16 نوفمبر، 2024 12:45 م
Search
Close this search box.

قراءة اولية متجددة في برنامج الاستراتيجية الامريكية الجديدة في ظل:تقرير اولبرايت-هادلي : استراتيجية جديدة للشرق الاوسط

قراءة اولية متجددة في برنامج الاستراتيجية الامريكية الجديدة في ظل:تقرير اولبرايت-هادلي : استراتيجية جديدة للشرق الاوسط

إعداد/ ضمير مهدي حمد
ملاحظة : هذه القراءة أُعدت في مارس الماضي، لذا تطلب الامر اضافات كانت ضرورية بسبب تراكم الاحداث وتسارعها على اكثر من واجهة وعلى مدى ستة اشهر مضت، للاشارة فان هذه الاضافات لم تتعرض الى جوهر التقرير موضوع هذه القراءة بالقدر الذي حاولت فيه تفسير ماوقع من احداث، تبدو متسقة في كثير منها مع ماجاء في هذا التقرير من رؤى واقتراحات.
أولاً- في المنطلقات
في شباط 2015 شكل المجلس الاطلنطي للدراسات الاستراتيحية مجموعة عمل استراتيحية الشرق الاوسط وهي مبادرة اطلقها مركز الحريري للشرق الاوسط التابع للمجلس الاطلنطي بالتعاون مع مركز سكوكروفت للامن القومي وأُسندتْ رئاسة هذه المجموعة الى مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الاسبق في ادارة الرئيس كلنتون عن الحزب الديموقراطي والى ستيفن هادلي مستشار الامن القومي في ادارة الرئيس بوش الابن عن الحزب الجمهوري وهي بهذه الدلالة انما تعبر عن رؤيا مشتركة للحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة.
شكلت رئاسة المجموعة خمسة فرق لانجاز تقاريراستراتيجية تتعلق بكافة التفاصيل السياسية والامنية والمجتمعية والاقتصادية والثقافية التي يتطلبها اعداد رؤية استراتيجية شاملة وبعيدة المدى حول منطقة الشرق الاوسط وكلفت الرئاسة عددا من مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية المعتبرة لأنجاز هذا العمل المتميز وهي: معهد بروكنجز الشهيروالمعهد الامريكي للسلام ومركز ستيمثون للابحاث وكذلك استعانت بمؤسسة زغبي ومعهد غالوب في رفد التقرير بالاحصاءات والاستبيانات االلازمة.
وعلى مدى اكثر من عشرين شهر زارت هذه الفرق المنطقة عشرات المرات واستمعت الى الكثير من الشخصيات الفاعلة في المشهد الشرق الاوسطي واتصلت بفرقاء الساحة السياسية واختصاصين في السياسة والتعليم والاقتصاد ومن قوميات ومذاهب واديان مختلفة وبمواطنين عاديين ايضا خصوصا من فئة الشباب، كما انجزت عشرات الاستطلاعات والاستبيانات المختلفة .
وفي 31 نوفمبر2016 اي بعد اقل من شهر من اعلان فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب رئيسا
2
جديدا للولايات المتحدة الامريكية، ولعل ذلك لم يكن مصادفة بريئة باي حال، اُعلن رسميا عن التقرير النهائي للمجموعة تحت عنوان: تقرير اولبرايت-هادلي: استراتيجية جديدة للشرق الاوسط.
التقرير يقع في 87 صفحة معزز باستبيانات ورسوم بيانية مهمة تتناول شتى المناحي المجتمعية في الشرق الاوسط.
ربما نكون قد اسهبنا في هذا التقديم لكنا نراه ضروريا لسببين:
الاول يتعلق بالحقيقة الاكبر وهو الحضور الطاغي والثقيل احيانا للقوة الامريكية الضاربة في المنطقة منذ حرب تحرير الكويت وحتى اليوم والذي سيستمر الى مدى غير منظور، لذا فأن اي تخطيط لبناء السياسات العامة في المنطقة تتجاوز الرؤية الامريكية او لا تضعها في مقدمة مرجعيات هذا التخطيط سواء في المواجهة او الترويج، ستكون قاصرة في الاحاطة بالرؤية البصيرة لما ينبغي فعله على ارض واقع الحقائق لا واقع التمنيات.
والثاني يكمن في الاجابة على تساؤل منهجي يفرض نفسه امام اي منشغل بالسياسة الامريكية الخارجية الاستراتيجية منها خصوصا : اين نبحث في الفكر الاستراتيجي الامريكي لنلامس الاتجاهات الجديدة في للفاعل الامريكي في المنطقة ؟ وهكذا قدمنا هذا التقرير اعتبارا الى المستوى المرموق للمؤسسة التي اشرفت عليه والمراكز البحثية المعتبرة التي شاركت في انجازه والقيادة المشتركة (جمهورية –ديموقراطية) لشخصيتين لهما خبرة كبيرة ومساهمات كثيرة في رسم سياسات استراتيجية امريكية متعددة، ولعله مفيدا التذكير بان السيدة اولبرايت هي ذاتها التي رأست لجنة الحكماء التي شكلتها قمة الناتو في ستراسبورغ العام 2009 لأعداد التقرير الاستراتيجي حول ما ينبغي على الناتو فعله اتجاه احداث محتملة في الشرق الاوسط الذي قدمته اولبرايت لقمة الناتو في لشبونة في نوفمبر 2010 وليس صدفة ان تبدأ احداث الربيع العربي في تونس بعد شهر من ذلك اي في ديسمبر 2010 . وقد نرى ان ذلك التقرير حَكَمَ الى حد بعيد ليس فقط سياسات الناتو اتجاه الشرق الاوسط بل والسياسة الامريكية ايضا منذ تلك السنة والى كتابة التقرير الجديد موضوع هذه الورقة. وكأننا نستشرف الحلقة الثانية من سلسلة الرؤية الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط.
