منذ ساعات وأنا أقبع خلف تلة صغيرة، بعدما زرعت عيني في الناظور أترقب لعلّ رأساً حان وقت قطافه..! صارت لي مع التلة ألفة غير عادية لا أفارقها إلا ليلاً، وأنا في شوق لأعانقها في الصباح.
يسألني أحد المقاتلين: لماذا اخترت هذا التلة الصغيرة فهي غير مريحة؟ قلت: آه لو تعرفها مثلي، فهي ترد التحية، أقول لها: سلاماً، تقول: سلاماً عليك يا ولدي، ذكية حبيبتي، فهي اختارت لها موقعاً مميزاً تشرف على جميع المناطق دون أن تثير ناظر أحد.
ضحك حينها صاحبي وقال: هل تعلم أنك وحدك كبدت العدو خسائر جيش بأكمله..؟! قلت: أنا لست لوحدي..!
سأل متعجباً: من معك؟
قلت: أبي.
أجابني بتمتمة ساكنة: رحمه الله.
كان أبي (رحمه الله) من أمهر قناصي الانتفاضة الشعبانية، وبشهادة جميع من شاركوا معه، إنه قناص كربلاء، استعرت منه الحزم والمطاولة، هذا ما تقوله لي أمي دائماً، كنت صغيرا حين يأتي ليرتاح بعد جهاد عنيف، يبتسم في وجهك، يوصيك إياك أن تعيش يوماً واحداً من حياتك دون كربلا.
عقبت التلة: انتبه لوصية ابيك، فكل ارض البلاد هي كربلاء، كنت يا تلتي الجميلة صغيراً، أستغرب حين يقبل الناس رأسي، ويباركون الشهادة.
: ماما.. ماذا يعني الشهيد؟
أجابت يا ولدي: يعني أن أباك صار كربلاء..
أين امي الآن لتراه يقاتل معي.
تسألني التلة: ما بك تبكي؟ قلت: إني أخاف عليه أن يستشهد مرتين، وإذا بأبي يقول لي بحنو شديد: لا تخف يا ولدي، انا معك وكل الشهداء معكم، لا يقبل الله سبحانه ان يسلبونا حق الحياة، ولا يحاسبهم أحد.
انظر الى كربلاء بعيون اخوتك متطوعي المرجعية المباركة الابطال، فقد تركوا الأهل والبيوت، واعتمروا الصحراء دفاعاً عن وطن الائمة والشهادة والكرامة.
واعتذر لك يا ولدي؛ لأني تركتك صغيراً لليتم.
قلت: لا يا أبي انت شهيد، ويتم الشهادة لا يعد باليتم.
كان البعض يسأل أمي: هل أنتِ أرملة؟
تجيبهم بإصرار: لا.. أنا زوجة شهيد.
المعذرة.. سأسكت؛ لأني رأيت دموع حبيبتي التلة، تسيل وهي تصيح: انتبه ولدي.. انتبه على نفسك ارجوك.