أعداءِ الشيعة وخصوم الحسين، ويجهدون في نشر صور المذبوحين بسيوفهم وخناجرهم، والترويج لمشاهد حرق الأسرى وهم أحياء، ويحثون على اجتثاثهم، فكرا وتنظيما، ويجندون القريب والبعيد لحربهم، ويُعدون ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل لدحرهم.
فبالأمس هاجمت وزارة الخارجية الإيرانية الولايات المتحدة الأمريكية بسبب محاصرة قافلة الدواعش واُسَرهم في سوريا.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي إن “الحرب مع داعش تختلف كلياً عن قتل (الأبرياء) والناس العاديين”، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا).
وأكد قاسمي أن “الهدف (الأمريكي) من ذلك هو التأثير سلبا على انتصار الحكومة والمقاومة اللبنانية”.
ودعا قاسمي الأمم المتحدة إلى التدخل لمنع “تنفيذ مجازر بحق (الأبرياء) في المنطقة”.
وقال إن “المحاصرة الجوية للنساء والأطفال والمدنيين التي أدت إلى مقتل عدد من النساء الحوامل خلال اليومين الماضيين يمكن أن تتسبب، في حال استمرارها، بكارثة إنسانية، وتساعد على انتشار العنف في المنطقة”.
وبهذا فإن إقدام حسن نصر الله على أطلاق سراح الدواعش من القلمون، وتوديعهم، وتحميلهم بناقلات حزبه الرحيم، والسماح لهم بالخروج الآمن من الأراضي اللبنانية، ومن الأراضي السورية أيضا، كان التزاما منه بالأخلاق الإسلامية، (وقد نسيها ربع قرن أو يزيد)، وصحوة ضمير، وحبا في السلام، ورغبة في حقن دماء العدو حتى وإن كان داعشيا تكفيريا إرهابيا سنيا عدوا للشيعة وخصما للإمام الحسين.
وهنا يصبح محقا وعادلا من يتهم إيران برعاية داعش، أو على الأقل بتسهيل مرورَ شحنات الأسلحة إليه، والنفط المهرب الخارج منه، والمفخخات والانتحاريين المصدَّرين من عاصمته في الرقة أو من الموصل إلى دول عربية وأوربية ترسل جيوشها أو أموالها لقتال الإرهاب والإرهابيين في العراق وسوريا.
فهل شهدتم حادثة تفجير داعشية حقيقية واحدة في إيران؟ وهل سمعتم إرهابيا داعشيا واحدا يشتم إيران ويعتبرها دولة كافرة ومخالفة لأصول الدين والخلافة؟
ثم، ألم يجعل الولي الفقيه من داعش الدجاجة التي تبيض ذهبا حين شحنَ حرسَه الثوري وفيلق قدسه ومليشياته العراقية واللبنانية والسورية بالحماس الشديد، وأمرهم بغزو المدن العراقية والسورية التي يحتلها الدواعش التكفيريون الإرهابيون (السنة)، وبطرد أهلها ومنعهم من العودة إلى منازلهم فيها؟.
ويقال، والعهدة على الراوي، إن نجاح الحرس الثوري والحشد الشعبي في إخراج داعش من تلعفر، بقتال مخفف ومختصر، أو بتفاهم (أخوي) بين قيادات الدواعش في المدينة وبين قاسم سليماني، ثم (تلحيم) الطريق البري الاستراتيجي الممتد من إيران إلى سوريا ولبنان عبر العراق ليكون سالكا، ذهابا وإيابا، أخاف الأمريكان على مناطق نفوذهم، وعلى طوابيرهم الخامسة العراقية، فدفع بهم إلى إقامة سواتر بشرية من عشائر عربية عراقية مسلحة لتساعد على إزعاج القوافل الإيرانية العابرة للحدود.
ويؤكد كثيرون من الغارقين في العلم والسياسة أن الذي دفع إيران وحسن نصر الله وبشار الأسد لتحميل الدواعش (التكفيريين الإرهابيين السنة) بباصات حزب الله ونقلهم سالمين مسلحين إلى حدود العراق، هو الرغبة في مشاكسة الأمريكان، أولا، والتلويح بالعصا الإيرانية، ثانيا، بوجه القوى (الشيعية) العراقية التي تحاول الإفلات من القبضة الإيرانية الخانقة، والمرحبة بالقواعد العسكرية الأمريكية المزروعة في المناطق الشمالية والغربية من العراق، ولو بصمتٍ ومن وراء حجاب.
وحين تحرك التحالف الدولي (الأمريكي) لإبطال مفعول حصان طروادة الإيراني الجديد غضبت إيران، وغضب وكيلُها اللبناني حسن نصر الله، ووكيلها العراقي نوري المالكي، واتهموا التحالف الدولي بعدم الرحمة، لأنه يمنع المساعادات الغذائية عن عوائل الدواعش (البريئة)، ويعرقل سيرها قافلتهم، دون مبرر.
إن أكثر المطالَبين بإدراك حتمية زوال دولة الخلافة الإسلامية (داعش) هم الداعشيون أنفسُهم، لسبب بسيط هو أن تأسيس (دولتهم) كان لعبة أمم فرضتها المصالح والإرادات المتشابكة بين القوى والدول الإقليمية والعالمية الفاعلة، لأغراض وأهداف خاصة مرحلية عابرة.
الأمر الذي يجعل بقاء دولتهم مرهونا بتغير الظروف، وتبدل التحالفات، واختلاف الإرادات، وهو ما يحدث هذه الأيام.