ثانياً- في الاهداف واقطابها
يوجز تقرير اولبرايت-هادلي هدفه المركزي في ” البدء في تغيير المسار الحالي لمنطقة الشرق الاوسط ككل، حتى تستطيع المنطقة بمرور الوقت ان تتجه نحو نظام اكثر استقرارا وسلما لدول ذات سيادة”
نلخص ادناه الاهداف الاساسية للتقرير في ثلاثة اقطاب مركزية:
القطب الاول : الاهداف النهائية
وتشمل :
3
1-الحوكمة او الحكم الرشيد 2- التنمية الاقتصادية والاستثمارية 3-التنمية البشرية 4- الامن والسلام المجتمعي 5- التعليم المدمج بالتنمية (استثمار استراتيجي في تعليم مناسب للقرن الحادي والعشرين وخلق نظام ايكولوجي للابتكار) 6- اللامركزية وتعزيز دور الحكومات المحلية 7- اشراك الشباب في صناعة القرار العام للدولة وتنشيط دور منظمات المجتمع المدني واشاعة ثقافة المؤسسات التعاونية.8- العدالة الاجتماعية.
القطب الثاني: اهداف مرحلية تنفيذية
تتمثل بالعمل على:
3
1-بناء علاقة جديدة مع روسيا تأخذ بنظر الاعتبار المصالح الحيوية لهذه الدولة وتعتمد التعاون الحقيقي اتجاه القضايا المشتركة وتلك المشتبك بها ايضا.
2- المباشرة فورا في انهاء الصراع السعودي –الايراني الذي يعتبره التقرير المسئول الاساس عن الحروب الطائفية المشتعلة في المنطقة.
3- تقليص النفوذ الايراني المتزايد في المنطقة وما حولها عن طريق تفكيك الميليشيات المدعومة من ايران في دول كثيرة في المنطقة وقطع اذرع التمدد الايراني خصوصا في العراق وسوريا ولبنان واليمن وصولا لإدماج الدولة الايرانية الرصينة ضمن الاقليم الشرق اوسطي.
4- تكثيف الجهد الدولى والاقليمي والمحلي ودعمه لوجستيا وعسكريا للقضاء على داعش وطي ملف الارهاب المتطرف وذلك بملاحقة جيوبه وفصائله اينما كانوا .
القطب الثالث: اهداف إلغائية
تنحو اهداف هذا القطب اتجاه:
1- القطع التام مع سياسة تغيير الانظمة القائمة كما حدث في العراق وليبيا وما يحدث في سوريا او حتى بالطريقة التي تم فيه التغيير في مصر وتونس الى حد ما وتعزيز النظام القائم شرط ان ينخرط في هذا البرنامج الكبير.
2- الغاء فكرة اعادة تقسيم المنطقة والحفاظ على وحدة وسيادة الدول القائمة ، ومع ان التقرير يُقر ان تقسيمات سايكس- بيكو كانت استعمارية اضرت بالبناء السياسي اللاحق واثارت الكثير من النزاعات المسلحة احيانا إلا ان اعادة التقسيم -كما يرى التقرير- لن يصحح هذا الخطأ بل سيدخل المنطقة في اتون نزاعات قد تكون اقسى واشد، غير ان التقرير يؤكد ايضا ان الدول التي تسعى للحفاظ على وحدتها السياسية والجغرافية عليها تفعيل نظام اللامركزية وتنشيط دور الحكومات المحلية فيها والا فانها ستواجه التقسيم لامحالة وهو يعني بالدرجة الاولى الدول المهددة بالتقسيم حاليا وهي العراق وسوريا وليبيا واليمن .
3- الكف التام عن اعتماد سياسة فرض الاملاءات على دول المنطقة من خارجها والعمل على استبدالها بسياسة الدعم والاسناد لمشاريع وطنية منبثقة من صميم الحراك الداخلي السياسي والاقتصادي والاجتماعي .
نكتفي بهذا القدر من استعراض مكثف شديد لاهم النقاط التي نحسبها جوهرية ليس في التقرير بل وفي بناء رؤية محلية حولها وسنبين ذلك لاحقا، مشيرين اننا سنحتاج الى وقت اكبر والى

4
اوراق اكثر في تناول العديد مما لم نتعرض له في هذا التقرير وفي التفاصيل الدقيقة ولعل ذلك يتم في مناسبة اخرى .
