كنت أتمنى أن يصدر حكم محكمة المالكي ضد السيد طارق الهاشمي قبل أن تتم عملية تسوية الملف سياسياً على الرغم من يقيني بأن القضية كلها سياسية من الألف إلى الياء لكي لا ينظم الهاشمي إلى جوقة من مثّلوا أبناء السنة زوراً وبهتاناً والذين تمّت تسوية ملفّاتهم مع المالكي سياسياً ولا ندري عن أي من حقوق أهل السنة تنازل هؤلاء حتى تمّت تسوية ملفاتهم ولكي لا يخيّب الهاشمي ظنّ ناخبيه أكثر ممّا هم فيه من خيبة أمل من القائمة العراقية وقادتها.
فقد عرف عن طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية بأنه رجل دولة بامتياز، فما أن يدعى إلى اجتماع أو لجنة تخص أي موضوع يتعلق بأي شأن من شؤون العراق والعراقيين فإنه يحضر ويجلب معه ملف كامل بكل حيثيات الموضوع مدار البحث أي أنه يعمل وفق إطار مؤسساتي ويذهب إلى اللجنة أو الاجتماع برؤية متكاملة لكل أوليات الموضوع وتفاصيله وليس كما يفعل الآخرين كأنهم ذاهبون إلى كافتيريا أو إلى جلسة سمر وتعارف.
فطارق الهاشمي عسكري سابق برتبة حقيقية ليست “دمج” كما هو شأن معظم الموجودين في داوئر دولة القانون وهو ابن دولة ومؤسسات إضافة إلى كونه ينتمي إلى عائلة عربية عريقة كان معظم أبناؤها من التكنوقراط والعسكر من الذين كان لهم دور مميز في بناء الدولة العراقية الحديثة أي أنه لم يكن من قيادات الصدفة وهو رجل معروف بأخلاقه العالية وذو حس مرهف وعاطفي بحيث أنه لا يتمالك نفسه أمام أي عملية ضرر أو أذى تصيب الآخرين، وقد شاهده الملايين وهو يبكي عند زيارته للسجناء المظلومين في سجون حكومة المالكي، فقد تولى الهاشمي منصبه كنائب لرئيس الجمهورية لمرّتين أحدها عندما كان أميناً عاماً للحزب الإسلامي العراقي والمرة الثانية عندما كان رئيساً لقائمة التجديد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي أفرزت فوز الهاشمي بمئات الآلاف من الأصوات من أبناء السنة وهنا استشعر المالكي خطورة وجود الهاشمي في العملية السياسية وإن كان قد استشعر هذا الخطر قبل ذلك منذ أن رفض الهاشمي لقاء رفسنجاني خلال زيارته للعراق وقد برّرها الهاشمي حينها بالدور السيء الذي تلعبه طهران في تمزيق وتدمير العراق. فبعد الانتخابات، أصبح الهاشمي هدفاً رئيساً لرئيس الوزراء وحاشيته فبدأوا بإعداد الملفات لكي تكون جاهزة حسب الطلب وعندما تطورت الأزمة بين المالكي والقائمة العراقية وتعليق وزراء القائمة العراقية ونوّابها حضورهم لاجتماعات مجلس الوزراء والبرلمان، هنا جاء دور الملفات فتحرّك المالكي سريعاً استغلالاً للتوقيت ولخلق أزمة أخرى كبرى تغطي على الأزمة القائمة فطلب من الهاشمي عبر وسطاء عودة وزراء ونواب قائمة تجديد إلى مجلس الوزراء والبرلمان وإلا فالملفات جاهزة فرفض الهاشمي المساومة وكانت النتيجة استهدافه سياسياً بغلاف قضائي مفضوح لا يخفى على القاصي والداني فأخرج المالكي مسرحيته الهزيلة باعتقال موظفي وحمايات مكتب الهاشمي وتلفيق التهم الجاهزة لهم والتي انتهت بصدور الحكم قبل أيام، فعلى المراقب أن يعي أن أي رمز آخر إن كان هنالك رموز لأهل السنة في العملية السياسية وليس له ملف كملف الهاشمي عليه أن يراجع نفسه فبالتأكيد هناك خلل عقائدي وشرعي فيه، فما الذي قدّمه للمالكي لكي لا يكون له ملف مع علمنا بأن جميع رموز أهل السنة عمل لهم المالكي ملفات يلوح بها متى استشعر منهم خطراً أو رفضوا له طلباً ولكنه على ما يبدو متأكداً بأن لن يكون لأحد منهم خطراً عليه أو يخالف له أمراً أو لا يستطيع مساومته فيفعل به مثلما فعل بالهاشمي.
وهنا أتساءل ما الذي ستفعله القائمة العراقية وقياداتها في الرد على عملية استهداف الهاشمي على الرغم من قناعتي بأن كل الذي ستفعله قياداتها هي بيانات وتصريحات لا تغني ولا تسمن من جوع إن لم يكن البعض منها تم التوافق على صدوره مع المالكي شخصياً وعزائي هنا قول الشاعر طرفة بن العبد:
وظلمِ ذوي القربى أشدّ مضاضةً
على النّفس من وقع الحسام المهنّد
فمبروك للهاشمي صدور حكم البراءة بحقّه من أبناء جلدته الذي ظلّ متّهماً طيلة فترة وجوده نائباً لرئيس الجمهورية.