ملاحظة نقدية:
اهم ملاحظة سلبية يمكن تسجيلها على تقرير اولبرايت-هادلي موضوع هذه الورقة هي انه اغفل قضية الصراع الاسرائيلي الفلسطيني باعتباره جوهر اغلب المشاكل التي عاشتها وتعيشها المنطقة بما فيها الظهور المتنامي لقوى التطرف العنفي بجميع عناوينه، حيث اكتفى التقرير في الاشارة الى هذا الصراع بسطور ثلاثة فقط لم تقل اي شيء لافت حوله مع ملاحظة ان اغلب الاستطلاعات الميدانية التي اجرتها مؤسسة زغبي او معهد غالوب لحساب التقرير اشارت الى ان قضية الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني مازالت تمثل احد اهم انشغالات الشباب
في المنطقة وان كانت لاتأتي في مقدمتها، غير انه من الواضح ان هذا الاغفال كان متعمداً لاسباب قد تتعلق بضغوط اللوبي الاسرائيلي وغيره، الا ان ذلك لن يمنع حتما ان نتناوله نحن- كما سنفعل في قراءة لا حقة- باهتمام يتناسب وقوة الحضور والتأثير لهذه القضية في اكثر الاحداث التي شهدتها المنطقة ومازالت تشهدها منذ عقود عديدة، العنيفة منها والساخنة .

ثالثاً- في مؤشرات التفعيل
نتناول في هذا الحقل بعض ما رصدناه في متابعتنا للسياسات المختلفة للإدارة الامريكية الجديدة في سعينا لمقاربة ما ورد في تقرير اولبرايت-هادلي مع حقائق الواقع الجديد الذي تشكل ملامحه الاولى ادارة الرئيس ترامب دون ان نعتمد التصريحات الصحفية والاعلامية الغزيرة والمثيرة – الا بدرجة ضيقة – خصوصا تلك التي اطلقها ومازال يطلقها الرئيس الامريكي الجديد سواء في حملته الانتخابية اوبعدها، بل التقطنا فقط ما تم انجازه فعلا وليس اخر سواه وقد كان التالي :
1- فريق العمل الذي اختاره الرئيس ترامب الى جانبه يتسم بموقفه المتشدد اتجاه ايران ونفوذها الممتد في المنطقة ويتفق ذات الفريق على مباشرة اجراءات فورية للحد من هذا النفوذ وتحجيمه الى اقصى حد ممكن ومازال التلويح بإعادة النظر في اتفاقيات الملف النووي مع الدولة الايرانية ورقة ضاغطة لتنفيذ ما اشار له التقرير حول كبح النفوذ الايراني في المنطقة.
2- في جانب بناء علاقة جديدة فاعلة مع روسيا الاتحادية نلاحظ الاتي :
أ-تعيين ريكس تيلرسون وزيرا للخارجية الامريكية الذي تربطه علاقة صداقة متينة وعلاقات تجارية ايضا بالرئيس بوتين وقد كان رئيسا لشركة نفطية كبيرة ومشتركة مع روسيا هي شركة اكسون نفط غاز. كما شغل منصب الرئيس التنفيذي لاكسون موبيل العملاقة.
ب- تعيين جون هانتسمان وهو رئيس المجلس الاطلنطي الذي اشرف على تقرير اولبرايت- هادلي، سفيرا لأمريكا في موسكو وازعم انه اهم منصب في الادارة الامريكية الجديدة على الاطلاق لجهة تفعيل الرؤية الاستراتيجية الجديدة ولا تخفى دلالة هذا التعيين .
5
ج- شهدت الساحة السورية تطورات ايجابية مثيرة ماكان لها ان تتم دون تفاهمات امريكية روسية فاعلة، فمن وقف اطلاق النار الفاعل لاول مرة في تأريخ الصراع المسلح في سوريا والذي فرضته روسيا -ولم تقترحه وحسب- على الفرقاء وصولا الى النشر المتزايد للقوات الامريكية على الساحة السورية والذي يتم لاول مرة، دون ردود فعل ممتعضة في الادنى، والاعداد لمعركة الرقة باشراف امريكي متميز، للقضاء على داعش وارهابها والذي يتوقع ان تبدأ العمليات فيها خلال الايام القادمة – حدث ذلك فعلا لاحقا كما هو معلوم وبتسارع مثير-، نكرر ماكان لكل ذلك وغيره ان يحصل وبكل هذه السلاسة دون توافقات روسية امريكية مسبقة.
د – وفي التفاهمات الأمريكية – الروسية ايضا، يبرز الاتفاق الامريكي – الروسي الذي تم في قمة العشرين التي عُقدت في هامبورغ في يوليو من هذا العام، والذي يقضي بوقف اطلاق النار على منطقة واسعة من الحدود السورية – الاردنية، وخصوصا منطقة الحدود المشتركة بين سوريا والاردن والعراق، باعتباره الانجاز الاكبر على مستوى العلاقات بين واشنطن وموسكو سيما ان هذا الاتفاق يشد
على منع ايران وميليشياتها من التواجد في هذا الشريط وقبل ذلك قام الطيران الامريكي ، اكثر من مرة، باستهداف تجمعات من الميليشيات الايرانية حاولت اختراق منطقة التنف الحدودية.
جملة اعتراضية:
في شباط عام 2016 وفي يوليو من نفس العام استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين –وهما لقاءان من بين عدة لقاءات سابقة-، هنري كيسنجر شيخ الجمهوريين والمفكر السياسي المعروف لعدة ايام في موسكو، ولعل الجميع يعلم ان كيسنجر يُعتبر المستشار الاكبر لكل مرشح جمهوري للرئاسة الامريكية، وقد كان كذلك في حملة الرئيس ترامب الانتخابية وبعدها ايضا، حتى تردد انه رفض منصب كبير المستشارين في ادراة ترامب الحالية، والمعروف ايضا ان كيسنجر كانت له رؤيا مغايرة تماما لادراة اوباما في التعامل مع الازمة الاوكرانية، فهو يرى انه لاينبغي التعامل مع روسيا وكأنها دولة هامشية بل باعتبارها دولة كبيرة ولها مصالح حيوية يتطلب الاقرار بها، كما ان اتخاذ الاجراءات العقابية بحقها من شأنه ان يمس الكبرياء القومي الروسي وهو امر سيعيق تطوير علاقات التعاون معها، وسيزيد من توتر العلاقات بينها وبين اوربا، واتضح لاحقا ان تلك الرؤيا كانت صائبة تماما، وبالتالي فالمتوقع للمعطيات السابقة ان تعيد ادارة ترامب بناء علاقات جديدة مع الدب الروسي وذلك تماما ماورد في تقرير اولبرايت- هادلي. واخيرا استقبل بوتين الشيخ الجمهوري في موسكو نهاية يونيو الماضي ، اي قبل اسبوع فقط من لقاء بوتين – ترامب على هامش قمة العشرين في هامبورغ والذي اسفر عن اتفاق وقف اطلاق النار في الجنوب السوري والذي ذكرناه فيما سبق، وليس ثمة مايدعو الى اعتبار هذا التزامن بين زيارة كيسنجر وتوقيت قمة العشريىن انما كان محض صدفة.
3 – لجهة انهاء الصراع السعودي الايراني نلاحظ مايلي:
قد يكون الاتفاق اللبناني على انتخاب الرئيس ميشيل عون رئيسا للبلاد نهاية اكتوبر من العام الماضي بعد تعذر ذلك لشهور طويلة، يسجل انطلاق اولى الخطوات على مسار التفاهم الايراني السعودي وبالتتابع يمكن ان نضيف :
6
أ – حراك دبلوماسي ايراني وخليجي بشكل عام لافت للنظر، فمن زيارة وزير الخارجية الكويتي الى طهران حاملا رسالة من مجلس التعاون بخصوص تطبيع العلاقات مع ايران الى زيارة السيد الجبير الى بغداد مرورا بزيارة الرئيس روحاني الى مسقط والكويت ونحن نتكلم هنا عن الزيارات المعلنة وحسب,
ب- زيارة السيد الجبير الى بغداد كانت نقطة تحول لافتة باتجاه تطبيع العلاقات مع بغداد وعبرها مع طهران.وبعدها كانت زيارة السيد العبادي ووزير الداخلية العراقي والاكثر فيها اثارة، كانت زيارة السيد مقتدى الصدر للسعودية والامارات وبدعوة من البلدين وبدا واضحا بما يكفي ان بغداد تلعب دور قناة ملائمة ايضا للتواصل بين الرياض وطهران. .
ج – اعلان طهران رسميا عن استعدادها لتطبيع العلاقات مع الرياض، وكان لقاء كزيي خارجية البلدين في مصافحة حميمية لافتة للنظرفي تركيا على خلفية اجتماع منظمة التعاون الاسلامي، كما يلاحظ السهولة التي تم بها تسهيل دخول الحجاج الايرانيين خلال موسم الحج الحالي.
د – استقبال طهران للمرة الاولى للمبعوث الاممي في الازمة اليمنية، واستعدادها للمساهمة في تسريع الحل السلمي للازمة وهي رغبة سعودية ملحة للفكاك من الورطة اليمنية.
4- حول ماورد في التقرير بخصوص تحجيم النفوذ الايراني نؤشر الى الاتي :
أ – شهدت الساحة السورية منذ اشهر قليلة متغيرات مثيرة سواءا في الوجود العسكري الامريكي المتزايد خصوصا في محور الرقة – الموصل ( هناك عشرة قواعد امريكية في سوريا اليوم اغلبها أُنشأ في فترة ادارة ترامب )، او في التغيير النوعي على مستوى التحالفات الجديدة لفرقاء الامس او في طبيعة الصراع المسلح ذاته من جهة التسليح النوعي او في تشكيل مجاميع وقوى جديدة وظهورها كقوى فاعلة خصوصا في مواجهة داعش ومنها على سبيل المثال، قوى سوريا الديموقراطية التي تحظى بدعم امريكي مُلف لنظر المراقب، وكان ذلك في العتاد كما في التدريب والدعم اللوجستي، الا ان الملاحظة الاكثر اثارة هي الانكماش الملموس في حركة حزب الله داخل سوريا وخضوعها- بشكل ما- لارادة القرار الروسي هناك، وبات طبيعيا الاقرار بان روسيا التي تمسك الارض في سوريا هي من تمسك ايضا –وبالضرورة- سلطة القرار السوري وقرار جميع الفصائل المسلحة التي تحارب الى جانبه وهي ايرانية الهوى والتدريب والتوجيه. ولعل في ( اختيار) حزب الله الحدود اللبنانية السورية، ومباشرة تطهيرها من داعش واخواتها ( الان فقط وليس قبل ذلك ) بالتنسيق مع الجيش اللبناني، انما يمثل حركة استباقية منه – وغالب الظن بتوجيه ايراني -، للحيلولة من ان تدخل هذه المنطقة الاستراتيجية ضمن تفاهمات روسية امريكية قادمة، ومن المفارقات المضحكة – المبكية، هي المفاوضات التي تجري الان، بين حزب الله وداعش لتأمين خروج افراد داعش من الحدود السورية اللبنانية نحو دير الزور، يحدث ذلك اول مرة ، علنياً، في سابقة مثيرة لعديد من الاسئلة، على مستوى التفاوض المباشر من اي جهة كانت مع داعش .
ب- انعكس ذلك وبوضوح كاف لا يحتمل الـتأويل في خطابات السيد حسن نصر الله الاخيرة وكان غريبا ان يدعو في احداها، المعارضة التي كان يحرص على توصيفها الى زمن قريب ب(الارهابيين)، يدعوها الى ( ترك معسكر العدو والانضمام الى محور المقاومة فالوقت مازال متاح)، ولعل ذلك يعبر-
7
دونما لبس – على حجم الازمة التي يعيشها حزب الله وكافة الفصائل المدعومة ايرانيا، من التحولات التى اشرنا لها سابقا.
ج – التزايد الامريكي المضطرد اتجاه مزيداً من العقوبات على ايران والتلويح المستمر بالملف النووي، ومساء امس فقط، حملت سفيرة امريكا تيكي هايلي الامم المتحدة وممثليتها في لبنان اليونوفيل، مسئولية الاهمال في منع تهريب الاسلحة الى حزب الله في لبنان والذي قامت به ايران وعلى مدى 10 سنوات بحسب ماذكرت هايلي، وفي وقت سابق دعت هايلي الى ارسال مفتششين دوليين لتفتيش المنشئات العسكرية الايرانية بخصوص النووي .
د- في ذات الاتجاه تتعرض فصائل الحشد الشعبي في العراق خصوصا تلك المصنفة ايرانية، الى حصار امريكي ملموس منعها الى حد بعيد من المشاركة في معركة تحرير الموصل الا بحدود محسوبة امريكيا، ولعل في الاعلان الامريكي عن بقاء قوى التحالف في الموصل بعد تحرير المدينة من داعش الى فترة ثلاث سنوات اخرى، (إُعلن اخيرا عن عزم امريكا بناء اربعة قواعد عسكرية في محافظة نينوى، احداها شُرع في بناءها في مدينة تلعفر التي اثارت جدلا لم ينقطع )، ما يؤ كد القرار الامريكي بتحجيم
النفوذ الايراني في مناطق نشط فيها بقوة. وينبغي ايضا ملاحظة ما تم من منع الميليشيات الايرانية من التواجد على منطقة واسعة من الجدود السورية – الاردنية والعراقية ايضا ( منطقة التنف ) وذلك على خلفية الاتفاق الروسي – الامريكي المشار اليه اعلاه.
ه – من الملاحظ ان امريكا تصر على تأكيد حضورها الفعّال، على محورين استراتيجيين، لوجود داعش في المنطقة، الاول تمثله المنطقة المحصورة بين الرقة والموصل، والمحور الثاني الممتد بين دير الزور ومدينة القائم العراقية ، حيث يجري الان الدفع بعناصر داعش المتبقية للهروب نحو محور دير الزور – القائم بعد هزائمهم المتلاحقة في المحور الاول على طرفيه الموصل والرقة، وتعزيزا للهيمنة الامريكية على المحورين، واعلن اخيرا – وايضا عن طريق اتفاقات روسية امريكية – عن تقسيم دير الزور الى قسمين الاول شمال الفرات يكون تحت سيطرة قوى الشعب الديموقراطية المدعومة امريكيا، والاخر جنوبه يكون لقوات انظام السوري فقط اي دون تواجد ميليشيات ايران فيه، ويؤكد المراقبون ان معركة الحسم النهائي على قوى الاساسية المتبقية لداعش ستكون في المحور الثاني الذي تحكمه الى حد بعيد الارادة الامريكية في طرفيه، ان خلاصة ذلك يعني وبوضوح شديد، القطع الامريكي التام للهلال الشيعي الممتد من ايران الى لبنان مرورا بالعراق وسوريا الذي سعت اليه ايران وبقوة وبتضحيات بشرية كبيرة دفعها للاسف الشديد شباب العراق سوريا ولبنان، بل ان البعض توهم ان الهلال سيصبح بدرا شيعيا كاملاً.
5 – وفي الواجهة اليمينية يكفي ان نشير الى الزيادة الملحوظة في عدد القطع البحرية الامريكية خصوصا تلك المتخصصة في الرصد الاستخباري والمراقباتي في البحر الاحمر وباب المندب والخليج العربي و وصلت مياه الخليج حاملة الطائرات العملاقة يو-اس-اي جورج بوش والمناوشات المتعددة بين القطع البحرية الايرانية والامريكية، والتحول الذي ينبغي التوقف عنده مليا هو الاعلان عن عودة محدودة للقوات الامريكية الى اليمن في اطار محاربة داعش والقاعدة هناك، واضح ان كل ذلك يندرج في الجهد الامريكي المبذول لتحجيم النفوذ الايراني في المنطقة.
8
من الضروري ونحن نختم هذا الرصد المكثف ان نشير الى احداث، تبدو كما لو انها خارج سياق التوجهات الامريكية الجديدة، ومن ابرزها الازمة التي مازالت متواصلة بين قطر من جهة والسعودية والامارات والبحرين ومصر من جهة اخرى، كما هي التغييرات الحادة التي طرأت على تراتبية حكم العائلة السعودية وصعود ابن الملك سلمان الى ولاية العهد واقصاء محمد بن نايف عنها وتداعيات ذلك على مستقبل النظام الساسي الحاكم في السعودية، وتصاعد المد الاوردوغاني المتسلط في النظام الرئاسي الجديد في تركيا وتهديده للمسار الديموقراطي في هذا البلد والازمات التي تنفجر في كل مرة امام العلاقات الروسية الامريكية، واحداث كثيرة اخرى وان بدت غير ذات اهمية، كل تلك الاحداث في نهاية اي تحليل موضوعي، لن تهدد جديا المسار الاستراتيجي للسياسة الامريكية الجديدة في الشرق الاوسط ويمكن جدا تغيير اتجاهتها لتتوائم وهذا المسار بشكل ما.
رابعاً – موسم قطف الثمار
تبدو الحلقة الراهنة من سلسلة المسار الاستراتيجي الامريكي في المنطقة، وكأنها موسم الحصاد لحلقتين سابقتين من ذات المسار ومرتبطة بهما، الاولى من 2003 -2010، ولنا ان ندعوها ب ” المرحلة العراقية للفوضى الخلاقة “، والمرحلة الثانية الممتدة للفترة من 2011 – 2016، ما يمكن تسميتها ب ” المرحلة الشاملة للفوضى الخلاقة ” حيث انطلق ما سمي لاحقا بثورات “الربيع العربي “، وحصل التغيير الدراماتيكي في تغيير انظمة الحكم في تونس ومصر وليبيا وكاد ان يحصل في سوريا واليمن، وشاعت وانتشرت كلهيب نار في كومة تبتن ممتدة – وماتزال -، فوضى تدميرية عارمة شملت الناس والحجر والاخضر واليابس، ولعله من المجدي التذكير مع كثير من التأكيد، ان حجم هذه الفوضى كان اقسى واكثر خرابا وتدميرا في البلدان التي تم التغيير فيها عن طريق تدخل عسكري من خارج الحدود،
سواءا باحتلال مباشر – العراق -، او باحتلالات غير مباشرة – ليبيا وسوريا واليمن – ، واستخدمت في طريق نشر هذه الفوضى التخريبية الشاملة ، جميع الادوات المحلية الممكنة من الصراعات القبلية والاثنية والدينية والعقائدية والقومية والتي كانت دائما متوفرة ومخزونة في قاع المجتمعات في تلك البلدان وغيرها ايضا، وعلى العكس من ذلك، حينما ابتعد الاخر – نسبيا -، عن التدخل العسكري المباشر حصل التغيير باضرار اقل بما لايقاس، كما حصل في التجربتين التونسية والمصرية حيث تم احتواء اثار هذا التغيير العاصف ايضا، بخسائر اقل وبنهوض اسرع، ومن المفارقة ان يدعو تقرير اولبرايت – هادلي الى اعتماد التجربة التونسية باعتبارها نموذجا مرجعيا باهرا تسترشد به دول المنطقة لقياس مدى تطور تجاربها الحديثة في البناء الديموقراطي.
لقد انتقد الرئيس ترامب في حملته الانتخابية ومابعدها ، انتقادا شديدا ادارة اوباما والادارات الامريكية السابقة له، افي تدبيرها للسياسة الاقتصادية لامريكا، واعتبر ان هدر مئات ثقيلة من مليارات الدولارات في الشرق الاوسط في حروب وحمايات لانظمة بعينها، كان قرارا خاطئا وانعكس سلبيا على النشاط الاقتصادي العام للولايات المتحدة وعزا افلاس الاف الشركات وانكماش نشاط الاف اخرى، كان بسبب تلك السياسات السيئة للادارات السابقة، ووعد باسترجاع تلك الاموال المهدورة من وجهة نظره، ووعد ايضا باعادة النشاط للشركات المعطلة وعودة الروح الواعدة للاقتصاد الامريكي، لمواجهة الغول الاقتصادي الصيني القادم…وبدأ ترامب فعلا في قطف الثمار وكان اول غيث الحصاد، حين قام في
9
اوائل يونيو (حزيران ) المضي بزيارة اسطورية للسعودية جُمعت له فيها عشرات الدول العربية والاسلامية في ثلاث قمم متتابعة، مع السعودية ومع دول مجلس التعاون الخليجي والثالثة مع دول المنطقة ودول اسلامية، وكان مهرجانا كبيرا خرج منه ترامب الرابح الوحيد بحمولة نصف تريليون دولار ومليون فرصة عمل جديدة للشعب الامريكي على مدى عشر سنوات، وهذه صفقات معلنة، وبالتأكيد هناك عشرات اخرى لم تعلن مع دول ثرية متنوعة واكيد بمليارات اضافية اخرى…وكان ذلك قطف لبعض ثمار ناضجة….
اتساقاً مع ذلك ووفق ماورد في تقرير اولبرايت – هادلي من ” السعي الى تنمية اقتصادية في المنطقة ” و” اطفاء الحروب المشتعلة ” وغيرها، نستطيع ان نفهم قدرا كبيرا من الاحداث التي شهدتها المنطقة خصوصا على مستوى النشاط الامريكي فيهان ونحسب ان ادارة ترامب تسعى جاهدة على طريق انضاج الثمار الاخرى الى مايلي:
1 – اطفاء اكثر الحروب اتقادا ودمارا وكانت الحملة الامريكية الجادة هده المرة في انهاء ملف داعش والارهاب المتمكن في المنطقة فكانت الانتصارات المتلاحقة والسريعة في الموصل والرقة وتلعفر اليوم.
2 – العمل على حسم الملف السوري عبر تفاهمات كبرى مع الراعي الروسي وتحقيق ادنى قدر مطلوب لتنشيك العمل الاقتصادي لذلك لم يعد مهما لادارة ترامب بقاء الاسد اوغيابه في الترتيبات القادمة.
3 – العمل على تفكيك جميع انواع الميليشيات المسلحة وتقوية الدور الامني للدولة خصوصا في المناطق التي تم تحريرها من داعش في العراق وسوريا لتأمين حالة امنية مستقرة تستطيع الشركات الكبرى مباشرة اعمالها بكل امان وسلام.
4 – وفي العراق الذي تعتبره امريكا مجال حيوي واستراتيجي امريكي خالص تنفرد وحدها فيه، تعمل امريكا اليوم على استثمار الواقع الجديد لما بعد داعش لصالح تنشيط الدورة الاقتصادية الامريكية كما اشرنا اعلاه، لذلك فهي تعلن عن عزمها للبقاء على الاقل ثلاث سنوات قادمة في المناطق الحررة من داعش، وتأكيدا لهذا العزم اعلنت عن بناء اربع قواعد عسكرية في منطقة نينوى لوحدها، ووردت انباء مؤكدة من فاعلين في هذا الشأن ان شركات امريكية عملاقة كلفت مراكز استرتيجية معروفة لمسح المناطق المحررة على جميع المستويات – هذا العمل متواصل الان فعلا توطئة لدخول هذه الشركات في برنامج واسع لاعادة اعمار تلك المناطق ، وحين نعرف ان كلفة اعمار تلك المناطق لوحدها تتراوح مابين 300 الى 500 مليار دولار لأدركنا سبب حرص ادارة ترامب على تبني الكثير مما جاء في تقرير اولبرايت – هادلي موضوع هذا المقاربة.
5 – فتح معبر عرعر المنفذ الحدودي بين العراق والسعودية بعد اغلاق استمر لاكثر من26 عاما، وكذلك قرب فتح معبر طربيل مع الاردن بعد تأهيل الطريق الدولي بغداد – عمّان، والذي قامت بتأهيله احدى الشركات الامريكية ؟؟ ، وأُسندت حمايته ايضاً لشركة امنية امريكية اخرى؟؟ كل ذلك يؤكد مرة اخرى على السياسة الامريكية الجديدة في المنطقة … والهدف في نهاية المطاف اقتصادي بحت ووفق

10
ما سبق، سيتم انضاج الثمار المتبقية، وهي كثيرة، قبل قطافها – في العراق حصرا – بيد امريكية خالصة…
خامساً – الخلاصات..عراقياً
لم يعد امرا خافيا، ان المشروع الاستراتيجي الامريكي الكبير في الشرق الاوسط وحوله، انطلق – ولا سباب متعددة لاسبيل الى تناولها الان – من العراق عبر احتلاله في 2003 ، فعبر بغداد اطلق المارد الامريكي نيران” جهنم ” العاتية لتضرب لاحقا المنطقة بالكامل ولعل الحال ينطق بأبلغ من اي لغة في التحليل، والى بغداد يعود ذات المارد اليوم ليطفئ أغلب الحرائق التي نجمت عن احتلاله للعراق، بأمل تحقيق المكاسب المادية والفوز بالجائزة الكبرى لهذا السباق المرير، بعد طول ” استثمار” وانتظار مدمر للمنطقة وبالتالي فأن اي قراءة تغفل الحقائق التي تطرقنا الى بعضها في هذه المقاربة ، انما ستكون قاصرة تماما في فهم ما ينبغي الاستعداد له لمرحلة ما بعد داعش، انها لحظة انعطاف حقيقية بالغة الدقة والتمرجح، وفق ذلك ومن خلاصات رئيسية رشحت من تحليلنا المكثف عبر استعراضنا السريع اعلاه للرؤى كما للاحداث المحيطة بنا، نخلص الى الاتي :
1 – من المؤكد ان مرحلة ما بعد داعش ستكون مختلفة تماما عن ما قبلها، وعلى كافة المستويات السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية، لذا فان التعامل الجديد مع تفاصيل هذه المرحلة ينبغي ان يتم وفق وسائل وادوات جديدة تتناسب وحجم المتغير الكبير الناجم عن هزيمة داعش وتحرير العراق من ارهابه المتعدد.
2 – وفق ذات السياق، وبانتباهة الى ماورد في تقرير اولبرايت – هادلي حول اعتبار اعادة تقسيم المنطقة، هو احد اسوء الخيارات التي ينبغي – كما يشير التقرير – للادارة الامريكية ان تتجاوزه ، في الادنى في المرحلة الجديدة، وبتأكيد ذلك عن طريق الرفض الامريكي لقرار الاستفتاء في اقليم كردستان الذي قررته القيادة الكوردية يوم 25 –سبتمبر (ايلول ) القادم، يبدو لنا ان هذا الاستفتاء سيجري تأجليه وسيتعلل ذلك بمخارج شتى.
3 – ان قرار تأجيل الانتخابات المحلية الى موعد الانتخابات اليرلمانية واجراءهما معا في ابريل ( نيسان ) القادم، لا نحسبه تم بسبب مشاكل تقنية لوجستية او بسبب احتدام الحرب ضد داعش، بل انه اتخذ ايضا، لاسباب تتعلق بطبيعة اضطراب مسار العملية السياسية ذاتها في مرحلة مابعد داعش، اضافة الى مشاكل فرضها واقع التخريب التام الذي شمل خمسة محافظات ونزوح الملايين من ساكنتها، فكيف يمكن تصور امكانية اجراء انتخابات في مثل هذه المحافظات سواء الان او في السنة القادمة، وبمعنى مباشر، وضمن هذا التصور لا ثمة مايدعو في الاصل الى اجراء اي انتخابات قبل النظر في مستقبل العملية السياسية الراهنة اولا.
4 – وضمن ذات الرؤية الامريكية الجديدة، قد تظهر وبقوة الحاجة الملحة في التقييم الشامل للعملية السياسية وحصيلتها الكارثية على جميع المستويات الخدمية والامنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية مما يطرح بالضرورة سؤال التغيير انطلاقا من اعادة بناء عملية سياسية جديدة تأخذ بنظر الاعتبار

11
كل النتائج السيئة المستخلصة من المسيرة المريرة والتدميرية للعملية السياسية الراهنة.
5 – ولاجل تفعيل الاستراتيجية الامريكية الجديدة في الشرق الاوسط والعراق في القلب منه، يتحتم الاستعداد منذ الان، لخوض غمار حرب شرسة اخرى بعد داعش، هي الحرب على الفساد ومنظومته المترسخة التي لن يتم تفكيكها، قبل الاجهاز وتصفية اجهزتها الميليشياوية المسلحة وكافة اشكال التسلح غير الرسمي والمافيوزي المحيط بها، حين ذاك فقط يمكن تفكيك اجهزة الفساد الاخرى وبشكل جذري عن طريق اعادة بناء العملية السياسية واعادة تأهيل السلطة القضائية وتفعيل دورها الحاسم خصوصا في فتح ملفات الفساد الكثيرة والمتعددة واصدار الاحكام الناجزة فيها.
6 – كل ماذكرناه اعلاه من توقعات نعتقد بموضوعيتها، عند تناول الشأن السياسي العراقي في مرحلة مابعد داعش، تستلزمه ايضا الحاجة الامريكية الى نظام سياسي جديد يحقق لها اهدافها المعلنة – في الادنى – بخصوص قطف الثمار الذي اشرنا اليه سابقة وثمرة العراق طال انتظارها امريكيا وعراقيا قبلها ولن يتأتى ذلك عبر ذات الوسائل والادوات التي يكفيها تقيما، انها انتجت داعش واخواتها، وبالتالي تغيير الوسائل يعني بالضرورة تغيير الاطار الذي تعمل داخله اي تغيير العملية السياسية ذاتها.
ختاما وكي لا يُساء فهم مضامين هذه المقاربة، نؤكد انها تتعلق بالرؤيا الامريكية الجديدة حصرا، وبالتالي نحن لم نغفل التأثيرات الاخرى الفاعلة ومنها الحراك الشعبي المدني والقوى الحيوية الاخرى فيه، لكنا مع تقديرنا لكل ذلك، ينبغي لنا جميعا ان لا نغفل ايضا، ان العراق مازال خاضعا – بشكل ما –
للاحتلال الامريكي وان اختلفت الصياغات، وسيبقى كذلك الى مدى غير منظور وسيبقى القرار العراقي في عمقه، مصادر ولمدى غير منظور ايضا ، من قبل المحتل الامريكي، لذلك ولاسباب مختلفة، تبرز الضرورة في الفهم والادراك الواعي لما تنطوي عليه سياسات الراعي الامريكي لتدبير وتسيير شأننا السياسي العام وفي الادنى تحقيق السلم الاهلي والامن الجماعي الذي بات حلما لكل عراقي وقبل رغيف الخبز في احيان كثيرة. اننا فقط نحاول ان نفهم الاخر الفاعل فينا من دون اضافات او توهيمات يحلو للبعض ترديدها، ذلك ان واقع الحقائق هو امر يختلف تماما عن واقع الاوهام والتمنيات.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة